العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ

«المنبر» و«وعد»: صراع الإخوة الأعداء...

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

عندما نتحدث عن اليسار في البحرين فليس المعيار الايديولوجية الماركسية كما كان سائدا حتى سقوط الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الاشتراكي، فقد تراجعت ثم اختفت هذه المرجعية الفكرية من برنامج اليسار، وإن بقيت كمصدر من مصادر الفكر. كما أن مرجعية الثورة أو الثورة المسلحة لم تعد قائمة أيضاً، فمنذ مطلع التسعينات تبنى اليسار منهج الإصلاح. وبالنسبة للقضية الطبقية العمالية فقد جرى التخلي عنها أيضاً لصالح تحالف أبناء الشعب ممن يعملون بأيديهم وعقولهم أو تحالف العمال والطبقة الوسطى.

إذاً عندما نتحدث عن اليسار في البحرين اليوم فإننا نتحدث عن مرجعية فكرية تحديثية تشكل الماركسية كما الإسلام المستنير أحد مصادرها، وبالتالي فإن هناك طيفاً فكرياً. ويتميز اليسار في طرحه المتميز لقضية المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات، بين الرجل والمرأة، وبين المواطنين بغض النظر عن مذاهبهم واعراقهم وأصولهم. ويشدد اليسار بالتأكيد على العدالة الاجتماعية وخصوصاً تجاه الفئات الكادحة والضعيفة والمهمشة. كما يتميز اليسار كون تنظيماته لا طائفية ينتمى إليها أبناء الطائفتين خلافا للمنظمات السياسية الإسلامية.

ولكن ما هو اليسار في البحرين؟ يشمل اليسار في البحرين التنظيمين السياسيين المنحدرين من فرعي اليسار التقليدي (جبهة التحرر الوطني - البحرين، والجبهة الشعبية في البحرين) ويساريين من التيار القومي البعث وحركة القومين العرب ويساريين لم يكونوا بالضرورة منتمين لأي تنظيم بعد محاولة فاشلة لتشكيل تنظيم يساري موحد في نهاية العام 2001 في إطار مشروع التجمع الوطني الديمقراطي، (جمعية العمل الوطني الديمقراطي رسمياً) يمكن القول إن اليسار اليوم يتمثل في جمعية العمل الوطني الديمقراطي ذات الجذر في الجبهة الشعبية والمنبر التقدمي ذات الجذر في جبهة التحرير ويساريين مستقلين غالبيتهم تركوا صفوف الجبهتين الشعبية والتحرير وتنظيمات أخرى وبعضهم لم ينتم إلى أي تنظيم.

الفرصة الضائعة

لاحت فرصة ذهبية أمام تنظيمات اليسار لإقامة تنظيم موحد يلملم شتات المنتمين لهذا التيار، تنظيمات (شعبية وتحرير وبعث) وشخصيات: في بداية المشروع الإصلاحي، طرح حينها مشروع التجمع الوطني الديمقراطي وقد صاغت وثيقته مجموعة تنتمى إلى الجبهة الشعبية. أما بالنسبة للجنة التحضيرية التي ستأخذ على عاتقها التحضير الفعلي لانعقاد المؤتمر التأسيسي فقد تشكلت بالتوافق بين التنظيمات الثلاثة التحرير والشعبية والبعث والمستقلين ورأسها المرحوم جاسم فخرو رئيس نادي العروبة حينها، والشخصية القومية المعروفة. لكن التحضير شابه الكثير من المناكفات بين الشعبية والتحرير فقد تعاطى الطرفان كفريقين متواجهين في اللجنة التحضيرية وفرضا على المستقلين هويات قسرية. سارت أعمال اللجنة التحضيرية ببطء شديد، وظل كل طرف يزن كل كلمة بميزان الذهب. واستيقظت العصبيات القديمة. وعلى رغم ذلك ظل هناك أمل بقيام تنظيم موحد لليسار. لكن القشة التي قصمت ظهر البعير، هي مبادرة تيار جبهة التحرير إلى عقد اجتماع مباغت في نادي طيران الخليج وتأسيس المنبر التقدمي، على اعتبار أن جمعية العمل ستكون جبهة تحالف وليس تنظيماً إندماجيا وهو ما كان متفقاً عليه. وهكذا تشطر مشروع التنظيم إلى التنظيمات المكونة الثلاثة (جمعية العمل الوطني الديمقراطي والمنبر التقدمي الديمقراطي والتجمع القومي)، لكن أغرب المشاهد هو اصرار مجموعة داخل تيار الجبهة الشعبية على المحافظة على تنظيم الجبهة، واعتبار التنظيم الموحد الموعود كواجهة. ولكن عندما وجد أن غالبية تيار الجبهة تؤيد الاندماج في التنظيم الموحد، استقل بنفسه وشكل جمعية التجمع الديمقراطي لاحقاً بعيدا عن صف اليسار والمعارضة. وفيما انظمت قلة من المستقلين لصالح هذا التنظيم أو ذاك فضل الكثيرون البقاء مستقلين مع الابقاء على علاقات الصداقة. هذه هي خلفية المشهد اليساري، إذ لم يقتصر الأمر على طلاق بإحسان بل تحول إلى ما يشبه صراع الاخوة الاعداء، فكيف ذلك؟

علاقات مشدودة

يمكن وصف العلاقات بين التنظيمين اليساريين الرئيسيين العمل والمنبر بأنها علاقات مشدودة، إذ ترمي سلبيات العلاقات السابقة بظلالها، وإذ يعيش بعض قياداتها في الماضي أكثر منه في الحاضر. هناك عدة أسباب لهذه العلاقة المشدودة وأهمها:

1- غياب التقييم الموضوعي: إن التنظيمين لم يقوما منفردين أو مجتمعين بتقييم مسيرة اليسار بصورة موضوعية، واستخلاص دروس الفرقة والتحالف في مسيرته وقد يكون ذلك أحد أسباب انفراط عقد مشروع التنظيم الموحد من هنا فإن الكثير من القضايا الخلافية السابقة الايديولوجية والسياسية والتنظيمية يجرى تبريرها من قبل التنظيم المعني وتسفّه من التنظيم الآخر. والاخطر هنا اسقاطات كل طرف لمواقف الطرف الآخر الراهنة على مواقف سابقة خارج سياقها التاريخي. نذكر هنا على سبيل المثال اسقاط موقفي مقاطعة (الشعبية) لانتخابات 1973 على مقاطعة (وعد) لانتخابات 2002، ومشاركة (التحرير) في انتخابات 1973 على مشاركة (المنبر) في انتخابات 2002: وهناك شواهد كثيرة مثل قضية اغتيال المرحوم عبدالله المدني إذ هناك اصرار عجيب من البعض بتجريم الشعبية على رغم تبرئة القضاء كذلك الموقف من دستور 1973 ودستور 2002.

2- العصبية التنظيمة: إذ يبدوا أن العصبية في الثقافة والسلوك العربي لا تقتصر على العشيرة، بل تمتد إلى كل شي بما في ذلك الحزب أو التنظيم السياسي والذي يفترض أن يناهض العصبية، لكن الحزب في حالنا يمثل عشيرة جديدة. من الملاحظ أن عائلات بمعظما تنتمي إلى هذا التنظيم بينما تنتمي عائلات بمعظمها إلى التنظيم الآخر.

وتمتد هذه العصبية إلى التاريخ النضالي في تبني هذا الشهيد دون ذاك، وهذا الرمز دون ذاك، واليوم فإن لدينا أكثر من رواية لحركة الهيئة لانتفاضة مارس والعريضة الشعبية وانتفاضة التسعينات.

3- تنميط الخلاف السياسي: الذهاب بالخلاف السياسي بعيدا إلى التنافر أو الشقاق واعطائه بعداً أخلاقياً من المعروف أن (وعد والمنبر) اختلفتا سياسيا بشأن قضايا كثيرة خصوصاً بعد اصدار دستور 2002 وما ترتب عليه من عملية سياسية، على رغم أن هناك قضايا أخرى متفقاً عليها ومعروف أيضاً أن تقييم التنظيمين للمشروع الإصلاحي متباين. انخرط المنبر في العملية السياسية لدستور 2002 وهو يؤمن بالمشروع الإصلاحي مع انتقاده لكل من الدستور وتلكؤ المشروع الاصلاحي، في حين قاطعت وعد العملية السياسية المبنية على دستور 2002 معتبرة إياها انقلابا دستوريا وارتداداً على العملية الاصلاحية. لكن هذه المواقف أعطيت أوصافاً أخلاقية مثل الانتهازية أو التطرف، وتنميطا لمواقف سابقة. والآن وبعد أربع سنوات على هذه التجربة، وعلى رغم إقرار كل طرف داخليا بإعادة النظر ولو جزئيا في موقفه، إلا أنهما لايزالان متباعدين ويلجآن إلى المنطق القديم ذاته.

4- تشعب الخلاف: كان بالامكان حصر الخلاف السياسي بين التنظيمي في إطار تحالف وطني أوسع يضم الجمعيتين وغيرهما، خصوصاً مع إدراك الجميع أن قوى السلطة القديمة والجديدة مازالت مهيمنة ولا ترغب في اصلاح جذري أو إقامة نظام ملكي دستوري فعلي. لكن الذي حصل هو ذهاب كل طرف إلى أبعد مدى. وهكذا انفرط التحالف السداسي والذي كان بالامكان توسيعه، لتتخندق وعد في التحالف الرباعى ويتخندق المنبر في التحالف المواجه وانسحبت المواجهة على تنظيمات جماهيرية وطنية قائمة وأهمها الاتحاد العمالي ونقاباته، وخلقت أو أحيت الجمعيات الشبابية والنسائية، وأحبط مشروع الاتحاد الوطني لطلبة البحريني في صراع عبثي على النفوذ... ولا يعني ذلك أن اليسار وحده مسئول عن اضعاف العمل الوطني العمالي والطلابي والنسائي والشبابي والحقوقي وغيره، لكن غياب الموقف الموحد، بل والصراع الخفي أو المعلن بين طرفيه اتاح للقوى الأخرى، أن تلعب على هذا التناقض وتدفع بالتفتيت إلى نهايته.

انحسار أمام تيار إسلامي جارف

أضحى معروفا أن حقبة الثمانينات والتسعينات أنتجت مدا إسلاميا جارفا وإنحسارا يساريا بالمقابل. وبالنسبة للبحرين فإن انتفاضة التسعينات رسخت التيار السياسي الإسلامي الشيعي المقاوم والذي قطف الثمرة في ظل مرحلة الاصلاح تجسدت في قيادة علمائية كمرجعية للطائفة الشيعية وتنظيم الوفاق كتنظيم للطائفة، دون أن يعني ذلك أنها طائفية في انسجام وتقاسم للادوار، وحصدت الوفاق أصوات الشيعة في الانتخابات البلدية، وستحصدها في الانتخابات القادمة.

وإذا كان التحالف مع اليسار وشخصيات اليسار البارزة في الداخل والخارج ضرورة لتأكيد الطابع الوطني لانتفاضة التسعينات وواجهتها الحركة الدستورية، فان ذلك لم يعد ضروريا في ظل الوضع الحالي، بل أضحى عبئا. وهكذا طرحت نظرية «التمكين» المعروفة. وأمام استحقاق مرحلة ما بعد دستور 2002، انقسم اليسار إلى معسكرين، وعد ذهبت إلى معسكر المقاطعة ضمن الجمعيات الأربع بقيادة الوفاق، في حين ذهب المنبر إلى معسكر المشاركة، وفي كلا المعسكرين فإن التنظيم اليساري ليس مقررا عندما ننظر إلى الخلف فإن القطيعة بين وعد والمنبر واستطراد المقاطعين والمشاركين المعترضين لم تكن عقلانية، وكان بالامكان الابقاء على التحالف السداسي.

الوحدة أو الانقراض

عندما نتمعّن في مسيرة اليسار طوال السنوات الست، فإنها مسيرة الانحدار في النفوذ السياسي والتأثير في الجماهير وفي منظمات المجتمع المدني، والأهم في صناديق الاقتراع، كما تبينت في انتخابات 2002 البلدية والنيابية وستكون أسوأ في انتخابات 2006 ضمن المعطيات الحالية.

انه لا معنى للمكابرة في ضوء حقائق تجربة الأربع سنوات الماضية، فكل من وعد والمنبر مستبعد من التحالفات الإسلامية الأوسع، وكلاهما أشبه بكتيبة من الضباط من دون جنود والكثير من المؤيدين لفكر اليسار لا يرغبون في اقحام أنفسهم في معمعان صراعهما. إن أمام اليسار درسين بليغين. الدرس اللبناني حيث أدى الصراع داخل اليسار إلى ما يشبه انقراض اليسار. اما النقيض فهو الدرس المغربي، إذ أدت عملية اعادة تلاحم اليسار بل ووحدة بعض فصائله كحزب العمال الموحد، إلى موازنة المد السياسي الإسلامي والضغط الفعلي لتعميق عملية الاصلاح والتحول الديمقراطي. هذا دون أن نغفل الفرق في طابع الملكية في البلدين

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 1313 - الإثنين 10 أبريل 2006م الموافق 11 ربيع الاول 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً