العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ

«متسكعون» ينهكون المجتمع المدني (5)

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في المقالات السابقة تم التعرض لعدد من العقبات التي قللت من فاعلية نظرية «تنشيط المجتمع المدني» في دمقرطة البيئة السياسية والاجتماعية في بلادنا بالمستوى الذي تحدثت عنه النظرية. والإشارة كانت تتوجه إلى أن مثل هذا التنشيط، ولكي يكون فعالاً، فإنه بحاجة إى عوامل أخرى داعمة لمشروعات الديمقراطية وحقوق الإنسان. على أن أحد المظاهر الناتجة عن «ضخ» أموال وجهود وبرامج بهدف تنشيط مؤسسات المجتمع المدني ولكن من دون دعم استراتيجي ومن دون رؤية واضحة هو بروز نشاطات «غير حميدة» تشوه مفاهيم حرية التعبير والتعددية والديمقراطية. وفي هذه النشاطات التي تتسم بالعشوائية، واحيانا تنزع نحو الفوضوية وانعدام المسئولية وتتجه بالجهود المجتمعية إلى عكس ما تسعى إليه الحركات المنادية بالحريات العامة والديمقراطية. في بداية التسعينات من القرن الماضي اتجه بعض العاملين في الحركات السياسية المعارضة للنشاط في المجتمع المدني، وأسسوا لجاناً أو جمعيات باسم حقوق الإنسان، واستفادوا من تلك المسميات للدخول إلى محافل دولية وإقليمية تتحدث عن موضوعات ربما كانت غريبة على هذه الحركات السياسية او تلك. ومع الأيام تحول عدد من أولئك الأشخاص إلى «محترفين» في المشاركة في ورش العمل والمؤتمرات المجانية التي تنعقد باسم المجتمع المدني في العواصم المختلفة.غير أن عدداً من هؤلاء الأشخاص تحولوا أيضاً إلى «متسكعين» يلهثون خلف التذاكر المجانية والسفر إلى هذه العاصمة أو تلك للمشاركة في ورش العمل والالتقاء بالوجوه نفسها تقريباً، وخلق صداقات هنا وهناك. ومع الأيام، أصبح عدد من هؤلاء «متسكعين بدوام كامل»، فهم ليسوا مؤهلين للانخراط في مجال نافع لهم أو لمجتمعهم، ولذلك فإن عليهم ان يبحثوا عن وسائل وطرق للظهور على السطح حتى ولو كان ذلك عبر إثارة الاضطراب من أجل خلق بطولات وهمية. بعض هؤلاء أصبحوا «معجبين بأنفسهم جداً»، وبدأوا يتصرفون كما لو أنهم فلاسفة الثورة الفرنسية، يرسلون الرسائل إلى رفاقهم في «التسكع»، ويهددون ويتوعدون بانهم سيقلبون الدنيا على رأسها، وأن لديهم بطولات تفوق ما كان لدى «تشي جيفارا» و«ماوتسي تونغ» و«نيلسون مانديلا» و«الامام الخميني»، وغيرهم ممن تحركوا وغيروا مجرى التاريخ في جوانبه المختلفة. ظاهرة المتسكعين في ورش عمل المجتمع المدني المجانية أصبحت واضحة في أماكن عدة، وهي سلبية وتضر بجميع المفاهيم التي تدعو إليها نظرية تنشيط المجتمع المدني، فالنظرية تتحدث عن التعددية والاحتكام إلى الأساليب السلمية والسعي لاغناء محتويات الحوار والاطروحات والدخول في عمليات سياسية بهدف تطويرها نحو مزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان. مع الأسف، فإن هذه المظاهر السلبية إنما نتجت بسبب عدم وجود رؤية واضحة لكيفية تنشيط المجتمع المدني ودعمه استراتيجياً وعدم الاقتصار على الدعم «المتشتت» هنا وهناك. إن ظهور أشخاص «يتسكعون» في ورش العمل والمؤتمرات المجانية ومن ثم يعجبون بأنفسهم كثيراً، وبعدها يهرعون إلى «تشتيت المجتمع المدني» بدلاً من «تنشيطه» لا يعني ان النظرية خاطئة. ولكن ما هو واضح ان الجهود بامكانها ان تنقلب إلى النتيجة الخطأ مع المراوحة في طرح مفهوم نجح في أماكن أخرى من دون ملاحظة أسباب ذلك النجاح ومن ثم العمل على ايجادها في منطقتنا التي أتعبتها «الدكتاتورية» كثيراً، ويتعبها حالياً «المتسكعون» في ورش العمل والمؤتمرات المجانية التي تعقد باسم «تنشيط المجتمع المدني».

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1189 - الأربعاء 07 ديسمبر 2005م الموافق 06 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:42 م

      عدنا متسكعين

      نعم للأسف لدينا متسكعين ومتسلقين وهواة حب الظهور

اقرأ ايضاً