العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ

مضامين رؤية جمعية الوفاق عن مشكلة البطالة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

يجسد الواقع المشاهد في مملكة البحرين فئة كبيرة من العاطلين عن العمل ممن هم في سن العمل، وتعزز الدراسات العلمية التي أجريت على واقع هؤلاء العاطلين أن نسبتهم في تزايد، وستصل إلى نحو 100 ألف نسمة في غضون السنوات الخمس المقبلة، إن لم تجد لها حلا.

كانت تلك ديباجة رؤية جمعية الوفاق الوطني الإسلامية عن مشكلة البطالة.

واستهدفت الرؤية المقترحة للبطالة بعض الحلول لمشكلة البطالة في البحرين، وهذا ما عودتنا عليه الجمعية أن تكون لها رؤى علمية وعملية في الملفات المهمة كافة ليس على المستوى السياسي فقط.

إن رؤى وتطلعات التنمية المستدامة هي أكبر دليل على اهتمام جمعية الوفاق بالشأن التنموي في البلد.

والقارئ لرؤية الجمعية عن مشكلة البطالة يرى مدى علمية ومرونة الرؤية التي تطرحها الجمعية.

وهنا في هذا المقال سأشير إلى أهم مضامين رؤية الجمعية في إطار مشكلة البطالة:

إذ أشارت الرؤية إلى أصناف التعطل والبطالة وصنفتهم بالشكل الآتي:

الفئة القادرة على الإنتاج المتميز من حملة الشهادات الجامعية والفنية الذين قضوا سنوات كثيرة في الدراسة وتخرجوا بشهادات تؤهلهم للانخراط في سلك العمل، وفئة التعليم المتوسط الذين أنهوا الدراسة الثانوية ولم يتسن لهم مواصلة التعليم الجامعي أو الفني، وفئة التعليم المتدني من المتسربين من التعليم الابتدائي والإعدادي، وفئة المسرحين من أعمالهم بفعل خصخصة قطاع العمل، أو لظروف خاصة بهذا القطاع، إذ أشارت الرؤية إلى المادة الثالثة عشر من الدستور والتي تنص على الآتي:

أ- العمل واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل، وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب.

ب - تكفل الدولة توفير العمل للمواطنين، وعدالة شروطه.

ج - ينظم القانون على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية، والعلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال.

د - وفي المادة السادسة عشر من الدستور ما نصه:

أ - الوظائف العامة خدمة وطنية تناط بالقائمين بها، ويستهدف موظفو الدولة في أداء وظائفهم العامة إلا في الأحوال التي يبينها القانون.

ب - المواطنون سواء في تولي الوظائف العامة وفقا للشروط التي يفرزها القانون.

ومن مخالفة هاتين المادتين الدستوريتين تلد المشكلة وتتحد أسبابها وتتعدد أشكالها، فمفهوم البطالة في البحرين بحسب التعداد الأخير للسكان والمساكن والمباني والمنشآت العام 2001م يعني الآتي:

متعطل سبق له العمل: وهو الفرد في سن العمل "15 سنة فأكثر"، والذي سبق له الارتباط بعمل بهدف التكسب، إلا أنه ليس مرتبطا بأي عمل خلال فترة الإسناد الزمني على رغم قدرته ورغبته في العمل وبحثه عنه خلال فترة الإسناد الزمني. متعطل لم يسبق له العمل: وهو الفرد في سن العمل "15 سنة فأكثر"، الذي لم يسبق له الارتباط بأي عمل داخل الدولة أو خارجها، وعلى رغم قدرته على العمل، ورغبته فيه وبحثه عنه خلال فترة الإسناد الزمني.

كما تطرقت إلى المحاور الرئيسية الثلاثة لمشكلة البطالة هي على التوالي: السلطة "الحكومة"، المواطن، وأخيرا القطاع الخاص. إذ حملت المسئولية الحكومة الكبرى في المشكلة لعدم جديتها فيما يتعلق بالإصلاح الشامل والمتكامل بوصفه حلا جذريا لغالبية المشكلات العالقة ولاسيما ما هو متعلق بالجانب الاقتصادي، ذلك أن إصلاحه يتطلب قرارا فوقيا صادقا يمس الجانب التعليمي والجانب الاقتصادي والتشريعي، إلى جانب أن من أهم أسباب البطالة كون مخرجات التعليم لا تخدم سوق العمل، بل إن أسلوب التعليم التقليدي وبعده عن العناية باللغات ومهارات العمل يقفان عائقا أساسيا دون توظيف العاطلين البحرينيين، وان إصلاح التعليم مهمة حكومية لا يتحمل تبعاته المواطنون.

استيراد الأيدي العاملة الأجنبية يمثل حجر عثرة في طريق توظيف البحرينيين أو تحسن أوضاعهم، فأرباب العمل يفضلون العنصر الأجنبي لانخفاض أجره وقبوله بظروف العمل الصعبة، فعدد العاملين البحرينيين في 2001م ،127121 وعدد غير البحرينيين ،181220 في حين أن عدد البحرينيين العاملين في 1971م ،47727 وغير البحرينيين ،22284 وعليه فإن نسبة البحرنة انخفضت من 60,9 في العام 1970م إلى 41 في 2001م.

التوترات السياسية تؤخذ ذريعة تغلق باب التوظيف في وزارات الدولة، وكأنها حجة لإعاقة الحراك الاقتصادي بالوطن، علاوة على أنها مسبب لكثير من الحالات كتسرب البعض، واضطرار الآخر للعمل بشهادة دنيا، أو ضياع دراسته، وكل توتر سياسي يضخ الكثير إلى ملف البطالة، ويفرز ظواهر أخرى. إن تخاذل الحكومة عن تنظيم استيراد العمالة الأجنبية للوطن، يؤدي إلى تشبع القطاع الخاص ورفضه للمواطن البحريني، بل يؤدي إلى اضطراب أوضاع العاملين البحرينيين وقلة أجورهم الأمر الذي يجبرهم على التخلي عن أعمالهم والبحث عن أعمال أخرى، وفي هذا الانسحاب والبحث مزيد من الفقر، فهناك علاقة بين زيادة عدد العمالة الأجنبية وانخفاض أجور البحرينيين.

التجنيس خارج القانون والذي سمح بتدفق الآلاف من المجنسين من أجل تغيير البنية الديمقراطية للسكان، والتزام الحكومة بتوفير العمل والسكن لهؤلاء على حساب فئة كبيرة من المواطنين، وعدم التزام الحكومة بدستورها وميثاقه فيما يتعلق بأحقية المواطن في العمل الكريم، وفي التأمين ضد التعطل، وفي مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية يؤدي إلى زعزعة الواقع الاقتصادي وفي نشوء طبقتين اجتماعيتين إحداها تتولى المناصب الرفيعة والأخرى للأعمال المتدنية التي لا تشهد الاستقرار والثبات.

المواطن: يتحمل أيضا جزءا من المسئولية فيما يتعلق بالبطالة ذلك أنه يجهل احتياجات السوق، وجدير به أن يتعرف عليها وأن يخطط لمستقبله بناء على وعي مسبق، وما البطالة الجامعية إلا مثال صارخ على ذلك، وإن كان الأمر ينسب لأكثر من جهة مسئولة، فسوء التنسيق بين الجامعة وسوق العمل، وغياب أسباب أخرى تضاف إلى جهل المواطن.

بعض الطلبة والطالبات ونتيجة لأسباب كثيرة يتسربون من مدارسهم قبل إتمام التعليم الأساسي، وذلك يخلق للمسئولين بالمملكة وأرباب القطاع الخاص عذرا في رفضهم لعدم امتلاكهم الكفايات الدنيا للعمل في عصر يتطلب الجودة، وعليه فإن البحرينيين أصحاب المهارات المنخفضة عاطلون عن العمل، يفتقرون إلى الاستقرار في عمل ما، ذلك كله يجعل عملية المسح لمجموع العاطلين أمرا في غاية الصعوبة.

انعدام الوعي بتغيير قيم العمل يجعل البعض ملحا على أعمال خاصة ورفض البعض لقطاعات كأن يكون المطلب عملا حكوميا فقط، وأن يكون مريحا، هذا الإصرار يولد عجزا عن إيجاد فرص العمل المطلوبة، كما أن سلوكيات بعض العمال البحرينيين فيما يتعلق بالوقت والانضباط بشروط العمل، وعدم الولاء للعمل يزهد فيهم القطاع الخاص، وقد يكون مسبب هذه السلوكيات انخفاض الأجور، وعليه فإن أمورا عدة تتدخل في تشكيل قيم العامل وواقعه.

يلجأ بعض المواطنين إلى بيع بطاقاتهم السكانية لاستصدار تراخيص تخدم رجال الأعمال وتحرمهم من الوظيفة، من خلال مساهمتهم في جلب المزيد من الأيدي العاملة بتصرفهم هذا. لذلك، فإن المتأمل في واقع البطالة البحرينية يجد نفسه أمام اتجاهين:

الأول: العاطلون عن العمل وهم الذين عجزوا عن إيجاد عمل مناسب بعد بحث طويل إما لعدم ملاءمة العمل لمؤهلاتهم وقدراتهم، وإما لعدم قبولهم في أي من الأعمال، وهؤلاء يعيشون البطالة بكل آثارها ومآسيها.

الثاني: العاملون بأجور منخفضة لا تتجاوز الـ 150 دينارا غالبا هؤلاء مهددون بترك أعمالهم لعدم كفايتها، وعليه فإنهم يعيشون شبح البطالة بين عشية وضحاها. لذلك، فإن من يتصدى للبطالة عليه أن يتصدى لها في مختلف وجوهها وتجلياتها، على أن تبقى المطالبة برفع الأجور مطلبا أساسيا لضمان بقاء العامل ذي الأجر المنخفض في عمله منعا من زيادة أعداد العاطلين، فالوقاية خير من العلاج.

القطاع الخاص إذ تقع عليه مسئولية كبرى، والمؤمل عليه استيعاب معظم العاطلين بحيويته وتدفقه وإمكان توسعه، وهو أهم عنصر في المعادلة التنموية والقادر على خلق المزيد من فرص العمل، الا أنه يساهم بدور كبير في إبقاء مشكلة البطالة، إذ إنه ينظر إلى الربحية فقط في إدارة أعماله من دون النظر إلى واجباته تجاه وطنه ومجتمعه، إذ يفضل معظم أرباب العمل العامل الأجنبي على المواطن البحريني لتدني راتبه وإمكان فرض الشروط المجحفة بحقه، إذ يتحايل أرباب العمل على القوانين بتسجيل عمالة بحرينية من خلال تسجيل جميع الأهل وشراء بطاقات المحتاجين، وغيرها من الأساليب الملتوية بجلب المزيد من الأيدي العاملة الأجنبية.

تركيز القطاع الخاص في نشاطه على التجارة والخدمات وتقليصه للمشروعات الصناعية التي يمكنها أن تستوعب أعدادا كبيرة من العاملين، ويتم تقليص العمالة البحرينية في القطاع الخاص عن طريق مضايقته إلى جانب تدني أجره ما يضطره إلى الانسحاب.

لم تفوت الرؤية الإشارة إلى الآثار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبطالة وقدمت مجموعة من الحلول والمقترحات لمشكلة البطالة من خلال:

- تبني استراتيجية وطنية تشارك فيها وزارات الدولة المعنية، وبعض المهتمين بهذه القضية من النشطاء السياسيين والحقوقيين، مع الحرص على تقديم الدعم الأكيد من قبل جلالة الملك مباشرة، على أن تقدم حلولا عاجلة سريعة، وحلولا بعيدة المدى، كإنشاء صندوق للضمان الاجتماعي يتكفل بمنح كل المتعطلين مرتبا شهريا مناسبا، بحسب المؤهل العلمي، على ألا يقل عن 150 دينارا.

- اعتبار الشخص الذي أنهى تخرجه من الجامعة شخصا مؤهلا للعمل يجب أن يلتحق بمجال تخصصه، وبالتالي يتم تعيينه في عمل، يجب أن يعامل على أنه صاحب عمل، ويمنح التعويض الذي يساوي مرتب من هم في المهنة بالمؤهل نفسه، ويعاد تأهيل هؤلاء المتخرجين وتدريبهم للالتحاق بفرص العمل المتوافرة إذا لزم الأمر. وتشجيع العاطلين على الاستمرار في مواصلة التدريب، على أن يدفع لهم مرتب كامل يساوي مرتب أقرانهم، وإفساح المجال لمن يريد منهم العمل الحر بمنحهم القروض الميسرة، والمساعدات المالية والفنية.

- فتح فرص العمل الحر أمامهم بمنحهم التراخيص، ونخص بالذات من هذه التراخيص: الحلاقة النسائية، البرادات، الخياطة، ميكانيكا السيارات... إلخ.

- إلحاق قسم منهم بقطاع العمل الحكومي، وبالذات في مجال خدمة الأمن الوطني، وفي الوظائف المتوسطة "سائقون، فنيون".

- كما أنه لابد من مراعاة الآتي: الدراسة والتدريب، التوعية وسن القوانين والتشريعات التي تحد من البطالة وتتصدى لها.

- المطالبة بمجموعة من القوانين والتشريعات للحد من التجنيس خارج القانون والتمييز الطائفي.

- وضع نظام العمل بنصف دوام للمرأة التي لا تستطيع أن تقوم بدوام كامل، مكافحة الاتجار بالعمالة الأجنبية، ووضع قانون للمعاقبة عليها.

- وضع استراتيجية وطنية لضمان توفير عدد أكبر من الوظائف للمواطنين عبر إصلاح التعليم وتوفير التدريب وتنظيم وإصلاح الاقتصاد.

- وضع حوافز ومكافآت للمؤسسات والشركات لضمان تطبيق التدريب والتأهيل والسعي للبحرنة.

- توظيف ذوي الإعاقة في أعمال تناسب إعاقتهم.

- وضع حوافز للعامل الذي يهتم بقيم العمل.

- خفض سن التقاعد للمواطن ليكون للرجل 30 سنة خدمة، وللمرأة 25 سنة خدمة "مع تحسين شروط التقاعد".

- إلزام الشركات والمؤسسات الحكومية والأهلية بتعريب ما يمكن من مراسلاتها وإعلاناتها ومعاملاتها.

- سن قانون الضمان الاجتماعي ضد التعطل والشيخوخة والعجز عن العمل وذوي الإعاقة.

- تحسين وضع العاملات في مصانع الملابس وغيرها من المصانع.

- مطالبة الحكومة بفتح باب التوظيف في وزارتي الداخلية والدفاع من دون تمييز.

- إعداد خطة أمنية ومستقبلية لاستبدال العامل والموظف الأجنبي ذي المهارات العليا وتطبيقها على مراحل وخطوات.

- رفع رواتب المواطن البحريني بحيث لا يقل راتب الجامعي عن 350 دينارا، وراتب غير جامعي عن 250 دينارا.

- دعم مشروع إصلاح سوق العمل في القطاع الخاص بفرض ضريبة تصاعدية على العامل الأجنبي لتصل إلى 100 دينار في العام 2009م.

- وضع ضوابط تحقق استثمار الفائض الاقتصادي عبر مشروعات داخل البلد.

- وضع خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ووضع أهداف ترتكز على:

أ - وقف نزيف الفساد المالي والإداري.

ب - التوظيف الأمثل لجميع الإمكانات المالية والطاقات البشرية.

ج - سيادة الدستور والقانون.

تلك كانت أهم مضامين رؤية جمعية الوفاق الوطني الإسلامية، نرجو أن تأخذ بها وزارة العمل، والاستفادة مما جاء فيها فهي لم توضع اعتباطا وإنما جاءت من أجل المشاركة المجتمعية في سبيل التصدي لمشكلة البطالة، فهل لها أن تلتفت إلى ذلك؟

* كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1064 - الخميس 04 أغسطس 2005م الموافق 28 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً