العدد 1087 - السبت 27 أغسطس 2005م الموافق 22 رجب 1426هـ

الخادمات الفلبينيات في المرتبة الأولى ثم السريلانكيات فجنسيات أخرى

اقتصاديون لـ "الوسط": العمالة الوافدة حولت 500 مليون دينار إلى خارج البحرين

منذ منتصف السبعينات شهدت دول الخليج العربية هجرة كبيرة إليها من العمالة الوافدة نظرا إلى غنى المنطقة بالثروة النفطية. فالسياسة التي اتبعت حينها كانت تتجه نحو الاستفادة من عائدات النفط الهائلة في إرساء دعائم البنى التحتية ضمن خطط تنموية تشمل جميع مناحي الحياة. لكن ما حدث أن العمالة الوافدة أصبحت تشكل الغالبية في القوى العاملة في دول الخليج... وبحسب آخر الدراسات التي أعدها المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية والعمل في دول الخليج العربية تبين أن عدد العمالة الوافدة وصل إلى 12 مليونا ونصف المليون ما يشكل 38,5 في المئة من مجموع سكان الخليج الذين يصل عددهم الى 23 مليون نسمة.

ففي المملكة العربية السعودية وحدها هناك 7 ملايين وافد ما يشكل ما نسبته 30 في المئة من عدد السكان، بينما توجد في الإمارات أعلى نسبة إذ تشكل العمالة الوافدة نسبة 80 في المئة من مجموع عدد السكان، ويوجد في الكويت مليون و475 ألفا، أي 63 في المئة من عدد السكان، أما قطر فلديها 420 ألفا، أي ما نسبته 72 في المئة من مجموع السكان، وفي عمان 630 ألف عامل يشكلون 26 في المئة من عدد السكان، فيما يوجد في البحرين 269 ألفا، أي ما نسبته 38 في المئة من عدد السكان، وزعت على مختلف المجالات في القطاعين العام والخاص.

ومع أن العمالة الأجنبية في دول الخليج أسهمت بشكل كبير في التوسع الضخم للنشاط الاقتصادي إلا أنها باتت أيضا تفرض ضغوطا وتحديات اقتصادية واجتماعية هائلة على دول المنطقة، وخصوصا أن الدخل المحول لهذه العمالة إلى بلدانها يعني في المقابل سحبا من السوق الداخلية، إذ تصل كلفة العمالة الوافدة إلى عشرين مليار دولار سنويا يتم تحويلها على شكل عملات أجنبية.

التغيرات الاقتصادية وجلب الخادمات

التغيرات لاقتصادية والسياسية التي شهدتها المنطقة الخليجية انعكست بدورها على عدة جوانب طالت أيضا الجوانب الاجتماعية، إذ برزت بعض الأنماط الاجتماعية التي لم تكن مألوفة قبل الطفرة النفطية، بعض هذه الأنماط تبلورت على شكل بعض مظاهر الرفاهية التي سرعان ما تحولت إلى جزء من النسيج الاجتماعي بالنسبة إلى دول الخليج. فمنذ مطلع الثمانينات أصبح من المألوف مشاهدة أعداد هائلة من النساء الآسيويات في مطارات الدول الخليجية بانتظار دخولهن للعمل كخادمات في المنازل.

لم يكن لهذا النمط من الرفاهية أن يتحقق من دون أن تتبعه إجراءات تسهل دخول هذه الفئة من العمالة، فتدني أجور الخادمات التي لا تتعدى مئة وخمسين دولارا أميركيا شهريا وسهولة الحصول على تأشيرات العمل لهن من السلطات الرسمية وانتشار مكاتب استقدام الخدم من جنسيات متعددة، جميعها عوامل أسهمت بدورها في إقبال المواطن الخليجي على جلب الخادمات.

خروج المرأة إلى العمل

التطورات التي شهدتها المجالات التعليمية وتغيير الأنماط الفكرية التي أزالت الكثير من العوائق أمام المرأة الخليجية ومكانتها الاجتماعية أسهمت بدورها بدفع المرأة الخليجية للدخول الى سوق العمل... ففي البحرين ارتفع معدل مساهمة المرأة في القوى العاملة في البحرين من العام 1971 - إذ كان يشكل نسبة 4,3 في المئة من القوى العاملة - ليصبح في العام 2001م 25,9 في المئة، فيما تشير أرقام مستقاة من تقرير المؤشرات الاقتصادية الذي تصدره مؤسسة نقد البحرين إلى أن إجمالي الزيادة في عدد البحرينيات في سوق العمل المحلية بلغ 7,2 آلاف امرأة رفعت عدد المشاركة النسائية في سوق العمل من 23,1 ألف امرأة في العام 2000 إلى 30,3 ألف امرأة في العام .2004 وتشكل العمالة النسائية البحرينية نحو 31,2 في المئة من إجمالي العمالة المواطنة في السوق المحلية التي يبلغ حجمها 97,2 ألف مواطن، فيما تشكل 35,4 في المئة من إجمالي القوى العاملة.

خروج المرأة إلى العمل

إقبال المرأة على العمل خارج المنزل فرض بدوره تغيرات اجتماعية لعل أبرزها الحاجة إلى استقدام خادمة من الخارج للإيفاء بالمتطلبات المنزلية. فأصبح من غير المعتاد أن تكون هناك امرأة عاملة من دون وجود خادمة في المنزل تفي بمعظم المتطلبات المنزلية... هذا الاحتياج يفرض بدوره أيضا تغيرا اقتصاديا على مخصصات الأسرة الواحدة لدفع أجور الخادمة.

"الوسط" بدورها تطرح أسئلة أهمها: هل هناك تأثيرات اقتصادية تترتب على ظاهرة جلب خادمات المنازل؟ وهل يمكن أن يكون التأثير الاقتصادي الدافع الأساسي للاستغناء عن هذه العمالة؟ أم أن الاعتبارات الاجتماعية وأبرزها غياب البديل المحلي لشغل هذه الوظيفة يحتم القبول بدفع الأجور، وإن لم تحظ هذه الفئة العاملة مستقبلا بأية استثناءات في تطبيق مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي أعدته مؤسسة ماكينزي لصالح مجلس التنمية الاقتصادي؟

إحصاءات تثير أسلئة

على رغم عدم وجود غطاء قانوني يهتم بشئون هذه الفئة من العمالة في دول الخليج فإن الإحصاءات التي أجريت بشأن أعداد خدم المنازل في الخليج خرجت بأرقام تثير الكثير من الأسئلة... فحسب الدراسة التي أشرنا إليها والتي أعدها المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الشئون الاجتماعية والعمل في دول الخليج نهاية العام الماضي كشفت أن تعداد خدم المنازل في الخليج يزيد على مليوني نسمة، إذ وصل عدد الخادمات في السعودية إلى 812 ألفا للعام ،2003 فيما وصل العدد في الكويت إلى 400 ألف، و66 ألفا في عمان، و450 ألفا في الإمارات، في حين لم تشر الدراسة إلى أية أرقام في دولة قطر. أيضا أشارت الدراسة إلى أن أعداد الخادمات في دول الخليج العربية الذي يصل تعداد سكانها إلى 23 مليون نسمة تزايد خلال العام الماضي، ففي دولة الكويت والإمارات هناك خادمة لكل اثنين من المواطنين فيما هناك خادمة واحدة لكل أسرة في المتوسط في السعودية وعمان. فيما يصل متوسط عمر الخدم نحو 30 سنة، ثلثاهم إما متزوجات أو كن متزوجات. وتأتي المسيحيات في مقدمة التصنيف الديني ثم المسلمات فالبوذيات فالهندوسيات، فيما لا تتجاوز نسبة الخدم من الجنسيات العربية ما نسبته 1 في المئة.

في البحرين وحدها يعمل ما يقارب 30 ألف خادمة، إذ هناك خادمة واحدة لكل أسرة في المتوسط، كما هو الحال في السعودية وعمان. وتعمل في البحرين جنسيات متعددة أهمها الفلبين وسريلانكا والهند وبنغلاديش وإندونيسيا وإثيوبيا. وتختلف الأجور بحسب هذه الجنسيات بحسب كلفة جلب العاملة، وفي بعض الأحيان بحسب الاثنيات والدين.

إذا، ماذا يفضل البحرينيون للاعتناء بمنازلهم؟ هذا السؤال طرحناه على مكاتب جلب خدم المنازل...

الفلبينة الخيار الأول... ولكن!

يقول أحد أصحاب مكاتب جلب الخدم الذي فضل عدم ذكر اسمه والذي يعمل في مجال جلب الخدمات منذ عشرين عاما: إن غالبية البحرينيين يفضلون جلب خادمات من الفلبين، فيما لو تمكنوا من تحمل نفقات استقدامهم التي تصل في بعض الأحيان إلى 500 دينار، في حين يتراوح الأجر الشهري ما بين 50 و60 دينارا بحرينيا.

ويشير محدثنا إلى أن الخادمات الإندونيسيات أيضا كان لهن نصيب وافر من الإقبال على جلبهن من قبل البحرينيين قبل أن تقوم حكومتهن بمنعهن من السفر للعمل في دول الخليج.

يقول: "بلا شك الفلبينية الخيار الأول لأنها تتكلم الإنجليزية وتتمتع ببعض الخبرة بالشئون المنزلية، هذا إلى جانب اهتمامها بنظافتها الشخصية وهذا أمر مهم بالنسبة إلى الأسر البحرينية التي تدين بالإسلام".

وفيما اذا كان الدين يشكل أية ميزة في اختيار الأسر للخادمة، يقول محدثنا: "لا اعتقد أن غالبية البحرينيين يهتمون بهذا الجانب، طالما أن الخادمة تدين بأي من الأديان السماوية. بلا شك هناك بعض التحفظات على الأديان التي تدين بها بعض الدول الآسيوية ولكن الأسر البحرينية تتقبل أن تعمل لديها خادمة تدين بالمسيحية على وجه المثال".

ويضيف "قد يستبعد البعض خيار جلب خادمة من الهند وذلك لتعدد الاثنيات والأديان هناك، وهذا ما يجعل بعضهم لا يرغب في التعامل مع خادمات لا يعلمن الكثير عن ديانتهن".

ويرى محدثنا أن بعض الجنسيات أصبحت خيارات مستبعدة نتيجة لطول المدة التي تستغرقها وصول الخادمة إلى البحرين، كما أن بعض الجنسيات اشتهرت بكثرة المشكلات والهروب من مستخدميها بحسب قوله.

يفضلون من عملن في دول عربية

فيما يرى شتلي واي - الذي يدير أحد مكاتب جلب الخدم ويعمل في البحرين منذ 25 عاما - أن اختيار جنسية الخادمة أمر يختلف من عائلة إلى أخرى بحسب رغبتهم، فيما لا تزيد نسبة من يفضلون أن تكون الخادمة مسلمة على 25 في المئة فقط من الناس في البحرين.

يقول شتلي: "الخبرة هي العنصر المهم في اختيار الخادمة. لا ننسى أن من يعملن خادمات غالبيتهن يأتين من الأرياف وهن شبه أميات، لذلك نجد أن الكثير يفضلون أن تكون الخادمة قد عملت من قبل في إحدى الدول العربية مثل السعودية أو الأردن أو لبنان مثلا".

وعن المبلغ الذي يدفعه المستخدم البحريني لجلب الخادمة يقول شتلي: "نقوم بتحصيل ما نسبته 2 في المئة من المبلغ الإجمالي، أما الباقي فيذهب إلى وكالات جلب الخدم في بلد الخادمة، فهم من يتولى استصدار تذكرة السفر والباقي يحتسبونه كأجر لهم".

عمالة من دون غطاء قانوني

الباحث الاقتصادي جاسم حسين يرى أن من أهم أسباب استقدام خادمات المنازل هو تدني أجورهن في منطقة الخليج وغياب قوانين وتشريعات تختص بهذه الفئة من العمالة. ويشير حسين إلى أن التأثيرات الاقتصادية لوجود هذه العمالة أمر لا يمكن تجاهله على رغم أن وجودها بالمقابل أسهم بشكل فعال في الحركة الاقتصادية بالنسبة إلى دول الخليج.

يقول جاسم: "هناك مؤتمر سيقام في مدينة بالي في إندونيسيا بعد عدة أسابيع بين ممثلين عن دول شرق آسيا ودول الخليج للتباحث بشأن الانتهاكات وتدني الأجور التي تتقاضاها العمالة الوافدة إلى دول الخليج ولاسيما خادمات المنازل. أعتقد أن هناك ضرورة لوضع أسس وقوانين تنظم استقدام هذه الفئة من العمالة طالما أنها أصبحت تشكل جانبا مهما من الجوانب الاجتماعية بالنسبة إلى الأسرة الخليجية".

تدني الأجور

ويشير جاسم إلى أن تدني الأجور الذي تتقاضاها خادمات المنازل يشكل حافزا قويا أمام الأسر الخليجية لجلب الخادمات. ففي الوقت الذي تفرض فيه قوانين وتشريعات الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية حدا أدنى للأجور على مختلف فئات العمالة لا تتقاضى الخادمة في دول الخليج ما يزيد على 150 دولارا أميركيا شهريا، وهذا الرقم أيضا يختلف بحسب الاثنيات والأديان في بعض الأحيان".

يقول جاسم: "الأجور التي تتقاضاها الخادمات لا تبدو حقيقية بالنسبة إلى واقع العمل في منطقة الخليج، فكيف يمكن لفرد أن يعمل 24 ساعة لمدة 7 أيام في الأسبوع ويتقاضى راتبا لا يتعدى 50 دينارا بحرينيا؟ لكن بالمقابل نجد أن هذه العمالة تقبل بهذه الأجور وتجدها مناسبة".

العرض يفوق الطلب

زيادة العرض في استقدام الخادمات أسهم بشكل فعال - بحسب جاسم - في إقبال الناس، فانتشار مكاتب الخدم التي تتكفل بدورها بتخليص جميع المعاملات والأوراق الرسمية المتعلقة بالخادمة وإيصالها من المطار إلى المستخدم، جميعها عوامل تسهل الحصول على خادمة للمنزل.

يقول جاسم: "المكاتب منتشرة ولديها صور للخادمات اللاتي يرغبن في العمل في البحرين أو في أية دولة خليجية أخرى. وفي معظم الأحيان ترفق هذه الصور إلى جانب المؤهلات التي تتمتع بها الخادمة والخبرة التي حصلت عليها أثناء مزاولتها العمل في دول أخرى... ناهيك عن الإعلانات المنشورة في الصحف المحلية التي تشكل أيضا عامل إغراء في استقدام الخادمات".

آثار اقتصادية

يقول جاسم: "لقد بلغ مجموع التحويلات المالية من قبل العمالة الوافدة إلى خارج البحرين نحو خمسمئة مليون دينار أي ما يعادل ألف وثلاثمئة مليون دولار أميركي، وهذا الرقم يعادل 8 في المئة من حجم الناتج المحلي للبحرين، كما يشمل الأرقام الرسمية وغير الرسمية. إذا اخذنا في الاعتبار أن عدد القوى العاملة من الأجانب يصل إلى 193 ألفا من أصل 340 ألف أجنبي يقيمون في البحرين، فيما تبلغ كلفة الوافد الأجنبي على الحكومة البحرينية ما يصل إلى 40 دينارا شهريا، أي 129 مليون دينار سنويا تشتمل على الخدمات التي تقدم للأجنبي سواء الكهرباء والمياه أو الخدمات الصحية وغيرها بحسب إحصاءات العام 2004".

ويضيف "بالتأكيد أن للتحويلات المالية تأثيرات على الاقتصاد المحلي، ولكن أين موقع الخادمات من هذه التحويلات، وخصوصا إذا أخذنا في الاعتبار الدور الحيوي الذي تقوم به الخادمة بالنسبة إلى الأسرة البحرينية وأهمها توفير الفرصة للمرأة البحرينية للخروج إلى العمل؟"

العدد 1087 - السبت 27 أغسطس 2005م الموافق 22 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً