العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ

22 ديسمبر... محاكمة قيادة هيئة الاتحاد

حدث في مثل هذا اليوم قبل 46 عاما

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

في مثل هذا اليوم الموافق 22 ديسمبر/كانون الأول وقبل 46 عاما تمت محاكمة قادة هيئة الاتحاد الوطني الخمسة، وحكم على ثلاثة منهم، وهم عبدعلي العليوات وعبدالعزيز الشملان وعبدالرحمن الباكر بالسجن أربعة عشر عاما، وحكم على الاثنين الآخرين ابراهيم بن موسى وابراهيم فخرو بالسجن عشر سنوات. كما أضيف على الثلاثة الأولين النفي إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الأطلسي.

بدأت محاكمة القادة الخمسة بعد مرور أكثر من شهر ونصف الشهر من اعتقالهم، فقد اعتقل الثلاثة الأول في 6 نوفمبر/تشرين الثاني بينما اعتقل ابراهيم بن موسى في 7 نوفمبر، واعتقل ابراهيم محمد حسن فخرو في احدى مظاهرات المحرق يوم 5 نوفمبر. أما بالنسبة إلى المحاكمة فقد حوكموا جميعا في المحكمة نفسها في مركز شرطة البديع، في حين أن المحاكمة أقل ما يقال عنها أنها صورية وجرت في غرف مغلقة، إذ اتخذ الحكم سلفا بحق هؤلاء المناضلين، وأن ما جرى ما هوى إلا من باب تحصيل الحاصل، وقد صدر الحكم بعد يومين من المحاكمات، أي في 23 ديسمبر، وبعد ذلك بيوم، أي في 24 ديسمبر رحّل القادة الثلاثة: العليوات والباكر والشملان نهائيا - عن بلدهم وأهليهم من دون أن يعرفوا إلى أين وجهتهم ولم يخبرهم أحد بذلك - إلى جزيرة سانت هيلانة في المحيط الأطلسي.

من خلال اعتقال قادة الهيئة وفقا للعملية التي أطلق عليها الاسم السري «البيبسي كولا» تم الاجهاز على أول حركة سياسية اجتماعية وبحرينية خليجية في النصف الثاني من القرن العشرين. وقد مثلت نموذجا متقدما لتحالف الجبهة الوطنية المعبّرة عن ارادة الشعب البحريني بطبقاته وقواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية كافة الناهضة في تلك الفترة التاريخية الخصبة.

أما المحاكمة التي تصادف هذا اليوم التاريخي، فقد جاءت للانتقام والثأر من قادة هيئة الاتحاد والحكم عليهم بأقسى العقوبات إذ وجهت إليهم قائمة من التهم الملفقة لتخرج المحكمة الصورية بعد ذلك بحكمها الشهير والجائر على القادة الخمسة.

وبهذا الحكم الذي يعتبر نقطة سوداء في تاريخ البحرين الحديث تم القضاء على الحركة وتاليا على قادتها وفصلهم عن محيطهم الاجتماعي والسياسي بنفي ثلاثة منهم إلى أقاصي الأرض (سانت هيلانة). وفي أعقاب هذا الحكم أيضا بدأت مرحلة جديدة من الأحكام العرفية والطوارئ عاشت خلالها البلاد حال كتم الأنفاس وقطع الأرزاق وزهق الأرواح.

المثير في هذه المحاكمة أن القادة الخمسة اتفقوا على عدم الدفاع عن أنفسهم معتبرين أنه لا جدوى من ذلك لأن المحاكمة صورية أولا وأخيرا، كما أن الحكم قد اتخذ سلفا من قبل الحكومة والانجليز، وما المحاكمة إلا تغطية لتمرير هذا الحكم القاسي والظالم للقضاء على الحركة.

أما الآن وبعد مرور قرابة نصف قرن على هذا الحكم/ الحدث وبعد أن أصبح القادة الخمسة في ذمة التاريخ، والحكم الجائر نفسه بات يمثل نقطة سوداء في تاريخ البحرين الحديث والمعاصر، فإن ذلك لا يمنع من ضرورة استعادة هذه الذكرى التاريخية الأليمة، والوقوف عند هذا الحكم الجائر بحق هؤلاء القادة. وفي هذا الصدد فإن أقل شيء نقوم به سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، هو إعادة اجراء المحاكمة ورد الاعتبار إلى هؤلاء القادة جميعا باعتبارهم قادة وطنيين تاريخيين لعبوا دورا مهما جدا في نهضة بلدنا السياسية والاجتماعية والحضارية.

أما إذا قُدِّر لنا أن نكتب تاريخ هذا البلد، فلابد من اعتبار هؤلاء القادة في القلب من هذا التاريخ ومن دون ذلك يبقى التاريخ أقرب إلى التزوير منه إلى الموضوعية والإنصاف.

كما أن إنصاف هؤلاء الأبطال يبدأ برد الاعتبار إليهم جميعا، وتدوين تاريخهم الشخصي والوطني وتكريمهم عن طريق اطلاق اسمائهم على الكثير من معالم هذا البلد. فهم نقطة ناصعة على جبين هذا الوطن، الذي يسع جميع أبنائه من الأولين والآخرين.

في هذا اليوم التاريخي ونحن نتذكر العليوات والباكر والشملان وبقية رفاقهم لا يسعنا إلا أن ننحني لهم اجلالا واكراما لما بذلوه من غال ونفيس في سبيل عزة وكرامة هذا الشعب، الذي لايزال وعلى رغم تقادم السنين - يتذكر تلك السنوات الخوالي التي كان فيها هؤلاء القادة نجوما متلألئة في سماء البحرين. ولأن هذا الشعب لايزال يتذكر، فقد واصل رسالة أولئك القادة وسار على دربهم في الهبات والحركات اللاحقة التي كانت ترفع مطالب هيئة الاتحاد نفسها، وتطالب بغدٍ أفضل وحياة سعيدة لشعب البحرين، كما كان يفعل العليوات والباكر والشملان والموسى وفخرو... هذه مجرد وقفة عابرة بحق هؤلاء القادة الذين ظلموا وهم أحياء وتم التعتيم عليهم وهم أموات، كما يراد لنا أن نشطبهم من تاريخ بلدنا. ولكن هيهات أن يتم ذلك. فشكرا لكم أيها القادة الأبطال. وحسبكم شرفا أنكم حملتم قضية شعبكم أمانة في أعناقكم في الأوطان، وفي المنافي. فلكم الخلود، وعاشت البحرين ورجالاتها الأبطال، وعشتم في ذاكرة الشعب التي لا تموت

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 107 - السبت 21 ديسمبر 2002م الموافق 16 شوال 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً