العدد 1309 - الخميس 06 أبريل 2006م الموافق 07 ربيع الاول 1427هـ

في ذكرى رحيل الإمام العسكري... ضريح بلا قبة

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في صبيحة هذا اليوم الذي يصادف الثامن من شهر ربيع الأول سيصحو أهالي سامراء وهم أكثر الناس حزنا، سيخرجون عن بكرة أبيهم إلى الروضة العسكرية لتأدية العزاء وهم يجهشون بالبكاء على غير عادة، كيف لا وقبة ذهبية تم نسفها، بعد أن كانت عبر التاريخ معلما من معالم سامراء تتلألأ عن بعد، يبصرها الزائر قبل عشرات الكيلومترات. وما يزيدهم ألما وكمدا أنهم حموا الروضة لأكثر من ألف عام من دون أن يصيبها أذى، لكنهم اليوم سيعتذرون للإمام الذي أقلق من مرقده الشريف وهم في غفلة من أمرهم، وسيصبون وابل لعناتهم على مغول القرن الحادي والعشرين. تضم الروضة الشريفة قبر الإمام العاشر للمسلمين الشيعة، الإمام علي الهادي بن محمد الجواد المتوفى العام 868 م (254هـ)، وابنه الإمام (الحادي عشر) الحسن العسكري المتوفى عام 874م (260هـ) والذي دفن إلى جوار أبيه، كما تضم قبر السيدة حكيمة بنت الإمام محمد الجواد، أخت الإمام الهادي، وعمة الإمام العسكري، وزوجته السيدة نرجس، أم الإمام المهدي آخر أئمة أهل البيت. وتقع الروضة في مدينة سامراء التي بناها الخليفة العباسي الثامن المعتصم بالله العام 836م (221هـ) شمال بغداد، وتمتاز بقبتها الذهبية المهيبة التي تعد من أكبر قباب الأئمة بالعالم الإسلامي، ويبلغ محيطها 68 مترا بقطعها الذهبية البالغة 72 ألف قطعة، ومنارتيها الذهبيتين اللتين يبلغ ارتفاعهما 36 مترا. ويرجع تشييد هذه القبة إلى حاكم الدولة الحمدانية ناصرالدولة الحمداني العام 945 م (سنة 333هـ)، وتوالت عمليات البناء والتطوير في الروضة عبر مختلف العصور، وعندما حكم الصفويون الشيعة بغداد، أبدوا اهتماما ببناء وتعمير مراقد الأئمة، ومنها الروضة العسكرية، التي كسا قبتها السلطان ناصرالدين شاه بالذهب العام 1867، بينما انفق عمه فرهاد ميرزا أموالا كثيرة على تذهيب المنارتين.

يصادف هذا اليوم ذكرى وفاة صاحب القبة الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، الملقب بالعسكري، كما كان والده يلقب بهذا اللقب لأنهما حين دخلا سامراء سكنا في محلة تدعى بالعسكر، فلذلك يطلق عليهما «العسكريين». ولد الإمام الحسن العسكري في الثامن من ربيع الأول للعام 232هـ في المدينة المنورة، وانتقل مع أبيه الهادي (ع) إلى سامراء عندما استدعاه الخليفة العباسي المتوكل، وكان عمر العسكري آنذاك عامين. عاش في كنف والده عشرين عاما، وبعد استشهاد والده تولى الإمامة وله من العمر اثنان وعشرون عاما، واستمرت إمامته ست سنوات فقط.

عرف العسكري بكرمه وسعة خلقه وزهده، إذ يقول الوزير العباسي المشهور أحمد بن خاقان بحقه: «لو زالت الخلافة عن بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانة نفسه وزهده وعبادته وجميل أخلاقه وصلاحه». وأسس العسكري مدرسة معرفية ساهمت بشكل فعال في نشر العلم والمعرفة، فالتف حوله الكثير من طلبة العالم لتلقي علوم الفقه والتفسير والرواية، والعقيدة والأدب، والجغرافيا والمنطق، كما كان (ع) يشرف على الاطروحات والرسائل العلمية، يطلع عليها وينقحها، فيروى انه اطلع على كتاب متناقضات القرآن للفيلسوف الكندي، وأخبره الإمام بخطئه في الكتاب، فما كان من الكندي إلا ان قام بحرق كتابه قبل أن يطلع عليه أحد. عاش الإمام العسكري في أيام ضعف الدولة العباسية وسيطرة الترك عليها، لكنه لم يسلم من ملاحقات وبطش الخلفاء العباسيين الذين عاصرهم، وهم المعتز والمهتدي والمعتمد، فزج به في السجن عدة مرات، يروي أحد معاصريه ويدعى أبو هاشم داود بن القاسم: «كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر، أنا والحسن بن محمد العقيقي، ومحمد بن إبراهيم العمري... إذ ورد علينا أبو محمد العسكري (ع) وأخوه جعفر، فحففنا إلى خدمته». وكان الإمام العسكري يخشى على اتباعه ومناصريه من البطش العباسي، فكان يأمرهم بالتستر والخفية، يذكر أحد أصحابه: «اجتمعنا بالعسكر، وترصدنا لأبي محمد يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإناكم لا تأمنون على أنفسكم». وعلى رغم الرقابة الصارمة التي أحاطت به من قبل السلطة العباسية، إلا انه كان يجد من الطرق ما يمكنه من متابعة أنصاره، يروى أن صاحب الإمام تاجر السمن محمد بن علي السمري كان يحمل الرسائل والأسئلة والأموال في جرة السمن بصفته بائعاً له ويدخل بها على الإمام (ع) ليرجع بعدها بالأجوبة والتوجيهات إلى مرسليها، وبذلك استطاع الإمام (ع) أن يكسر طوق الحصار من حوله ويوصل شرعة الإسلام ومفاهيمه وأحكامه إلى قواعده الشعبية ليجهض محاولات السلطة ويسقط أهدافها.

لم يستطع المعتمد العباسي ان يوقف المد الشعبي للإمام، فأجمع على اغتياله فدس إليه السم في طعامه، فسقط طريح الفراش يكابد الآلام لأيام حتى توفي العام 260هـ، وعمره ثمانية وعشرون عاما، ليخلفه ابنه المهدي المنتظر، آخر الأئمة من أهل البيت النبوي الشريف. ويذكر المفيد في كتابه «الإرشاد» يوم وفاته: «فلما ذاع خبر وفاته صارت سامراء ضجة واحدة، وعطلت الأسواق، وركب بنو هاشم والقواد والكتاب والقضاة والمعدلون وسائر الناس إلى جنازته، فكانت سامراء يومئذ شبيهة بالقيامة...» ...وما أشبه الليلة بالبارحة، إذ غدت سامراء شبيهة بالقيامة، لا لتوديع الإمام ولكن للاعتذار منه

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1309 - الخميس 06 أبريل 2006م الموافق 07 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً