العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ

إجازات الحزن... وجهة نظر أخرى

هناء بوحجي comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لا يختلف اثنان على أهمية التعبير عن مشاعر الحزن والتقدير لمكانة الراحلين الذين تربطهم وتربط شعوبهم وحكوماتهم بنا العلاقات المتميزة والطويلة، ولكن ترى هل نحن بحاجة الى التعبير عن ذلك بوقف الأعمال وتعطيل المصالح بشكل طارئ ونعلن عن استعدادنا لخسارة ملايين الدنانير؟ ان ما تعرض له قطاع المصارف والعاملين فيه من فوضى واستياء يدفع إلى تقييم هذا العرف عموما، وتقييم قرار مؤسسة نقد البحرين، بالغ الغرابة خصوصا.

فمؤسسة النقد التي تدير قطاعا مهما يضع البحرين على خريطة المراكز المالية العالمية أصدرت أول تعميم حوالي الساعة الثالثة من مساء الاثنين ينص على اعتبار الثلاثة أيام التالية لوفاة العاهل السعودي الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود اجازة، ثم تبعته ببيان في اليوم التالي يقلص الاجازة الى يوم واحد ما دفع المؤسسات المالية الى ارسال رسائل هاتفية الى موظفيهم لارجاعم الى أعمالهم في اليوم التالي ما يعني أن أية أيام اضافية يبقاها العاملون خارج العمل، بحسب التعميم الأول، ستخصم من أيام الاجازة السنوية.

الغرابة في قرار مؤسسة النقد أنها تلزم المؤسسات العاملة تحت مظلتها "ومنها البورصة" بالتعطيل لمدة ثلاثة أيام يتبعها يومان إجازة أسبوعية ما أثار استياء الكثير من هذه المؤسسات ودفعها للضغط باتجاه تقليص هذه الإجازة وكان لها ما أرادت، وهو أقرب الى الصواب لولا أنه لم يأخذ في اعتباره العاملين في هذه المؤسسات الذين مضوا في خطط إجازة الخمسة أيام والبعض غادر الى خارج البلاد، اذ تقول مصادر شركات الطيران انها تلقت "هجمة" طلب على تذاكر السفر الى عدد من الدول القريبة...

وأخذ مؤسسة النقد مثالا هنا لأهمية القطاع الذي تديره فالمعروف أن هذا القطاع ينفرد بأهمية متزايدة في الاقتصاد القومي، اذ زادت مساهمته في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 35 في المئة خلال العام الماضي الى 24,2 في المئة تولدها 365 مؤسسة مالية.

وعلى رغم عدم توافر أرقام محددة عن كلفة وقف عمل الاقتصاد ليوم واحد فإن بالاستفادة من أرقام الناتج المحلي "3,2 مليارات دينار" يتضح أن الناتج المحلي اليومي يبلغ نحو 9 ملايين دينار ووقف جميع الأعمال قد لا يعني خسارة اجمالية لناتج يوم واحد، ولكنه بالتأكيد خسارة لجزء منه يتسع بأهمية القطاعات الانتاجية في الاقتصاد المحلي. ولابد من الاشارة هنا الى أن من حق المجتمع أن يقرر عدد أيام الاجازات التي تتناسب مع هويته على جميع الأصعدة ولذلك تتفاوت عدد الاجازات الرسمية فيما بين الدول. فعلى سبيل المثال في الخليج تتفاوت الاجازات ما بين 10 أيام في قطر الى 22 يوما في السعودية، وبينهما تقع الكويت 13 يوما والامارات والبحرين 15 يوما وعمان 16 يوم، ولكن من المهم أن تكون هذه الاجازات مخططا لها وموضحة في "الروزنامة" التي تصدر بداية العام. فعلى رغم وجود الكثيرين الذين "يفرحون" بالاجازات العارضة والطارئة مهما كانت دواعيها، فإن هناك كثيرين أيضا تتضرر مصالحهم وقد يتخذون قرارات "استثمارية" بالغة الضرر فيما بعد.

فحسنا فعلت غرفة تجارة وصناعة البحرين عندما فتحت بقصد أو ربما من دون قصد بابا لإعادة النظر في عطلات "الحزن" المفاجئة التى تمنح في أعقاب الاعلان عن وفاة حكام الدول الصديقة أو أية عطلات أخرى.

ففي بعض المناسبات كانت الحكومة تعلن عن تعطيل المؤسسات العامة والخاصة على السواء، ثم يتبع ذلك بيان من الغرفة تعلن عن تعطيل القطاع الخاص أياما متشابهة وعلى كل مؤسسة أن تتحمل كلفة هذا الاغلاق، الا أن الغرفة - في خطوة عاقلة - قفزت على الاعراف السائدة فلم تأتمر "طواعية" بإعلان الحكومة التعطيل لمدة ثلاثة أيام وأعلنت تعطيل ادارتها ليوم واحد وتركت الخيار للمؤسسات لتقدر امكان التعطيل أو الاستمرار في أعمالها آخذة في اعتبارها مصالح من تمثلهم وربما "الجمهور" بدرجة أقل.

وعلى رغم محاولة وزير العمل من تأليب الرأي العام في القطاع الخاص على مؤسساته والقاء اللوم على أرباب العمل في "عدم الالتزام بتوجهات الحكومة العامة بشأن احتساب اجازة لمدة ثلاثة أيام" ووصفه اياهم بأنهم لا يتحملون المسئولية أمام الناس فإن هذا التصريح الصحافي نجح في كسب تأييد العاملين في القطاع الخاص الذي يقلقهم دائما "البذخ" الحكومي على العاملين في القطاع العام ليس في مسألة الاجازات فحسب، وانما في مزايا كثيرة أخرى أصبحت الحكومة تتكرم بها بين الفينة والأخرى على العاملين في مؤسساتها، ولها حساباتها في ذلك، الا أن قرار الغرفة يسر على الكثيرين المضي في أعمالهم وجداولهم اليومية التي لم يضعوا في حسبانهم توقيفها.

نحن مجتمع عاطفي، نحب التعبير عن مشاعرنا ببذل الغالي والرخيص تقديرا لما نحب... انها صفة جميلة لكننا لسنا وحيدين في هذا العالم وتربطنا به مصالح كثيرة ولذلك فلابد من البحث عن وسائل أخرى للتعبير غير تعطيل العمل...

خبير الانتاجية أكبر جعفري اقترح اقتراحا معقولا: "التعطيل لا يعبر عن التقدير ولا عن الحزن... ولذلك يجب أن لا نتوقف عن العمل مهما حصل ولكن اذا ما أردنا أن نعبر عن تقديرنا لراحلين أعزاء على قلوبنا فلنعمل ونحصص جزءا من عمل يوم أو عدد من الأيام لصالح أعمال أو مؤسسات خيرية"

إقرأ أيضا لـ "هناء بوحجي "

العدد 1063 - الأربعاء 03 أغسطس 2005م الموافق 27 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً