صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3593 | الأحد 08 يوليو 2012م الموافق 18 رمضان 1445هـ

الشيخ عيسى بن محمد ال خليفة: أولوياتنا للعمل الوطني في المرحلة المقبلة

بقلم: الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة *

إن أولوياتنا للعمل الوطني ما يلي: أولا: تحقيق أو إعادة السلم الاجتماعي للأفراد وللمجتمع ككل: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة". لا شك أن المجتمع الذي يريد الرقي والتقدم لا بد أن يعمل على إيجاد كافة الضمانات اللازمة لنشر السلام في بيئته.. سلام الإنسان مع نفسه، وسلام الإنسان في بيته وبين أسرته، وسلام الإنسان في محيطه، وسلام الطائفة مع الطائفة، وسلام الفرد مع حكومته، وسلام الدولة مع جيرانها.

وكأولوية أولى في هذا الجانب بالنسبة إلى مجتمعنا يأتي من بين ما ذكرناه السلم الاجتماعي على مستوى أفراد ومؤسسات المجتمع الواحد. وما يحقق هذا الأمر القضايا التالية:

1) الهوية: تعزيز الهوية الإسلامية العربية للمجتمع البحريني هي أحد مرتكزات مشروعنا الوطني ونحن نضعها في قمة هرم الأولويات.. إذ نعتقد أنه لا سلم ولا استقرار سواء ماديا أم معنويا وسواء فرديا أم جماعيا دون أن تستقر هذه الهوية هوية الإسلام بمفهومها الشامل الرحب العالمي العريض في النفوس والمؤسسات وأجهزة التوجيه والتربية والإعلام.. إن الهوية تمنح الناس أمنا ثقافيا هو أساس كل أمان يحتاج إليه المجتمع في نهوضه وتطوره. المجتمع البحريني يعاني اليوم من فقدان هوية واضحة للبلاد مما أدى إلى اختلال القيم وانحدار الآداب العامة وتيه الشباب وفوضى الإعلام والفنون وهبوط الذوق العام وانتشار بعض ألوان السياحة الهابطة ومظاهر الانحلال حتى وصلت إلى الشارع والأماكن العامة.. كما أدى ذلك إلى انتشار التعديات على الأعراض وانتشار الجريمة المرتبطة بضعف الأخلاق والقيم والحاجة إلى إشباع الغرائز أي فقدان النظام والأمن العام للناس.
لذلك كله نحن بحاجة إلى نهضة أخلاقية أساسها هوية واضحة تتفق على مفرداتها الأمة أو غالب الأمة. ونحن في جمعية الإصلاح نؤمن أن الهوية (وكذا الحال بالنسبة إلى تطبيق الشريعة) لا يمكن فرضها بالقوة كما حدث في العديد من التجارب الإسلامية والعربية الفاشلة وإنما هي عملية بناء تشاركية وعملية مفاوضة دعوية.. وهذا ما عنيناه بالضبط في رسالة جمعيتنا عندما قلنا: "نسعى إلى التوجه مع المجتمع أفرادا ومؤسسات ونظما نحو الالتزام بالإسلام كمرجعية عليا.." قلنا نسعى وقلنا: "مع المجتمع" ولم نقل: "بالمجتمع".

2- الوحدة الوطنية: من أدوات السلم الاجتماعي المنشود كذلك والرئيسية الدعوة إلى الوحدة الوطنية التي تمثل أحد مرتكزاتنا الأربعة في مشروعنا الوطني. سوف نسعى إلى ترسيخ هذا المفهوم قولا وعملا إيمانا منا بأن التعاون في الخير واجب شرعي ووطني والمواطنة حق لجميع من يعيش على هذا التراب وان عكس الوحدة والتعاون هو النزاع والصراع والدمار والخراب.

3- الأسرة البحرينية: المحافظة على استقرار كيان الأسرة البحرينية أساس من أسس السلم الاجتماعي.. وكما هو ملاحظ في العقود المتأخرة فإن الأسرة للأسف آخذة في التفكك والانهيار بما صاحب فترة الطفرة النفطية من مظاهر الاستهلاك السلبي الذي تحالف مع ضعف الانتماء إلى الهوية الإسلامية لكي يقض مضجع الأسرة ويزلزل كيانها. إن أمورا وإجراءات لابد أن تتخذ لدعم استقرار الأسرة بعد تربية النشء تربية صالحة على هوية إسلامية عربية واضحة من مثل: توفير السكان اللائق، ودعم الأمهات العاملات، وتيسير التقاعد المبكر لهن مع كافة المميزات، وتمويل رياض الأطفال والحضانات، وتوفير المواصلات اللائقة للمدارس، وتوفير الدعم الصحي والغذائي للأطفال، وتشجيع ودعم دور المسجد والنشاط الأهلي في تماسك الأسرة، وتوفير العلاج النفسي والاجتماعي للأسر المفككة.

4- تفعيل المشاركة الشعبية: مما يشيع الطمأنينة والأمان لدى أفراد المجتمع وفئاته هو تفعيل المشاركة الشعبية في تحديد ورسم مستقبل البلاد وخطط التنمية وكافة القضايا التي تهم الإنسان في معيشته كالتربية والبيئة والسكن والصحة والرياضة والثقافة والإعلام وغيرها.. وندعو هنا إلى ألا يكتفى بدور الشعب في مراقبة ومحاسبة أداء الحكومة فحسب بل لا بد من المشاركة الشعبية المتخصصة في مجالس تنشأ لإدارة السياسات العامة لشتى المجالات التي تهم المواطن.

5- تطوير منظومة الأمن الداخلي ورفع كفاءتها وإعادة ترتيب أولوياتها لتقوم بالدرجة الأولى بدورها في حماية الأفراد في المجتمع من كافة ألوان التعدي على أرواحهم أو أعراضهم أو حرياتهم الشرعية أو أموالهم وممتلكاتهم. ثانيا: في المجال الاقتصادي: أما الأولوية الأخرى التي نطمح إلى أن نفعلها في المرحلة القادمة فهي المجال الاقتصادي.. وتحديدا نريد العمل على توسعة الطبقة المتوسطة في المجتمع على حساب الطبقات الفقيرة. ويعني ذلك رفع مستوى نوعية الحياة التي يحياها الشعب البحريني وفتح فرصة أكبر للدولة لكي تستفيد من الطاقات البشرية الكامنة في المجتمع لمزيد من التنمية والتفوق الإقليمي والعالمي على المستوى الاقتصادي.

ولتحقيق هذا الأمر هناك إجراءات تعتبر مباشرة وإجراءات كبرى بعيدة المدى. أما الإجراءات المباشرة فتتمثل في:
1) إحلال العمالة الوطنية محل الأجنبية بشكل منظم.
2) توفير التعليم الجامعي المجاني للمؤهلين من أبناء الوطن.
3) منع الاحتكار وضمان تكافؤ الفرص للجميع.
4) تفعيل فريضة الزكاة.
5) وضع حد أدنى للرواتب.
6) توسعة نطاق وتطوير أنظمة الضمان الاجتماعي وحماية طبقات الدخل المحدود من الآثار السلبية للخصخصة. وتتمثل الإجراءات الكبرى البعيدة المدى في
: 1) ان التنمية الاقتصادية الحقة لأي بلد يجب أن تبنى في المقام الأول على قدرة علمية وبحثية رصينة وعلى قاعدة تكنولوجية متينة، واستغلال هذه القدرة وحسن توظيفها في القطاعات الأساسية وهي الزراعة والصناعة والتعليم والإعلام والنقل والصحة والبيئة. إن خلق هذه القاعدة وحسن استغلالها سيكونان العامل الحاسم في تسريع وتيرة النمو في القطاعين الاقتصادي والاجتماعي. من هنا فإن هذا الهدف يمكن أن تجتمع عليه كافة شرائح المجتمع بأطيافه المختلفة فيتحول هذا الهدف إلى قضية كبرى تتوحد عليها الأمة صغيرها وكبيرها كما حدث في اليابان أو ألمانيا أو سنغافورة من التجارب الناجحة.
2) محاربة الفساد الإداري والمالي وفضح المفسدين ومحاسبتهم بالقانون.
3) التوجه السريع نحو تطبيق التقنية الحديثة والتحول إلى الحكومة الالكترونية وذلك لرفع الكفاءة وتقليل الهدر وإنشاء بنية جيدة للاستثمار.
4) التوجه نحو التكامل الخليجي وصولا إلى الوحدة الكونفيدرالية أو الفيدرالية. إننا نؤمن بأن مسألة الوحدة الخليجية هي قضية اقتصادية وأمنية وتمس بشكل مباشر رفاه الوطن ومعيشة المواطنين.. إذ انه في عصر العولمة السياسية والاقتصادية هذا الذي نحياه وفي ظل اتفاقيات الجات فإنه لا مكان للدويلات الصغيرة ولا سيادة حقيقية لها، ومن دون أن تتكتل سياسيا واقتصاديا مع جيرانها فإنها تصبح نهبا للشركات والدول الكبرى وسوف تتعرض للتبعية الكاملة لكافة المشاريع المعادية التي تريدنا أسواقا لمنتجاتها وتابعة لثقافاتها. ويأتي على رأس تلك المشاريع المعادية المشروع الصهيوني الغربي. لذا فالتوجه نحو الوحدة الخليجية ضرورة اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية..
وأحب أن أشير في معرض حديثي هنا عن مبدأ سيادة الدولة.. إلى أنه في السابق كانت سيادة الدولة متضخمة وموجهة إلى داخل حدودها وإلى مواطنيها بينما هي شبه معدومة في الخارج وهي تابعة لمشاريع الدول الكبرى مما أدى إلى ضعف التماسك الداخلي وفقدان السلم الاجتماعي وفشل خطط التنمية واستشراء الفساد الإداري والمالي. أما الآن ولله الحمد فإنه يعاد بناء الدولة على أسس حضارية وإسلامية وعصرية أساسها تفويض المجتمع وإشراكه في عملية البناء.. وما نحتاج إليه الآن هو التكتل الخارجي مع "الإخوان" في الخليج والجزيرة، الأمر الذي يمنحنا سيادة حقيقية أمام تيارات العولمة الرأسمالية الجارفة.

5 - وضع الأسس وإيجاد المناخ المناسب وتكوين الآليات لتأسيس اقتصاد متين ينمو باستمرار.. ومن أهم هذه الآليات:
* تفعيل القطاع الخاص الوطني وحماية التنافس الحر وتكافؤ الفرص.
* تأهيل القيادات الإدارية الوطنية.
* فتح الأسواق الخارجية للصناعة الوطنية.
* تشجيع الرساميل الوطنية ثم الأجنبية على الاستثمار داخل البلاد.
* الالتزام بمعايير الجودة.

(ملاحظة: الشيخ عيسى بن محمد ال خليفة، رئيس جمعية الإصلاح)
 

 


المصدر: صحيفة اخبار الخليج
بتاريخ: 10 / 5 / 2001


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/686758.html