صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 3678 | الإثنين 01 أكتوبر 2012م الموافق 19 رمضان 1445هـ

رئيس لجنة تقصي الحقائق لـ : سنفتح كل الملفات بالبحرين.. ولا أحد فوق القانون

مقبل الصيعري
قال البروفسور محمود شريف بسيوني، خبير الجرائم في هيئة الأمم المتحدة رئيس لجنة تقصي الحقائق في البحرين، أن المهمة الموكلة إليه في البحرين هي كشف الحقائق والتجاوزات، من خلال فتح كل الملفات، مؤكدا أنه لن يكون هناك أحد فوق القانون، وأن الأوضاع في البحرين لا تقارن بما يحدث في دول أخرى، لكن بحكم أنها دولة صغيرة فإن الأحداث لها تأثير اجتماعي ونفسي أعمق.
وأشار بسيوني إلى أن الحالة السورية تحتاج لتدخل دولي وتشكيل لجنة للتحقيق في الجرائم المرتكبة هناك، على غرار اللجنة التي يترأسها في ليبيا. وتطرق في حوار لـ«الشرق الأوسط» إلى الوضع في مصر، مبديا مخاوفه من المستقبل في ظل الأوضاع الراهنة وعدم وجود قيادة حقيقية تقود البلاد إلى إصلاح حقيقي، وقال إن البلاد تعاني من فراغ سياسي، وعدم وجود حزب قادر على قيادة البلاد، على حد تعبيره.

وكشف بسيوني عن جرائم اغتصاب حدثت في ليبيا، واستخدام أسلحة محرمة تسمى «دمدم» وأسلحة فسفورية، وأشار إلى أن كل الدلائل تشير إلى أن الزعيم الليبي معمر القذافي تجب محاكمته دوليا على خلفية جرائم الحرب التي أدت إلى قتل نحو 15 ألف ليبي خلال 4 أشهر.

كما كشف البروفسور محمود بسيوني أن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أنشئت بناء على تقريره في يوغوسلافيا السابقة، وأنه كان مرشحا كمدع عام لولا معارضة روسيا وبريطانيا وجنسيته المصرية.

* كيف لك أن تصف لنا خطوات تشكيل لجنة تقصي الحقائق والتي كانت مفاجأة للجميع.. وكيف تم اختيارك؟

- الفكرة جاءت من العاهل البحريني، حيث كانت له اتصالات دولية لترشيح بعض الأسماء، وفي هذه الأثناء كان اسمي يتردد في الإعلام بحكم أنني رئيس للجنة هيئة الأمم المتحدة للنظر في الجرائم المرتكبة في ليبيا، ومن كان ينظر لما يحدث في ليبيا كان ينظر إلى ما كان يجري في مثل هذه اللجان أو التحقيقات في الحروب السابقة. حيث شاءت الظروف أن تكون أول لجنة للتحقيق في العالم منذ الحرب العالمية الثانية إلى انتهاء محاكم نورنبيرغ، مختصة بتشكيل محكمة يوغوسلافيا السابقة في عام 1992، وشكلت من قبل مجلس الأمن وعلى أعلى المستويات وأعطيت كامل الصلاحيات، وتم ترشيحي رئيسا لها، وعملت لأكثر من سنة ونصف السنة في التحقيق في جرائم الحرب في يوغوسلافيا، واضطر مجلس الأمن لإنشاء محكمة دولية خاصة بيوغوسلافيا، وذلك وفقا للتوصيات التي تضمنها التقرير المعد من قبل اللجنة برئاستي، وبالمناسبة كان أكبر تقرير في تاريخ مجلس الأمن حيث تضمن 3500 صفحة وكان مدعما بـ76 ألف مستند و300 ساعة من الفيديو و3 آلاف صورة. ويكشف التقرير عن 151 مقبرة جماعية، وقمنا بأول تحقيق في العالم عن الاغتصاب كسياسة للحرب، وحققت في حالات الاغتصاب شخصيا ضمن فريق مكون من 30 امرأة محققة اخترتهن بنفسي، وحققت شخصيا في 223 حالة تحقيقا مباشرا، وحصلنا على 575 إقرارا لنساء اغتصبن وتم تحديد هوية المغتصبين، وتعرفنا على أكثر من 4400 حالة اغتصاب وكانت جرائم فظيعة لم أكن أتوقعها.

* وماذا تعني ظاهرة حالات الاغتصاب؟

- في تقديري أن هذه الأفعال كانت ضمن سياسة التطهير العرقي، كون الصرب عرفوا العقلية الإسلامية ومعنى وآثار الاغتصاب في المجتمع الإسلامي، ولأن العائلات التي أصيبت بهذه الكارثة لا تستطيع العودة إلى مكانها. وعلى سبيل المثال ذهبت إلى مدينة اسمها أومرسكا ووجدت أن 18 بنتا من مدرسة ثانوية واحدة قد اغتصبن، من قبل زملاء لهن تم الإيعاز لهم بالاغتصاب كي لا تعود عائلات هؤلاء البنات إلى هذه المدينة مرة أخرى، وكان يقطن تلك المدينة 54 ألف مسلم، لكن بعد عمليات التطهير العرقي لم يتبق منهم سوى 4 آلاف نسمة، لأنه يصبح من الصعب التعايش مع الجاني خصوصا أن هذا المجتمع كله صربي وبالتالي فإن الجاني الصربي لا أحد يجرؤ على القبض عليه لأنه صربي، واكتشفنا مآسي كبيرة، حتى إن مجلس الأمن بعد أن اطلع على التقرير المتضمن الأدلة والحقائق الموثقة، لم يستطع أن ينسحب من مسؤوليته أو البحث كالعادة عن حل أو مخرج سياسي، بل اضطر إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، على الرغم من أنه عندما رشحني رئيس مجلس الأمن لمنصب المدعي العام للمحكمة الجديدة التي أنشئت بسبب هذه الجرائم (محكمة لاهاي) فإن روسيا وإنجلترا رفضتا ترشيحي، وكانت مبرراتهما أنني مسلم ومنحاز للبوسنة، وقلت لهم أعترف بأنني منحاز، والمدعي العام يجب أن يكون منحازا للمجني عليه، والمحكمة هي التي تصدر الحكم، وحاولوا أن يلعبوا لعبة سياسية معي وطلبوا مني أكون قاضيا، ورفضت ذلك، وقلت لهم أنا لا يمكن أن أكون لاعبا سياسيا، بل أنيطت بي مهمة وأنجزتها، وإذا كانت هناك مهمة أخرى فسوف أقوم بها، لكنني لا أستطيع أن ألعب لعبة سياسية، وليست لي طموحات دنيوية لا في السياسة ولا في الأموال ولا غيرها.

* وما هي القرارات التي صدرت بناء على تقرير يوغوسلافيا؟

- صدر قرار إنشاء محكمة يوغوسلافيا الخاصة التي مقرها في لاهاي، ومحاكمة سلوبودان ميلوسوفيتش الذي مات أثناء المحاكمة، والآن يُحاكم راتكو ملاديتش قائد القوات السابقة. وقد انتخبت نائب رئيس اللجنة في الجمعية العمومية، وتم اختياري بالإجماع من الجمعية العمومية في خطوة نادرة رئيسا للجنة الصياغة، وحررت النظام الأساسي للمحكمة، وبحكم أنني أحمل الجنسية المزدوجة (أميركي - مصري) فإنني في هذا العمل كنت أعمل تحت الراية المصرية، ولكون مصر لم تصدق على النظام الأساسي فإنه لا يمكن ترشيحي كنائب عام أو قاض في المحكمة الجنائية الدولية.

* ولماذا لم تصدق مصر على النظام الأساسي؟

- كانت على وشك التصديق، لكنها واجهت ضغوطا كبيرة من أميركا، وفي الوقت نفسه فإن القوات المسلحة المصرية كان عليها اعتراض في المادة الثامنة المعرفة بجرائم الحرب، التي تمنع استخدام السلاح الكيماوي، ومصر كان عندها سلاح كيماوي نظرا لأن إسرائيل تمتلك سلاحا نوويا.. مصر أبدت استعدادا للمصادقة بشرط وضع المادة المتعلقة بالسلاح الكيماوي مقابل وضع المادة المتعلقة بالسلاح النووي، وفي هذه الحالة أميركا غطت على إسرائيل وقالت لا، لكن مصر تمسكت بالاحتفاظ بالسلاح الكيماوي على أقل تقدير، كما كانت الضغوط الأميركية أكبر من أي شيء آخر، ونأمل في يوم من الأيام أن تكون البحرين ودول أخرى من الدول العربية خصوصا دول الخليج العربي ضمن النظام الأساسي للمحكمة الدولية، بعد أن انضمت الأردن وتونس وجيبوتي وجزر القمر، لكن عدم انضمام الدول العربية الأخرى إلى النظام الأساسي للمحكمة جعل هناك فراغا في المحكمة من الوجود والنفوذ العربي.

* ولماذا تأخرت هذه الدول في الانضمام؟

- هناك ضغوط أميركية، إضافة إلى أن الأنظمة السياسية في العالم العربي ليس لديها النضوج السياسي الكافي، ولم تصل إلى مستوى التقدم الديمقراطي الذي يسمح للمجتمعات المدنية بأن تستطيع أن تؤثر على حكومتها، والحكومات ما زالت ديكتاتورية إلى حد كبير ولا تنظر إلى فكرة سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان خصوصا أن النظام الأساسي للمحكمة لا يسلب الدولة اختصاصها الجنائي، بل يمنح الدولة المصدقة الحق في تطبيق نظامها القانوني والقضائي الأول ولها الأولوية، وفي حالة عدم إمكانيتها يتحول الاختصاص إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإذا كانت الدولة تريد أن تقوم بدورها بأمان فلا تخشى الانضمام.. والبحرين التي شكلت لجنة تحقيق مستقلة لتقصي الحقائق هي في هذه الحالة ستحاكم المخالفين لديها، ووزارة الداخلية لديها نحو 30 قضية تحت التحقيق، ولو كانت البحرين جزءا من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فإنه يبقى من الصعب أن يقول أحد إن البحرين لم تقم بدورها، ولو كانت هناك محاكمات فلن تتجاوز 32 قضية بحكم أن البحرين قد أنجزت 30 قضية منها. والبحرين أظهرت استعدادا للمسيرة في سيادة القانون، وأي دولة عندها مثل هذا الاستعداد والاحترام لحقوق الفرد لن تخاف من الانضمام للمحكمة الدولية، أما الأنظمة الديكتاتورية فلا تنظر في حقوق الإنسان ولديها حقوق سياسية خفية تجعلها محل خوف دائم من الانضمام.

* هناك من يرى أن كثيرا من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية غالبا ما تكون مسيسة؟

- لا أتفق معك، لكن يجب أن نفرق بين المنظمات الدولية، فمثلا منظمة حقوق الإنسان «هيومان رايتس ووتش» أو المفوضية السامية في سويسرا ضد التعذيب، هذه منظمات غير مسيسة لكنها منظمات إلى حد كبير من الطبيعي أن يكون اتجاهها الفكري والمنهجي والعملي فيه صبغة غربية ومفاهيم غربية، وهناك حقيقة أخرى وهي أن أيا من منظمات حقوق الإنسان تعتمد في مواردها على مؤسسات أميركية وغربية، وبالتالي لا بد من بعض التأثير.

* لكن هناك مناطق تعاني من انتهاكات لحقوق الإنسان.. وبالتالي لا نرى أن هذه المنظمات تصعد من حدة لهجتها لو كانت هذه الانتهاكات في مكان آخر..

- صحيح معك حق، لكن لو كانت منظمة أميركية لحقوق الإنسان ومصادرها من الشركات الأميركية والمؤسسات الأميركية، وقلت لها أنا رايح البحرين أو بورما أو سريلانكا، أو في فلسطين، وهناك ضغط صهيوني فلن تمولك، وفي النهاية هناك تأثير لكنه تأثير طبيعي. ومع الأسف فإنه رغم كل الموارد التي يمتلكها العرب والموجودة في العالم العربي فإننا لا نستطيع أن نوجد لوبي عربيا في أميركا مثلا، أو نمول منظمات حقوق الإنسان في العالم. والمشكلة أننا ننظر للجهة الأخرى أو العدو ونقول إن العدو أقوى منا، والصحيح أنه ليس قويا بل نحن ضعفاء. وهناك ضغوط من دون شك، بمعنى أنهم ينظرون لما يحصل في العالم العربي أكثر مما يحدث في مكان آخر، والعالم الغربي مسلط الأضواء على ليبيا وعلى البحرين، لكن ليس هناك تسليط ضوء على سوريا، ولا أحد ينتقد ما يحصل في مصر.

* أين وصلتم في ليبيا؟

- أعددنا تقريرا من 75 صفحة، وتقديرنا أنه توفي من 10 إلى 15 ألف شخص في فترة زمنية لا تتجاوز 4 أشهر وفي منطقة جغرافية يسكنها نحو 1.5 مليون نسمة. والغريب أننا وجدنا في ليبيا بعض حالات اغتصاب، واستطعنا أن نفصل في 9 حالات منها، لكن لا نستطيع القول إن هذه الحالات موجهة من الحكومة أو من النظام، لكنها حدثت، وقد استخدمت الذخيرة المحرمة مثل ذخيرة تسمى «دمدم» تدخل الجسد وتنفجر داخله، وكذلك القنابل ذات الفسفور التي تحرق الجثة.

* الحالة الليبية هل تعتبر حالة حرب؟

- نعم هي حالة حرب، لكنها حرب أهلية، وفي الحقيقة هناك جيش رسمي وآخر غير رسمي، وكثير من المحاربين مع القوات المضادة للحكومة انشقوا عن الجيش أصلا وفي مقدمتهم رئيس الأركان في القوات الليبية عبد الفتاح يونس عضو مجلس قيادة الثورة السابق في ليبيا، والذي تم اغتياله مؤخرا.

* وضع العقيد الليبي معمر القذافي على قائمة المطلوبين للمحكمة الدولية، هل كان ذلك بناء على تقرير لجنة التحقيق التي تتولى رئاستها؟

- صراحة ليس بناء على تقريرنا، لأننا لم نقدم التقرير إلى النائب العام للمحكمة الدولية وقتها لأنه كان يرغب هو في إصدار أوامر بالقبض على بعض الشخصيات في فترة زمنية قليلة، ولم أكن خلالها مطمئنا على جاهزية تقريرنا، وكنت أخشى التسرع في أخذ القرار بإنهاء التقرير قبل أن نقوم بتقص دقيق، لأنه يجب الدقة في إدانة أي شخص، وحيث إن لدي الخبرة في هذا الجانب بحكم أنني وضعت النظام الأساسي للمحكمة الخاصة في العراق لمحاكمة صدام حسين، فكنت حريصا جدا عند وضع النظام الأساسي أنه حتى لو كان الحكم لواحد مثل صدام حسين المعروف منذ 30 سنة أنه حاكم مستبد، فلا بد من أن تطبق سيادة القانون من دون أي فارق، والتفرقة غير مقبولة، ويجب أن يكون القانون على الجميع.

* وهل تعتقد أن محاكمة صدام حسين كانت عادلة؟

- الناحية الإجرائية كان فيها الكثير من الإنصاف.

* من خلال الجرائم في ليبيا هل تعتقد أن القذافي يستحق محاكمة دولية؟

- ما زلت رئيسا للجنة التقصي، ومازلنا نواصل التقصي في ما يحدث، لذا فمن الصعب أن أرد على مثل هذا السؤال، لكن يتضح أن الأمور تسير في اتجاه المحاكمة.

* وهل تعتقد أن ما يحدث في ليبيا جرائم فظيعة بالفعل؟

- يكفي أنه مات 15 ألف شخص خلال فترة وجيزة.

* وما يحدث اليوم في سوريا ألا يدعو لتشكيل لجنة لتقصي الحقائق؟

- ما حدث منذ أشهر في سوريا كان في حاجة للجنة، وهنا نستطيع العودة إلى ما بدأت بالتساؤل عنه، لأنه في حالة سوريا يتم التوقف عند أهمية دورها السياسي كدولة عربية كبيرة تمتلك جيشا كبيرا، وتقع على حدود إسرائيل ولها صلة بحزب الله وعلاقة مع إيران، ودون شك فإن الدول العظمى تكون حريصة في اتخاذ أي إجراء تجاه سوريا، في حين أنها لا تحرص في اتجاه أي دولة أخرى، وكثير من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات أخرى تطالب بأن تكون هناك لجنة دولية للتحقيق وإحالة موضوع سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

* أيضا الرئيس السوداني عمر البشير مطلوب للمحكمة الدولية، هل هناك اختلاف حول استحقاقه للمحاكمة الدولية؟

- لا، البشير يستحق أكثر من المحاكمة، بعد أن تسبب في قتل أكثر من 200 ألف نسمة، لكن مشكلتنا نحن العرب والمسلمين أننا لا نمتلك الاعتراف والإنصاف عندما تكون الجرائم مرتكبة من قبلنا، وعلى سبيل المثال قتل من الفلسطينيين من الجانب العربي في الأردن ولبنان ودول أخرى أكثر من ممن قتلتهم إسرائيل، وعندما نطالب بمحاكمة إسرائيل على قتل نحو 1300 شخص في غزة خلال ديسمبر (كانون الأول) ويناير (كانون الثاني) فنحن نتفق، لكن لماذا نتغاضى عن 200 ألف قتيل آخرين؟! ولا بد أن نكون منصفين، لكن اعتقادي الشخصي في قرار المحكمة الدولية أنها أدانت البشير بجريمة إبادة الجنس البشري، ولا أعتقد أن هذه الجريمة تطبق في حالة البشير، لكنني أتفق مع من يقول إن البشير ارتكب جرائم ضد الإنسانية، لأن هناك من قتلوا بالطائرات، وقوات الجيش لا تخلي مسؤولية رئيس الدولة، لكنني لا أعتقد أنه كانت عنده النية الخاصة أو القصد الجنائي الخاص لإبادة الآخر، وهذا هو الخطأ.

* وماذا عن تقرير المحقق غولدستون؟

- كان تقريرا صادرا من هيئة الأمم المتحدة، وكان منصفا وشجاعا خصوصا أن غولدستون يهودي وهو عنصر مشجع للفلسطينيين أن يجدوا يهوديا ينصفهم، لكن في ما بعد ونتيجة لضغوط من إسرائيل والجاليات اليهودية ضده تراجع بعض الشيء عن هذا التقرير، إنما التقرير كان في محله، وأثبت أن هناك سياسة للحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين في غزة وهي سياسة لعقوبة جماعية للشعب الفلسطيني، ويتضح ذلك من حصار غزة أكثر من 5 سنوات، وهذا يعتبر جريمة حرب في الحد نفسه. وقانون الإنسان الدولي ينطبق على إسرائيل، أما عن عدم تحرك هيئة الأمم المتحدة أو النائب العام في المحكمة الدولية تجاه هذا التقرير، فهنا يحق القول إن هناك عنصرا سياسيا أسهم في الحد من تبني مثل هذا التقرير المنصف.

* وما هي نظرتك لحقوق الإنسان في الوطن العربي والإسلامي، وهل تعتقد أن نظرة الحكومات لحقوق الإنسان سيئة؟

- نظرة أكثر من سيئة، لأن العربي عنده نوع من الذكاء الفطري، ويستطيع العربي الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة، أن يشرح لك الظروف السياسية في العالم بفطرة وذكاء طبيعي، وأي عربي عالم في أي دولة غربية تجده ناجحا، وذلك لقدرته على التأقلم، لكن النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لا يسمح للفرد العربي بأن يبرز، وفي مصر استمرت الديكتاتوريات العسكرية لنحو 60 عاما، قبل أن تنفجر الثورة، في حين أن البحرين، هذه الدولة الصغيرة التي استطاعت أن تكون مركزا ماليا دوليا، سارت في طريق الإصلاح خلال السنوات العشر الأخيرة.. وممارسة الديمقراطية لها متطلبات أخرى، والشعوب العربية صراحة لم تصل إلى هذه الدرجة من النضوج.

* وهل تعتقد أن الربيع العربي نقطة تحول نحو التحرر؟

- دون شك الربيع العربي يعد نقطة تحول إذا ما نظرنا إليه نظرة شمولية كاملة، فالعالم العربي حتى القرن الـ12 الميلادي، كان إمبراطورية واسعة بعد ذلك بدأت تضمحل، ونحن كعرب أصبحنا جزءا من إمبراطوريات غير عربية، فمكثنا في الإمبراطورية العثمانية من القرن الـ15 حتى عام 1918، وكثير من الدول العربية استقلت قريبا، لكننا دخلنا في نظام إمبراطوري أوروبي، ومررنا بمرحلة الملكيات أو الأنظمة العسكرية، لكن هناك ملكيات تقدمية مثل الغرب، والنظام التونسي في البداية كان أقرب للديمقراطية، والنظام البحريني منذ 10 سنوات، وكذلك الكويت، وهناك ملكيات جامدة أو أنظمة عسكرية، وفي البحرين هناك إمكانية للتطور، والملك عنده انفتاح، مما يعطي فرصة للتقدم، وفي مصر لم تكن هناك فرصة لذا كان لا بد أن يكون هناك انفجار، وهو ما حدث.

* هناك من يرى أن المصريين أساءوا لمبارك بالتشهير والمحاكمة، ما رأيك؟

- حسني مبارك سمح بقيام نظام أولا استغل شعب مصر وموارد مصر لمصالحه ومصالح أبنائه وفئة معينة، وتم إهدار المال العام على هذا الضرر الذي يعتبر من الجرائم الكبرى، وفي الوقت نفسه، هذا النظام كان متوسط عدد المسجونين فيه لأسباب سياسية أثناء فترة حكمه على مدى 30 سنة، نحو 15 ألف نسمة سنويا، وكان نظام مباحث أمن الدولة يأخذ الناس ستة أشهر في السجن وتدور العجلة، وفي مصر هناك ما لا يقل عن 2.5 مليون دخلوا السجن لأسباب سياسية، والذين عذبوا بمئات الآلاف، وقتل ناس كثيرون تحت التعذيب، ومع ذلك أنا الوحيد الذي قلت في مقال لي في مجلة «الشروق» إنه «يجب احترامه في محاكماته»، لأنه كان رمزا للبلد، وأن نظهر الشهامة والكرامة والتسامح كعرب، وأن ننظر لمن ارتكب جرائم ضدنا بشعور الرحمة والعفو.

* نعود للبحرين.. هل لجنة تقصي الحقائق في البحرين وجدت مباركة من هيئة الأمم المتحدة؟

- نعم.. هيئة الأمم المتحدة كانت على وشك إرسال لجنة إدارية من موظفي هيئة الأمم، وكانوا يريدون يبعثوا بعض الأشخاص العاملين في مكتب هيئة الأمم في جنيف للنظر في هذه الحالة، ولما علموا بتعيين هذه اللجنة فضلوا منح اللجنة فرصة للعمل، وبعد الإعلان عن التقرير إما أن يقتنعوا به أو أنهم سوف يرسلون لجنة من قبلهم، في حين أن بان كي مون الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة قد أشاد بتشكيل اللجنة ومصداقيتها.

* وماذا عن الاستفادة من تقارير لجان حقوقية خارجية أو داخلية في عملكم؟

- نحن سوف نستفيد من كل المصادر سواء كانت حكومية أو أهلية أو فردية، وبدأنا في العمل للحصول على كل المعلومات. ولدينا فريق كامل من المحققين، ولست بصدد الإفصاح عن عدد أفراد الفريق لأسباب معينة، لكن كفاءة كل واحد من أعضاء الفريق بعشرة، وفضلنا الاعتماد على ديناميكية الحركة.

* هل سيتضمن التقرير الذي سيقدم من قبلكم شخصيات أو مسؤولين كبارا في الدولة حدثت منهم تجاوزات؟

- إذا كانت التجاوزات واضحة من دون شك ستعلن في التقرير سواء كانت شخصيات حكومية أو مدنية، لكن لجنة تقصي الحقائق تختلف عن دور النيابة أو الشرطة، والغرض ليس تحديد هوية فلان أو علان أو السعي وراءه، بل الهدف أن نفهم كيف تطورت الظروف وتسببت في هذه الأحداث، وما هي الأخطاء في النظام لتفاديها مستقبلا.

 

المصدر: الشرق الأوسط
بتاريخ: 3 / 8 / 2011

http://aawsat.com/details.asp?section=4&issueno=11936&article=634014


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/705907.html