العدد 1377 - الثلثاء 13 يونيو 2006م الموافق 16 جمادى الأولى 1427هـ

التوعية المائية

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

نشأت أقدم الحضارات الإنسانية وانتعشت حول مصادر المياه في بلاد ما بين النهرين وفي أرض ديلمون التي بوركت بالعيون العذبة ووادي النيل. وخص سبحانه وتعالى الماء بأهمية عظمى فربطه بالحياة إذ قال في محكم كتابه «وجعلنا من الماء كل شيء حي» (الأنبياء:.

ونظرة كونية فاحصة على وضع الماء تظهر أنه يغطي أكثر من ثلثي الكرة الأرضية، وقد جعل سبحانه الماء ثلثي تركيب جسم الإنسان ليؤكد أهميته بالنسبة إلى الحياة.

أتحسب أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

أسبغ الله علينا الكثير من نعمه ومنها الماء فلو أحسنا صونها واستعمالها الرشيد لتفتحت أمامنا أبواب العيش الكريم، وإن لم نفعل فإننا نحكم على البيئة ومقومات استمرار الحياة بالتدهور والفناء. فالعالم بأسره يواجه مشكلة شح الموارد المائية التي تتزايد مع الزيادة السكانية وزيادة الأنشطة البشرية. وعلينا أن نتذكر أن نسبة المياه الموجودة في صورة مياه عذبة كالأنهار والعيون تقل عن في المئة من كمية المياه المتوافرة (إذ إن المحيطات والبحار تشكل نحو في المئة منها ويشكل الجليد معظم الكمية العذبة من المياه)، يتركز وجودها ووفرتها في مناطق من العالم بينما تشح مواردها في مناطق أخرى كالصحاري القاحلة، كما تتفاوت في سهولة الوصول إليها كما هو الحال لدى الأنهار والمياه الجوفية.

ويُعدّ النقص في إمدادات المياه العذبة من المشكلات المؤرقة على مدى الأزمنة وخصوصاً لدى أهالي المناطق التي تعاني من شح المياه، بل إن له انعكاسات واضحة على حياتهم اليومية وطرق معيشتهم؛ وحياة البداوة والتنقل وراء الماء والكلأ مثال على ذلك، بل إن دراسات استراتيجية ترى أن الحروب القادمة سيكون الماء والأمن المائي عاملا رئيسيا في اشتعالها. فبحسب تقارير صادرة عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (اليونب) فإن , مليار فرد في العالم يحتاجون إلى مياه نقية، وأن , مليار نسمة محرومون من خدمات الصرف الصحي، و مليون طفل يعيشون في مناطق محرومة من خدمات المياه النقية والصرف الصحي. أما في الدول العربية فتشير الإحصاءات إلى أنه من المتوقع أن يعاني العالم العربي عجزاً مائياً يصل إلى مليار متر مكعب العام ، وهناك دولة عربية تحت خط الفقر المائي، وهو متر مكعب سنوياً للفرد. ولكن بالنظر إلى الخليج تبدو المشكلة أكثر شدةً وذات أبعاد متعددة الخطورة.

من أسباب تفاقم مشكلة ندرة المياه تزايد الضغط على الموارد المائية بسبب الزيادة السكانية وتوسع الأنشطة البشرية المستهلكة للمياه والاستخدام غير الرشيد لهذه الموارد. ومن الأسباب الأخرى المؤثرة على المياه كذلك المناخ الجاف ومواسم الجفاف عندما تقل كميات الأمطار ويزداد تبخر المياه وكذلك تجفيف التربة بسبب أنشطة بشرية مباشرة كجرف الغابات أو غير مباشرة كالرعي الجائر.

ووفقاً لبرنامج ترشيد استهلاك المياه في دول مجلس التعاون الخليجي الذي أطلقته الجمعية الكويتية لحماية البيئة بالتعاون مع مؤسسات أهلية وأكاديمية في دول مجلس التعاون ودعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، والذي انتهى لتوه من ورشة تشاورية لمراجعة أدبيات البرنامج بالعاصمة الأردنية (عمان) تحت إشراف الأكاديمية الوطنية للبيئة والجامعة الأردنية، فإن المشكلة على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي تكمن في ندرة الموارد المائية، والطبيعة الجغرافية الصحراوية التي تتسم بها أراضي الدول الخليجية، إذ تعتبر الآبار الجوفية المصدر الرئيسي لتوفير احتياجات دول الخليج من المياه، فضلاً عن محطات تحلية مياه البحر والتي يصل عددها إلى نحو محطة، باستثمارات تقدر بعشرات المليارات من الدولارات.

أما بالنسبة إلى القطاع الزراعي؛ فيبلغ استهلاكه في دول المجلس نحو في المئة من المياه المستخدمة، وبالتالي يصل العجز المائي إلى حوالي مليار متر مكعب. وتشير التوقعات إلى أن حجم الطلب على المياه في دول المجلس سيصل إلى حوالي مليار متر مكعب بحلول العام ، بزيادة قدرها نحو , مليارات متر مكعب على المستوى المسجل في العام م. (ولنا وقفة مرة أخرى على الواقع المائي في البحرين بالذات).

تحلية المياه عملية مكلفة جدا ولها آثارها على البيئة (كالتأثير على ملوحة البحر ودرجة حرارته وبالتالي التأثير على الأحياء والموائل به والتأثير على جودة الهواء عبر الانبعاثات الغازية) فضلاً عن أن المياه التي نشربها مصدرها مياه الخليج الذي يعاني من أنواع عدة للتلوث منها البيولوجية والكيماوية والفيزيائية.

ووفقا لمبادئ حكمية المياه فإن الإدارة المتكاملة للموارد المائية لا تتحقق إلا بالمشاركة الكاملة بين جميع القوى المؤثرة في فهم المشكلة وتحليلها والتوصل إلى حلول مناسبة لها وفي تطبيق تلك الحلول بما فيها بناء القدرات والتوعية. من هنا جاء الدور المهم الذي يجب أن تلعبه مؤسسات المجتمع المدني في فهم الواقع المائي والمشاركة في الإدارة المتكاملة للمياه عبر أدوار متنوعة منها الإسهام في التوعية بشأن الاستخدام الرشيد للمياه ضمن برامج مدروسة واعية بالواقع المائي ومتطلبات التوعية.

ولنا عودة إلى الموضوع، وإلى ذلك الحين أترككم مع سؤالين عامين ومهمين جدا، الأول: ما الذي يفعله متخذو القرار لتحقيق الإدارة الرشيدة للمياه؟ والسؤال الثاني: هل يدرك كل رجل وامرأة وطفل حجم الدور الذي يلعبه في المشكلة والحل فيما يتعلق بالإدارة الرشيدة والاستخدام الرشيد للمياه؟

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1377 - الثلثاء 13 يونيو 2006م الموافق 16 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً