العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ

المطالبة بالحماية الدستورية لحقوق الإنسان والدعوة إلى «تعديل الدستور»

المملكة المغربية... الحراك السياسي النشط يضمن التنمية المستدامة

المصطفى العسري comments [at] alwasatnews.com

حدث السنة في المغرب كان بامتياز، هو تقديم هيئة الانصاف والمصالحة تقريرها الختامي، الذي يأتي بعد بتها في مختلف الشكاوى وقضايا الانتهاكات التي عرفتها المملكة العربية الوحيدة في إفريقيا منذ سنوات استقلالها الأولى وإلى حدود تغيير 23 يونيو/ حزيران من العام 1999 الذي أتى بالملك محمد السادس إلى سدة الحكم بعد رحيل والده الملك الحسن الثاني. هيئة الإنصاف والمصالحة قدمت في تقريرها النهائي في ختام عملها الماراثوني مجموعة من التوصيات من أجل تعزيز الحماية الدستورية لحقوق الإنسان بالمملكة اعتبرت أنها تستوجب الأخذ في الاعتبار عندما يكون ممكناً إجراء تعديل في الدستور، ما اعتبرت دعوة غير صريحة إلى تعديل الدستور المغربي. وبعد أن ذكرت الهيئة في تقريرها أن السلطتين اللتين يمنحهما الدستور المبادرة إلى التعديل هما «الملك والبرلمان»، سجلت أنه ليس من صلاحياتها تبني موقف، بشأن وجهات النظر السياسية أو الحزبية المعلن عنها في النقاش العام بشأن الدستور. وأكدت هذه التوصيات ضرورة تعزيز احترام حقوق الإنسان وتحسين الحكامة الأمنية على الخصوص في حال الأزمات» ودعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دولياً، عبر ترسيخ واضح لمبدأ سمو المعاهدات والاتفاقات الدولية ذات الصلة وبشكل عام معايير القانون الدولي والقانون الإنساني على القوانين المغربية، داعية إلى التنصيص الدستوري الصريح بفحوى الحريات والحقوق الأساسية التي يتضمنها، مثل: حريات التنقل والتعبير والتظاهر والتنظيم النقابي والسياسي والتجمع والإضراب وسرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة وتحصينها بالقدر الكافي ضد أي تقلبات للعمل التشريعي والتنظيمي والإداري العادي، مع التنصيص على المقتضى الذي يجعل تنظيم هذا المجال من اختصاص القانون، وإلزام المشرع نفسه كلما أقدم على تنظيم ممارستها، بأن يسن، فضلاً عن الضمانات الموجودة، ضمانات أخرى وقائية مع سبل اللجوء للعدالة لصالح المواطنين الذين قد يعتبرون أنهم تضرروا في ممارسة أي حرية من تلك الحريات أو حق من الحقوق. وأوصت الهيئة بتعزيز الضمانات الدستورية للمساواة، وذلك بالتنصيص على المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي، والتنصيص دستوريا على الحق في الدفع استثناء بعدم دستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه ووضع شروط مضبوطة لذلك تفاديا للادعاء المفرط باللا دستورية. وضمان حق الأقلية في الطعن بعدم دستورية القوانين الصادرة عن البرلمان أمام المجلس الدستوري. وأوصت بتجريم ممارسة الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة العنصرية وباقي الجرائم ضد الإنسانية والتعذيب وكل أشكال المعاملة والعقوبات القاسية وغير الإنسانية والمهينة» ومنع كل أشكال التمييز المدانة دوليا وكل أشكال التحريض على العنصرية ومقت الأجانب والعنف والكراهية على مستوى القواعد الدستورية السامية» والإقرار دستوريا بمبدأ براءة كل متهم إلى أن تثبت إدانته، وضمان حقه في محاكمة عادلة. ودعت الهيئة إلى تعزيز المبدأ الدستوري، من حيث فصل السلطات، وخصوصاً فيما يتصل باستقلال العدالة والنظام الأساسي للقضاة، مع المنع الصريح لأي تدخل للسلطة التنفيذية في تنظيم العدالة وسير القضاء، ثم تقوية الضمانات الدستورية لاستقلال المجلس الأعلى للقضاء وجعل نظامه الأساسي يحدد بقانون تنظيمي يتم بمقتضاه مراجعة تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف غير قضائية داخله، مع الإقرار له باستقلاله الذاتي بشريا وماليا، وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم مع تخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة، والنهوض بالحكامة الأمنية من حيث تقوية الأمن وحفظ النظام العام سواء في الظروف العادية أو عند حدوث أزمات. وطالبت التوصيات بتوضيح وتقوية سلطات البرلمان في البحث وتقصي الحقائق فيما يخص احترام حقوق الإنسان والوقوف على أي وقائع قد تثبت حدوث انتهاكات جسيمة، مع إلزامه بإنشاء لجان للتقصي ذات الاختصاص الواسع في كل الحالات التي يبدو فيها أن حقوق الإنسان قد انتهكت أو هي معرضة لذلك بشكل سافر، مع منح الأقلية هي الأخرى حق إنشاء تلك اللجان، وإقرار مسئولية الحكومة في حماية حقوق الإنسان والحفاظ على الأمن والنظام والإدارة العمومية. كما نصت التوصيات على ضرورة تشكيل لجنة رفيعة المستوى من فقهاء الدستور والقانون وحقوق الإنسان يناط بها تفحص متطلبات وتبعات المقتضى الدستوري المقترح وتقديم المقترحات المناسبة لتحقيق الانسجام بين القوانين الوطنية والاتفاقات الدولية المصدق عليها من طرف المغرب في مجال حقوق الإنسان. ومن جهة أخرى، أوصت الهيئة، فيما يخص مواصلة الانضمام إلى اتفاقات القانون الدولي لحقوق الإنسان، بالتصديق على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المتعلق بمنع عقوبة الإعدام، والمصادقة على البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاق الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد النساء، ورفع التحفظات التي سجلها المغرب بخصوص بعض مقتضيات الاتفاقية المذكور، والتصديق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتميماً لتوقيع المغرب عليه، مع فحص الإكراهات المطروحة.

منطلقات ومسارات «هيئة الإنصاف»

انبنى عمل هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب في إعداد التوصيات الواردة ضمن تقريرها النهائي على عدة منطلقات أبرزها اختيار الدولة التوجه نحو المستقبل في مجال النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، في سياق الانتقال الديمقراطي للبلاد» وتعزيز مسلسل الإصلاحات الجارية في مجالات متنوعة، ومقتضيات النظام الأساسي للهيئة الرامية إلى تقديم المقترحات الكفيلة بعدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون. وتتأسس هذه التوصيات على الإرادة السياسية العليا، المستمدة من استمرار النظام الملكي الدستوري الديمقراطي، الضامن لحرمة الدولة والمؤسسات، وجعل الديمقراطية وروح المواطنة وإشاعة ثقافة حقوق وواجبات الإنسان، خير تحصين للمجتمع من نزعات التطرف والإرهاب، وتحرير الطاقات الكفيلة بجعل المغاربة قاطبة في انسجام تام مع تطلعات وطنهم ورفع ما يواجهه، من تحديات داخلية وخارجية. كما تنبني على دعوة الملك محمد السادس من أجل إصلاح القضاء، ضماناً لحرمته وجعل أحكامه تستهدف الإنصاف في إطار من الاستقلال عن كل أشكال الضغوط المادية والمعنوية، وباعتبار مبدأ استقلال القضاء، قاعدة ديمقراطية لكفالة حسن سير العدالة وضمانا لدستوريته، ولسيادة القانون ومساواة الجميع أمامه في جميع الظروف والأحوال. ولدور القضاء في كسب رهان الديمقراطية والتنمية» بالإضافة الى الأبعاد الإنسانية الكبرى، للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المرتكزة على مبادئ الديمقراطية السياسية والفعالية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي والعمل والاجتهاد وتمكين المواطن من الاستثمار الأمثل لمؤهلاته وقدراته. وتتأسس هذه التوصيات أيضاً على التأصيل الدستوري، إذ عرفت البلاد من خلال المراجعتين الدستوريتين للعقد التسعيني من القرن الماضي، تأصيلاً دستورياً لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالمياً» واستئناف مسلسل تحديث وعصرنة المنظومات القانونية المتصلة بالحقوق والحريات الفردية والجماعية في اتجاه إقرار حقوق الإنسان من حيث الأسس والضمانات في قوانين عامة وخاصة» وانطلاق عملية عصرنة التشريع الجنائي، إذ تم إقرار مبادئ وضمانات في الإجراءات «القانونية» ذات الصلة، وفتح النقاش الوطني بشأن الاختيارات والأسس المتعين وضعها في مجال السياسة الجنائية. ومن المبادئ الأخرى التي استندت إليها الهيئة في إعداد التوصيات إقرار المراجعة النوعية شكلا ومضمونا لمدونة الأسرة، في إطار ملاءمة المعايير الكونية المتعلقة بحقوق الإنسان وقيم العدل والمساواة ومقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء، ما مكّن من وضع لبنة أساسية حول إشكالية الخصوصية والكونية لمنظومة قانونية تضمن حقوق المرأة والأطفال وتعزز الأسرة على أساس من العدل والإنصاف» وإعادة الاعتبار للحقوق الثقافية واللغة الأمازيغية كمكون من مكونات الهوية الوطنية. ومن المبادئ التي استندت إليها الهيئة أيضاً التأكيد السياسي على ضرورة التمييز بين السلطات على صعيد الإدارة والدولة وتمكين المواطنين من الوسائل القانونية السريعة وذات الفعالية للدفاع عن حقوقهم إن من خلال إقرار مفهوم جديد للسلطة في العلاقات اليومية مع الإدارة أو بواسطة القضاء المختص لذلك» ووضع آليات الوساطة والتدخل، حماية لحقوق الإنسان من الانتهاكات أو لرفع الانتهاكات. كما استندت الهيئة في إطار إعداد التوصيات إلى المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والاستفادة من التجارب المقارنة في مجال العدالة الانتقالية في العالم، وكذلك الاجتهادات المبلورة فيما يخص علاقة حقوق الإنسان بالديمقراطية في إطار الأمم المتحدة أو الهيئات البرلمانية الدولية. كما استندت إلى مستخلصات التجربة المغربية في موضوع الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الماضي من حيث أنواعها ومداها والمسئوليات المؤسساتية التي ارتبطت بها وأوجه الخصاص في مجالات القانون والعدالة والحكامة الأمنية، والدراسات والأبحاث العلمية للنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بحقوق الإنسان أو تلك التي قد يكون لها أثر سلبي أو إيجابي على احترامها والتمتع بها، ما مكن من تبين ما يتعين تعزيزه وتقويته أو إلغاؤه، أو تتميمه أو وضعه لأول مرة، على صعيد الضمانات والقوانين. واستندت التوصيات إلى الدراسات التي مكنت من الوقوف على تعزيز صلاحيات ووظائف الجهات المعنية أو المتدخلة في مجال حقوق ال

العدد 1212 - الجمعة 30 ديسمبر 2005م الموافق 29 ذي القعدة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً