صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 4069 | الأحد 27 أكتوبر 2013م الموافق 19 رمضان 1445هـ

أزمة الأراضي تحتاج إلى إعادةالنظر في سياسة الاستملاك ... من «الطابو» إلى «سكيدمور أونينج أند ميرل»

الحلم بتحقيق ارض لكل مواطن قابل للتحقيق، ولكن ليس من خلال الاجراءات الحالية... فلكي يتحقق هذا الحلم، فان البحرين بحاجة الى سياسة جديدة تشمل حلولاً جذرية. وبعودة الى الماضي يمكن التعرف على جذور المشكلة. فالبحرين وقبل ادخال الادارة الحديثة العام 1919 كانت من دون توثيق للأراضي، وكان بالامكان أخذ هذه الارض أو تلك عنوة، ولم تكن هناك اجراءات قضائية أو تصحيحية أو مراقبة على ما يجري.

كان الناس الذين يخافون من مصادرة اراضيهم يسارعون إلى اعلانها وقفاً دينياً، وكانت الاعراف تحمي الوقف، وكانت العقيدة السائدة ان من يعتدي على الأوقاف يصيبه مكروه في امواله أو عياله، ولذلك كانت املاك الأوقاف تزداد باطراد مستمر. وهناك اراض للاوقاف الجعفرية - أكثر من 800 أرض - مازالت لم تسجل لحد الآن حتى بعد تأسيس نظام لتسجيل الأراضي.

إدارة الطابو

شهدت الاعوام الاولى من العشرينات في القرن الماضي عدة حركات احتجاجية، واحد الاحتجاجات كان ضد عمليات الاستيلاء على الاراضي. وعليه، فقد تقدم المعتمد السياسي (البريطاني) المايجور دايلي في 1923 بعدة اقتراحات اصلاحية لسمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، من بينها اعتماد نظام محدد لمسح الاراضي وتسجيل العقارات على ان يتم اقتطاع جزء من الواردات من الجمارك لإنشاء إدارة الطابو.

وهكذا تم تأسيس إدارة الطابو في العام التالي (1924)، واستخدمت كلمة الطابو لأنها كلمة موجودة في الانجليزية ومشتقة من topology أو topography وتعني تحديد المواقع.

استعانت البحرين بخبرات هندية وعراقية (هذان البلدان كانا تحت السيطرة البريطانية آنذاك ولديهما نظام للطابو)، وسرعان ما تحولت ادارة الطابو إلى واحدة من أهم الاجراءات الإصلاحية التي حافظت على الممتلكات الخاصة، ومنعت الاستيلاء على الاراضي إلا إذا كان ذلك من خلال عقد بيع أو معاملة معترف بها رسمياً. وفي 1926 استكمل أول مسح شامل لأراضي البحرين، واستمر العمل بهذا النظام حتى الستينات من القرن الماضي.

التسجيل العقاري

في العام 1967 أعيد تشكيل إدارة الطابو، وسميت إدارة التسجيل العقاري... لكن المشكلات بدأت تتراكم بشأن طريقة اعتماد وتسجيل الاراضي. وأثناء انعقاد البرلمان في العام 1973 -1975 طرحت فكرة اشراف البرلمان على الاراضي وطريقة اعتمادها، ولكن البرلمان تم حله ولم تستكمل النقاشات. في العام 1978 تم إنشاء إدارة المساحة تحت مظلة وزارة الاسكان، وأعطيت صلاحيات لإجراء مختلف انواع المسح العقاري والطوبوغرافي والبحري، اضافة الى إعداد خرائط البحرين الرسمية. وفي العام 1979 صدر القانون رقم 15 الذي أعطى إدارة التسجيل العقاري كامل الصلاحيات بشأن تسجيل الاراضي. في 14 اكتوبر/ تشرين الاول 2002 (قبيل انعقاد البرلمان مرة اخرى) صدر مرسوم رقم 39 أعاد تنظيم جهاز التسجيل العقاري، وبعد ذلك صدرت مراسيم مع التغييرات الوزارية اللاحقة لإعادة تنظيم الاجهزة المرتبطة بالمساحة والتخطيط الطبيعي والتسجيل العقاري على عدة جهات.

دراسة ماكينزي

في 24 فبراير/ شباط 2005 استعرضت شركة ماكينزي عدداً من المقترحات بهدف تحريك ملف الاصلاحات الاقتصادية. وكان جزء من الاستعراض قد تطرق إلى موضوع الاراضي في البحرين، وكان من المفترض ان تعرض الشركة بعض المعلومات التي حصلت عليها، لكن تغير الرأي لاحقاً ولم تستعرض المعلومات.

على رغم ذلك، فقد تسربت المعلومات، وهي ان أكثر من 540 كيلو متراً مربعاً (أو ما بين 75 الى 80 في المئة من المساحة الكلية للاراضي) مسجلة كأملاك خاصة... وهذا يعني ان الباقي يتوزع بين سكن للناس (نحو 70 كيلومتراً مربعاً) ومنشآت للدولة. وفي هذه الحال فإن البحرين لايمكنها ان تعتمد سياسة اقتصادية لتنشيط قطاعات مهمة، مثل قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لان هذا يحتاج الى مساحات من الأراضي الشاسعة. واذا قورن الوضع بين البحرين وسنغافورة، فإن الاخيرة لديها أكثر من خمسة آلاف منشأة، بينما البحرين لديها أقل من خمسمئة. المشاركون في ورشة الاصلاح الاقتصادي تحدثوا بصراحة عن موضوع الاراضي، وان عدم وضوح سياسة استملاك الأراضي واضمحلالها يعتبر عقبة أساسية أمام تحريك ملف الاصلاح الاقتصادي بعيد المدى. وعليه، فقد كان الرد بأن الحكومة ستستعين بشركة دولية لوضع تصور عن المخطط الهيكلي الاستراتيجي لكامل الاراضي البحرينية.

سكيد مور اونينج اند ميرل

في 18 ابريل/ نيسان 2005 أعلن وزير شئون البلديات والزراعة علي الصالح تدشين مشروع المخطط الاستراتيجى الهيكلي الوطني لمملكة البحرين والذي تم البدء به من قبل هيئة الاسكان والاعمار برئاسة صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد القائد العام لقوة الدفاع. وقال الصالح حينها من المقرر ان يساهم هذا المخطط بشكل كبير في وضع الخطة الشاملة لاستخدامات الاراضي بالمملكة مؤكدا ان تنفيذ هذه الخطوة الطموحة يمثل احدى الركائز الرئيسية في مشروع الاصلاح الاقتصادي الشامل لمملكة البحرين وذلك لتوفير الاراضي في سبيل تطوير جميع القطاعات الاقتصادية والعمرانية المحلية. وقال إن نتائج المسح الاولى لبيئة العمل والاستثمار والذي اجراه مجلس التنمية الاقتصادية بالتعاون مع غرفة تجارة وصناعة البحرين كشفت ان امكان الحصول على الاراضي والبنية التحتية يعد ضمن ابرز العوائق الرئيسة للتنمية الاقتصادية. وذكر ان مشروع المخطط سيساهم حال اتمامه في توحيد الاستخدام الامثل للموارد من خلال تنسيق الاستراتيجيات طويلة المدى لخدمة البنى التحتية كالطرق العامة وشبكات المجاري والمياه والطاقة بالاضافة إلى الاتصالات وذلك لضمان شمولية تنفيذ مشروعات البنى التحتية بما يسهم في النمو الاقتصادي ويساند الامتداد العمراني في السنوات العشرين القادمة. وفي اليوم ذاته أعلن مقرر لجنة الاسكان والاعمار مأمون المؤيد انه في سبيل تنفيذ هذه الخطوات الاولية قامت لجنة الاسكان والاعمار بتكليف شركة سكيد مور اونينج اند ميرل لكي تكون المستشار الرئيسي في اعداد جميع الدراسات للمخطط الاستراتيجي الهيكلي الوطني لمملكة البحرين. واضاف ان المخطط سيتم تنفيذه على ثلاث مراحل رئيسية في المجالات العمرانية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية إذ من المتوقع ان يتم انجازه خلال الفترة من 18 الى 24 شهرا. واكد ان الخطة الرئيسة لاستخدام الاراضي الوطنية ستوفر قاعدة صلبة من المعلومات ستساهم فى ابراز جميع الامكانات والطاقات التي تتمتع بها مملكة البحرين وستكون سنداً لتحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي للمواطن البحريني.

الشركة الأميركية سكيدمور اونينج اند ميرل لها خبرة طويلة في مجال مسح وتخطيط الاراضي، وهي التي خططت ولاية شيكاغو الاميركية، ولكن ولكي تستطيع انجاز عملها فإن البحرين بحاجة إلى اصلاح نظام استملاك الاراضي بصورة كاملة وشاملة، والا فإن اية محاولة ترقيعية لن تنفع الا في تمطيط المشكلة وتأجيل الحلول الجذرية.

الحلول الجذرية

قد تفلح سكيدمور اونينج اند ميرل في إعداد مخطط هيكلي استراتيجي لمملكة البحرين يركز على وضع حلول إلى المشكلة الإسكانية في البلاد حتى العام ،2030 وقد تقترح وسائل لتلبية الحاجة إلى أكثر من ربع مليون وحدة سكنية خلال الخمس والعشرين سنة المقبلة، ولكن كل ذلك ربما سيرتبط ببرنامج لردم البحر. المساحة الكلية (البحرية واليابسة) للبحرين تبلغ 9269 كيلومتراً مربعاً، ومساحة اليابسة حالياً تبلغ 718 كيلومتراً مربعاً، ولذلك فانه من الناحية النظرية يمكن دفن الكثير من مياه البحر ولكن هذه سياسة غير واقعية ويستتبعها الكثير من التداعيات، خصوصاً وان مياه البحر تم استملاك اهم مناطقها أيضاً، ولذلك فإن الدولة سينضب مالديها من ثروات وهي تحاول ردم البحر واقامة المناطق السكنية، وستتأخر كل البرامج والوعود بتنفيذ مشروعات سكنية تلبي احتياجات المواطنين.

البحرين - من الناحية النظرية - لديها سواحل طولها 673 كيلو متراً، ولكن المواطنين أصبحوا محرومين منها وتعزلهم الجدران الرفيعة عن مياههم، كما تحرمهم من نعمة أنعهما الله عليهم جميعاً، ولكنها أصبحت أملاكاً خاصة لايمكن الوصول اليها. الحل الجذري هو نفسه الذي اتبعته كل الدول الديمقراطية، وتتبعه كل الدول التي تنتقل الى الديمقراطية، ويكمن في استصدار قانون يعيد جميع الاراضي والسواحل للملكية العامة، ومن ثم يتم تخطيطها بشكل مباشر لتلبية احتياجات المواطن.

 


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
بتاريخ: 21 مارس 2006


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/823169.html