العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ

الوسط» تشهد ميلاد مشروع سد مروي في السودان

بتمويل من الصناديق العربية ومساهمة كبيرة من الصين

كانت مناسبة تغطية «الوسط» لمؤتمر القمة العربية الذي انعقد في الخرطوم في نهاية الشهر الماضي فرصة للوقوف على عمليات تشييد مشروع سد مروي في شمال السودان الذي يعد بحق مفخرة ونموذجاً مشرقاً لمشروعات التعاون العربي المشترك وتعاون الدول الصديقة مع الحكومة السودانية لخلق نقلة تنموية وحضارية كبيرة في ذلك القطر المترامي الأطراف. فقد تمكنت الصحيفة من زيارة موقع السد والمشروعات الملحقة به وذلك من خلال رحلة بالطائرة والحافلات استمرت من الصباح الباكر وحتى المساء برفقة عدد كبير من وزراء المالية والاقتصاد العرب.

سد مروي هو مشروع طاقة مائية متعددة الأغراض، يهدف في الأساس إلى توليد الطاقة الكهرومائية. ويجري إنشاء السد عند الشلال الرابع على نهر النيل في مروي. وأنجزت دراسات متعددة عن المشروع قبل عدة عقود، وكانت أكثر هذه الدراسات حداثة هي الدراسة التي أجرتها شركة مونينكو - أقرا الكندية العام 1993 ثم الدراسة التي أعدها معهد هايدروبرجكت الروسي الشهير العام 1999. ولما كان السودان يعاني من نقص كبير في الطاقة الكهربائية، احتل المشروع مركزاً متقدماً في أولويات الاستراتيجية القومية الشاملة. يقع السد على بعد 350 كيلومتراً شمال الخرطوم، ويمكن تحديد الموقع جغرافياً بخط طول 32 شرقاً وعرض 19 شمالاً. يقطع محور السد جزيرة مروي من الغرب للشرق، شمال جزيرة الحامداب. سيولد سد مروي وحدة إنتاجية تبلغ 1250 ميغاوات وبمقارنتها بأكبر مشروع توليد كهربائي قائم في السودان (خزان الروصيرص على النيل الأزرق) الذي يولد 280 ميغاوات فإننا نجد أن ثمة فرقا شاسعا في الطاقة سيحرك الكثير من عجلات التنمية الزراعية والصناعية والخدمية، وعليه يمثل السد بحق نهاية الفقر في البلاد.

ستنشأ عن قيام السد بحيرة بطول 176 كيلومترا تمتد من منطقة الشلال الرابع في الولاية الشمالية حتى تخوم منطقة أم سفاية جنوب مدينة أبوحمد بولاية نهر النيل في منطقة هي في الأصل شبه صحراوية وليس فيها كثافة سكانية أو نباتية كبيرة.

أهداف المشروع:-

1 إنتاج الطاقة الكهربائية لمقابلة الطلب المتزايد عليها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

2 توفير مصدر طاقة رخيص نسبياً لتحسين الزراعة المروية في كل البلاد.

3 استخدام الطاقة الكهربائية لاستغلال المياه الجوفية للتوسع في الزراعة.

4 إنشاء مشروعات صناعية وصناعات غذائية ومشروعات تعدين تعتمد على الكهرباء كمصدر أساسي للطاقة.

5 إدخال صناعات الأسماك في بحيرة المشروع.

6 حماية مناطق المجاري الدنيا من الفيضانات المدمرة.

7 تحسين الملاحة النهرية.

8 تحسين مستوى المعيشة بالنسبة إلى السكان في منطقة المشروع بخلق استثمارات وفرص عمل جديدة.

9 تخفيف العبء على الخزانات القائمة وخصوصاً فيما يتعلق بالتضارب بين استخدام المياه في الري وإنتاج الطاقة.

بداية العمل

يعتبر جسم السد هو الجزء الأساسي في المشروع و يبلغ طوله9,2 كيلومترات، وأقصى ارتفاع له 67 متراً، طول الجزء ذو الوجه الخرساني 4,4 كلم.

في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2003 حدث أول تفجير لصخور الجبال القريبة التي تستخلص منها المواد لكل عمليات بناء السد.

في 12 ديسمبر 2003 تم تغيير مجرى النهر بالضفة اليمنى تمهيداً لبدء العمل الإنشائي في قاع النهر، وأصبح نهر النيل من ذلك اليوم يمر فقط يسار جزيرة مروي.

تم تشييد السد الترابي المؤقت والذي أغلق مجرى النهر تماماً في 48 ساعة من العمل المتواصل، ومن ثم بني السد المؤقت المساعد، وجففت المياه بين السدين ليبدأ الإعداد لعمليات بناء السد.

في يوم الثلثاء 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 بدأ الصب الخرساني في جسم السد، ووافق ذلك اليوم 26 رمضان 1425هـ

المشروعات المصاحبة للمشروع:

محطة توليد كهرباء السد

تنتج محطة التوليد كهرباء بطاقة تقدر بـ 1250 ميغاوات من خلال عشر وحدات باستخدام توربينات تنتج كل واحدة منها 125 ميغاوات وبدخول السد يرتفع التوليد المائي في السودان إلى 95 في المئة.

وتم تشييد أبراج خطوط نقل الكهرباء بمسافة 1774 كيلومترا وذلك على طول مروي وعطبرة وبورتسودان والخرطوم بحري وامدرمان ودنقلا ومراكز القرى المجاورة لهذه المدن.

مطار مروي الدولي

يعتبر مطار مروي من أكبر المشروعات التي صاحبت إنشاء سد مروي. يقع هذا المطار في الولاية الشمالية شرق مدينة مروي على بعد كيلومترين من المطار القديم ويطل على طريق شريان الشمال الذي يربط مدينة مروي بجسم السد. ويعتبر من البنيات التحتية المهمة لسد مروي وهو من المطارات الحديثة في السودان. ويعتبر ميناء جوياً يربط بين دول افريقيا والخليج وأوروبا ويزود الطائرات بالوقود ويساهم في إنعاش السياحة بالسودان وصمم على مواصفات هبوط وإقلاع الطائرات الضخمة.

بدأت الدراسات الأولية للمشروع سنة 1993 وتم تصميمه على أحدث نظم التكنولوجيا العالمية. وسيفتتح أمام حركة الطيران نهاية العام 2006. ويبلغ طول مهبط الطائرات قرابة 4 كيلومترات وعرضه 60 متراً. والمساحة الكلية للمطار تبلغ 18 كيلومتراً مربعاً بطول 6 كلم، وعرض 3 كلم.

«كوبري » الصداقة

يشكل الكبري دعامة أساسية للاقتصاد وللعلاقات السودانية الصينية الراسخة، كما يساهم في انسياب حركة الإنتاج في الولاية الشمالية. ويعد من أهم المشروعات التحضيرية المصاحبة لمشروع السد، إذ يساهم في نقل آليات العمل ويربط بين مدينتي مروي وكريمة ويعتبر أول كبري على نهر النيل الرئيسي بعد كبري شمبات في الخرطوم بحري. ويكتمل العمل في الجسر الجديد في فبراير/ شباط 2007. وبالإضافة إلى ذلك تم ويتم مد خطوط سكك حديد وتعبيد طرق برية تصل منطقة السد بمختلف مناطق الإنتاج في أرجاء السودان.

مواقع إعادة التوطين

راعت إدارة السد محورين أساسيين في اختيار مواقع إعادة التوطين هما

- إعادة توطين المتأثرين في بيئة شبيهة لبيئتهم. وتبلغ الكلفة الإجمالية لإعادة التوطين 750 مليون دولار.

- الحفاظ على ممارسة المتأثر لنفس نشاطه المهني الاقتصادي والاجتماعي في موقعه الجديد وذلك تمشيا مع الأسس والقوانين الدولية في عمليات إعادة التوطين والاستفادة من التجارب المحلية والعالمية في هذا المجال.

اهتمت إدارة السد اهتماما كبيرا بالتخطيط وإجراء الدراسات للمشروعات التي سيعاد فيها توطين المتأثرين بقيام السد. وخلصت الدراسات إلى تحديد ثلاثة مواقع لإعادة التوطين وهي: مشروع الحامداب الجديدة (الملتقى) ومشروع أمري الجديدة ومشروع المكابراب. وقد أقيمت في هذه المواقع قرى جديدة للمهجرين مزودة بالمدارس والمستشفيات وكل الخدمات الضرورية وهي تعد مجالا خصبا للمزيد من الاستثمارات. كما سيكون في امكان المهجرين زراعة مساحات شاسعة جهزها المشروع لزراعة مختلف المنتجات الزراعية والبساتين والمجال مفتوح بعد توفر الطاقة الكهربائية لإقامة صناعات غذائية ضخمة.

إجراءات إعادة التوطين

- قبل بدء عمليات صرف التعويضات قامت إدارة السد بابتعاث فرق من وزارة الداخلية لاستخراج الأوراق الثبوتية للمتأثرين لمساعدتهم في صرف تعويضاتهم ويتم ذلك عبر لجان المتأثرين بالمواقع المختلفة.

- ومن ثم يتم عمل إحصاء نهائي للمنطقة بمشاركة فعلية للمتأثرين من خلال ممثلين عنهم في لجان الحصر كما يقوم المتأثرون بتكوين لجان الاستئنافات والمعالجات تقوم بمتابعة كشوفات التعويضات النهائية للمتأثرين بالتفصيل مع المفوضية.

- وقبل الشروع في عملية الترحيل يتم حصر كامل للمغروسات الموسمية يشارك فيه المتأثر بصورة أساسية في وجود ممثلين عنه في لجان الحصر التي يتكون هيكلها العام من ممثلين للجهات المعنية.

الحياة البرية

لا يؤثر قيام السد بصورة رئيسية على الحياة البرية لندرة هذه الحياة في المنطقة، إذ لا تمثل منطقة قيام السد مأوى لأي نوع من الحيوانات البرية، كما أن المشروع لن يعترض مسارات هجرات الحيوانات البرية من مناطق أخرى. وعلى رغم ذلك فسيكون هناك اثر على بعض الكائنات في المنطقة مثل التماسيح والسحالي والطيور المائية، إذ ستفقد التماسيح أماكن مبيضها على الشواطئ كما ستفقد الطيور أعشاشها بزوال الأشجار بفعل البحيرة. كما ستفقد بعض الطيور الخائضة وتلك التي تعيش في المياه الضحلة مراتع اصطيادها. ولكن في المقابل فان البحيرة ستوفر مواطن إضافية للحياة المائية وخصوصاً بعض أنواع الطيور.

الصحة

تتوقع الدراسات التي أجريت أن يكون هناك آثار صحية ايجابية عدة على مواطني المنطقة التي يقام عليها السد، حيث يقع السد في منطقة تتكاثر فيها الأمراض ذات الصلة بالمياه. سيجلب سد مروي معه الكثير من الآثار الايجابية ويشمل ذلك مناخ أفضل للمنطقة، تحسن الغطاء النباتي حول منطقة البحيرة، وتوفر المياه بصورة مستمرة، وتوفر مراعي أفضل للحياة البرية ومواشي المجموعات البدوية. وعلى رغم أن عدد اسماك الأنهار سيقل، إلا انه في مقابل ذلك سيستعاض عنها بأسماك البحيرة إذ سيكون عدد الأسماك أكثر من ذي قبل.

- كما ستستفيد المناطق المروية الواقعة أدنى النهر من تقليل مخاطر الفيضانات.

- كما أن الأوضاع المعيشية للمتأثرين ستتحسن بصورة عامة بسبب إمداد الكهرباء والتحسن في المأوى وإمداد المياه، والصرف الصحي والخدمات الصحية.

- يقدم قيام سد مروي خدمة جليلة لإنقاذ الآثار في المنطقة، إذ شجع قيام السد على حشد الجهود المحلية والدولية لتقييم ومسح وإنقاذ وعرض الآثار الواقعة في منطقة قيام الخزان

جهود إنقاذ الآثار بمشروع مروي الجديدة

في 18 أغسطس/ آب 2003، تم التوقيع على عقد اتفاق بين مفوضية الشئون الاجتماعية والبيئية بوحدة تنفيذ سد مروي (كطرف أول)، والهيئة القومية للآثار والمتاحف (طرف ثاني) للقيام بإنقاذ الآثار التراثية الحضارية التي ستتأثر بأعمال البناء والري والحفريات والأعمال الهندسية الأخرى في منطقة وادي المقدم الواقعة بالقرب من قرية كورتي بالولاية الشمالية فيما عرف بمشروع أمري الجديدة لإعادة توطين المجموعة الثانية من متأثري مشروع سد مروي (مجموعة أمري).

قام فريق خبراء الآثار من الهيئة القومية للآثار والمتاحف بالتعاون مع وحدة الآثار الفرنسية التابعة للمتحف الفرنسي وبعثة الآثار البولندية التابعة للمتحف البولندي بحملة مسح وإنقاذ الآثار التراثية الحضارية بمنطقة أمري الجديدة والتي بدأت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2003 - وانتهت في نهاية شهر أبريل/ نيسان 2004، إذ تم تسليم التقرير النهائي في مايو/ أيار 2004.

عمليات المسح الميداني والإنقاذ الأثري

هنالك ثلاث ملاحظات أثناء عمليات المسح الأثري بمشروع أمري الجديدة الزراعي:

1 على رغم وجود عدة مواقع أثرية تعود للعصور الحجرية القديمة تقع على بروز منخفض من طبقات الصخر الرملي النوبي فإن هناك مواقع أخرى قد تم جرفها وغسلها بسيول الأمطار الموسمية خلال الوديان.

2 مواقع حضارة ما بعد مروي تم اكتشافها على شكل مجموعات أو مقابر على ضفاف النيل.

المواقع المسيحية اكتشفت معزولة أما في شكل قبور صغيرة أو قبر أو ضريح واحد فقط.


حقائق وأرقام

- تجاوز المشروع سلبيات تهجير المتأثرين ببحيرة السد العالي في مصر من شمال السودان إلى شرقه، إذ اختلفت البيئة التي كانوا يعيشون فيها.

- كلفة إعادة توطين المهجرين من المناطق التي ستغمرها بحيرة السد 751 مليون دولار.

- سيتم تعويض المهجرين عن كل نخلة مثمرة بواقع 500 ألف جنية.

- السد يتكون من 4 أنواع من هندسة السدود ويعتبر الأطول في العالم وتبلغ سعته التخزينية 8,3 مليارات متر مكعب من المياه.

- اهتمت إدارة المشروع بالتوثيق لتاريخ وتراث المناطق التي ستغمرها مياه السد واستقطبت لهذا الأمر الكتاب وطلاب كلية الفنون.

- تم للمرة الأولى تغيير مجرى نهر النيل في السودان قرب جزيرة مروي في إطار أعمال تشييد السد.

- المنطقة ستعد عقب اكتمال المشروع جاذبة لاستثمارات المغتربين وواعدة بمستقبل مشرق لهم لأنها تحتاج لكل الخدمات

العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً