صحيفة الوسط البحرينية

العدد : 701 | الجمعة 06 أغسطس 2004م الموافق 19 رمضان 1445هـ

الترابط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان

الكاتب: حسن موسى - comments@alwasatnews.com

إن موجة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والصرخات المدوّية التي تجتاح العالم اليوم وتطالب بالإصلاح السياسي والحكم الصالح وإقامة العدل والمشاركة وقيام المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون من أجل تعزيز حقوق الإنسان... كل هذا يدفعنا إلى البحث في الترابط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان.

لهذه الورقة هدفان رئيسيان: الأول يتمثل في استكشاف الروابط المفاهيمية بين الديمقراطية وحقوق الإنسان. وأما الثاني فيتمثل في معرفة السبل والوسائل الكفيلة بتعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان. وستتضمن الورقة أقساماً تتعلق بالترابط القائم بين الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومركزية سيادة القانون، والبرلمانات، ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بالنسبة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان.

الترابط بين الديمقراطية وحقوق الإنسان

إن الديمقراطية، ومع كل ما فيها من نواقص، تظل أفضل أمل لتأمين كرامة الإنسان وضمان حقوقه. ولكن يتطلب ذلك ضرورة تجاوز المفاهيم الضيقة للديمقراطية إلى تعزيز الديمقراطية الشاملة. وينبني هذا التصور للديمقراطية على المقاييس الدولية لحقوق الإنسان. ويزوّد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الديمقراطية بالمكوّنات الأساسية، بما في ذلك مبدأ تأسيس السلطة بناءً على إرادة الشعب من خلال انتخابات نزيهة ودورية، والحق في حرية الفكر وحرية الرأي والتعبير، وحرية التجمع السلمي وإنشاء الجمعيات، وكذلك الحق في مستوى معيشي ملائم والحق في التعليم. وتشدّد معايير حقوق الإنسان على المساواة والعدل. ومن ثم فهي لبُّ الديمقراطية الشاملة التي تعالج التمييز وتّركُز السلطة، سواء كان ذلك على أساس الثروة أو العرق أو غيرهما من العوامل الأخرى.

وتقرّ الديمقراطية الشاملة بأهمية المؤسسات القوية وممارسات الحكم الرشيد، بما في ذلك وجود جهاز تنفيذي مسئول وجهاز تشريعي منتخب وجهاز قضائي مستقل، وسيادة القانون، مع الاحترام الواجب للمبادئ والتقاليد الثقافية والمجتمعية.

إن أي اختلاف أو نزاع بين الديمقراطية وحقوق الإنسان أساس الفهم الخاطئ للديمقراطية. وينبغي تعريف الديمقراطية من خلال أسسها الرئيسية المتمثلة في الرقابة الشعبية والمساواة السياسية، ثم بعد ذلك من خلال المؤسسات التي يتحقق ويتعزز بواسطتها هذان المبدآن.

إن التصدي لكل ما يتهدّد الديمقراطية من دون تعريض حقوق الإنسان أو الممارسة للديمقراطية للخطر واحد من أصعب التحديات التي تواجهها الديمقراطيات اليوم. وبما ان الديمقراطيات وتأسيسها تقوم عملياً على التراضي بين القوى الشعبية والسلطات القائمة، فعملية إضفاء الديمقراطية لن تكون كاملة أبداً، ولكن لابد للأنظمة الديمقراطية التي تدّعي تمسكها بحقوق الإنسان أن تتطلع إلى تحقيق ديمقراطية سياسية واجتماعية واقتصادية معاً. كما تعتبر استقلالية السلطات التشريعية والقضائية ونزاهتها أمرين أساسيين بالنسبة إلى مسئولية الحكومات وحماية الناس من التعسّف والاستبداد والقمع. كما تحتاج الديمقراطيات إلى مجتمع مدني نشط ومتحمّس. وتتناقض الديمقراطية الحقيقية مع الرأسمالية المطلقة، إذ تتركز الثروة في أيدي قلة من الناس بينما تهمّش الغالبية ويتكاثر التفاوت الاجتماعي.

الديمقراطية تحددها حقوق الإنسان

إن بعض الحقوق تتطلب آليات تكفل الحماية من الدولة، وحقوق أخرى تحتاج إلى تعزيز نشط من جانب الدولة.

وتستند أربع صلات للديمقراطية إلى حقوق الإنسان:

- فإجراء انتخابات حرة ونزيهة يساهم في تفعيل الحق في المشاركة السياسية.

- والسماح بوجود وسائل إعلام حرة ومستقلة يساهم في تفعيل الحق في حرية التعبير والفكر والضمير.

- وفصل السلطات بين فروع الحكومة يساعد على حماية المواطنين من انتهاكات حقوقهم المدنية والسياسية.

- والتشجيع على وجود مجتمع مدني مفتوح يساهم في تفعيل الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها.

فوجود مجتمع مدني مفتوح يضيف بُعداً تشاركياً مهماً من أجل تعزيز الحقوق.

وهذه الحقوق يعزز كل منها الآخر، إذ يكون إحراز تقدم فيما يتعلق بأحدها مرتبطاً عادة بإحراز تقدم في الحقوق الأخرى. فوجود وسائل إعلام مفتوحة، مثلاً، يرتبط عادة بإقامة مؤسسات المجتمع المدني.

حماية حقوق الإنسان عبر سيادة القانون

إن الهدف النهائي للديمقراطية هو تمتع كل الناس بكل حقوق الإنسان، فبلوغ مستويات عالية لحماية هذه الحقوق هو معيار يُقاس به نجاح الديمقراطية. كما أن سيادة القانون في مجتمع ديمقراطي وسيلة رئيسية وشرط مسبق لحماية حقوق الإنسان. وتنبع الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان بسيادة القانون من وظائف القانون داخل المجتمع ومن طبيعة المطالبة بحقوق الإنسان.

ويمكن للقانون أن يكون أحد السبل التي تترسّخ بها السيطرة وتتجّدد، لكن يمكنه أيضاً أن يضمن ألا تكون السيطرة مطلقة وأن السلطة لا تمارس بشكل تعسّفي، ولكن لأن حقوق الإنسان وتعزيزها يتوقفان على نشر ثقافة قانونية قويّة، فإن هذه الحقوق ليست نتيجة تلقائية لسيادة القانون.

هذا وإن إنشاء جهاز قضائي فعّال ينظر كما ينبغي في الشكاوى الفردية أو الجماعية بشأن انتهاكات حقوق الإنسان أمر حيوي لتعزيز المسارات الديمقراطية وضمان الممارسة الفعّالة لحقوق الإنسان.

دور البرلمان في الدفاع عن حقوق الإنسان

تعتبر الديمقراطية أيضاً شكلاً من أشكال الحكومة يفترض وجود مؤسسات جيّدة البناء والأداء تمكّن الناس من المشاركة في تدبير شئون الدولة. وحتى تكون الفعّالية بارزة في عمل البرلمانيين، لابد لهم من تمثيل جميع الفئات بما في ذلك الأقليّات والمعارضة، والآراء المختلفة التي يعبّر عنها المجتمع.

هذا، وينبغي أن يكون البرلمانيون أحراراً في ممارسة حرية التعبير من دون خوف أي شكل من أشكال المضايقة أو التهديد أو الملاحقة.

وللبرلمان دور مهم في ضمان تحقيق نتائج إيجابية بالنسبة إلى المجتمع انطلاقاً من الأفكار المتنوعة والمتعارضة أحياناً. وقد أدت البرلمانات على مرار التاريخ دوراً بارزاً في تقنين حقوق الإنسان والتأكد من احترامها، بإشرافها على الجهاز التنفيذي.

ويتمتع البرلمان أيضاً بإجراءات للتفاعل المباشر مع الأفراد والمنظمات، بما في ذلك الذين يعملون في مجال حقوق الإنسان. ويمكن للبرلمان إجراء تحقيقات بخصوص حالات انتهاكات حقوق الإنسان، كما يمكن للبرلمانيين العمل مع باقي مؤسسات المجتمع المدني والنقابات وجمعيات حقوق الإنسان لضمان المزيد من الفهم بخصوص قضايا حقوق الإنسان.

وسائل الإعلام

روجّت تغييرات عالمية ثلاثة لدور وسائل الإعلام المساند للديمقراطية وحقوق الإنسان، أولها، الانفجار الإعلامي الذي يعني وجود المزيد من الأخبار المتاحة بشأن الحوادث العالمية. وثانيها، ثورة الاتصالات التي تعني أنه بالإمكان الحصول على المعلومات في كل حين. وثالثها، أن الديمقراطية تكتسح العالم.

وكل هذه التغييرات تعزّز أهميّة دور الإعلام في الدفاع عن الديمقراطيات واختبارها، ولاسيما الديمقراطيات الناشئة. وقد كان لوسائل الإعلام على الدوام وظيفة نشر الوعي إلى جانب وظيفتها العادية المتمثلة في نقل المعلومات. فمفهوم الصحافة الحرة يمثل في حد ذاته أحد العوامل الجوهرية بالنسبة إلى واحد من بين أبرز حقوق الإنسان الأساسية، وهو الحق في حرية الرأي والتعبير.

المجتمع المدني والديمقراطية

يُصوّر المجتمع المدني بمفهومه الحديث على أنه مجال تفاعل مستقل عن الدولة، بيد أن الدولة هي التي يجب أن تضمن المجال الذي يعمل فيه المجتمع المدني والقواعد التي تحكم بها أنشطته. ففي تاريخ الديمقراطيات الرّاسخة، كانت مؤسسات المجتمع المدني الفاعل الأساسي في المطالبة بتضمين الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية. فالإقرار بهذه الحقوق والمؤسسات التي تنشأ عنها يشكّل جوهر الديمقراطية، وذلك لأن المجتمع المدني الفعّال أساسي بالنسبة إلى نجاح عملية تعزيز الديمقراطية.

هذا، ويضمن المجتمع المدني العمل الفعلي للنظام الديمقراطي، ويواصل تعزيز الديمقراطية، إذ لا توجد ديمقراطية كاملة. فالمجتمع المدني يعّد وسيلة بالنسبة إلى المواطنين لعرض مصالحهم ومناقشتها، ورصد أداء الدولة. وفي جميع الديمقراطيات، تُستبعد فئات من الشعب من المشاركة الكاملة في المؤسسات الديمقراطية ومن الوصول الكامل إلى الحق في المشاركة. ومشاركة المجتمع المدني، التي ينظر إليها على أنها القدرة الجماعية للفئات المهمّشة بشكل منتظم لطرح مقترحاتها عن السياسة العامة والوصول إلى مؤسسات صنع القرار الديمقراطي، تعتبر أساس التطور الديمقراطي الفعّال.

كما يؤدي المجتمع المدني، بوصفه فاعلاً في المطالبة بالحقوق وتطويرها، دوراً متواصلاً في بناء الأنظمة الديمقراطية وعملها، ويظل وسيلة بالغة الأهمية لضمان مشاركة الناس في المناقشات والقرارات التي تحدد مسار حياتهم. وتتجسّد قيمة المجتمع المدني في توجيه الانتباه إلى القضايا العامة التي تتعلق بالصالح العام والتي لا تُعطى بالضرورة بالاهتمام الكافي من جانب المؤسسات الرسمية.

وعلى غرار الديمقراطية، تستغرق عملية تعزيز المجتمع المدني وتفعيل دوره في المجتمع وقتاً طويلاً، ولكنه بحاجة إلى الدعم والرعاية والاهتمام حتى ينمو فيعطي أُكله بعد مرور فترة من الزمن.

الخلاصة

- الديمقراطية وحقوق الإنسان مترابطان ولا يمكن الفصل بينهما. فمعايير حقوق الإنسان ينبغي أن تؤخذ على أنها أساس لأي تصور للديمقراطية. والديمقراطية من جهتها تتيح أفضل أمل لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها.

- لا يوجد نموذج متكامل ووحيد للديمقراطية أو للمؤسسات الديمقراطية. فالديمقراطية المثالية، في الواقع، تترسّخ في الفلسفات والتقاليد القديمة والحديثة من كل بقاع العالم، بما في ذلك الكتابات الفلسفية والتراث القديم والتقاليد الدينية والآليات التقليدية التي نشأت شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً. ومن ثم، ينبغي عدم تصوير أي نموذج للديمقراطية أو للمؤسسات الديمقراطية، أو الترويج له.

وعلى العكس من ذلك، تتجلى قوة هذا النهج في اعترافه بأن كل مجتمع له تقاليده المؤسسة للديمقراطية الخاصة به. وإذ يستحيل أن تدّعي أية مؤسسة الكمال فيما يتعلق بالديمقراطية، فإن الجمع بين الهياكل الديمقراطية المحلية والمعايير الديمقراطية العالمية سبيل ناجح لتعزيز جذور الديمقراطية ونطاقها، وتطوير الفهم العالمي للديمقراطية.

- وتتمثل أسس الديمقراطية في مبادئها وقواعدها ومعاييرها وقيمها، والتي ورد الكثير منها في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. وينبغي أن يتوقف تقييمها على درجة تفعيل مبادئها وقواعدها ومعاييرها ومدى مساهمتها في تفعيل حقوق الإنسان.

- ويقتضي تفعيل المبادئ الديمقراطية والمعايير المنصوص عليها في المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان إنشاء مؤسسات متينة للحكم الديمقراطي، تستند إلى سيادة القانون، بما في ذلك استحداث جهاز تنفيذي مسئول وجهاز تشريعي منتخب وجهاز قضائي مستقل. ويمكن للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان واللجان الحقوقية في البرلمان وآليات الرقابة وغيرها من الهيئات الأخرى أن تساهم في تعزيز الحكم الديمقراطي في المجتمع.

- وتعدّ المشاركة والرقابة الشعبيتان والمداولات الجماعية والمساواة السياسية ضرورية بالنسبة إلى الديمقراطية، ومن ثم ينبغي تفعيلها عن طريق مؤسسات وتكون ممثلة ومسئولة وتتغير أو تتجدد بشكل دوري. ولأن الديمقراطية آلية لتطوير الحكومات والمجتمعات، فمن الواجب أن تستند إلى الإدارة الشعبية المعبّر عنها بكل حرية من خلال انتخابات تتميّز بحرية نشر المعلومات والرأي والتعبير وإنشاء الجمعيات والتجمع.

- وينبغي تأكيد الدور الأساسي الذي تضطلع به السلطات التشريعية المنتخبة ديمقراطياً. إذ تمثل المؤسسات التشريعية حلقة وصل مؤسسية حيوية بين الشعب والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وينبغي أن تقوم وسائل الإعلام بدور بارز في الديمقراطيات، من خلال المساهمة في نشر المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان وتعزيز التسامح والمساهمة في مراقبة الحكومة. ولكن الاضطلاع بهذا الدور، يستلزم من الإعلام تعزيز التسامح والمسئولية الاجتماعية والدفاع عن المصالح العامة وتعزيز الروح الوطنية.

- يعتبر المجتمع المدني الذي يعمل بحرية والمنظّم والنشط والمسئول عنصراً ضرورياً بالنسبة إلى الحكم الديمقراطي. وهذا يفترض أن تلعب المنظمات غير الحكومية والجمعيات النسائية والاجتماعية والنقابات ومؤسسات حقوق الإنسان وغيرها، دوراً نشطاً. فقد أسهمت هذه المجموعات على مدار التاريخ وبشكل فعّال في صوغ حقوق الإنسان والديمقراطية والدفاع عنها. ومن ثم، يجب على المجتمع المدني تبني مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://alwasatnews.com/news/408143.html