العدد 1398 - الثلثاء 04 يوليو 2006م الموافق 07 جمادى الآخرة 1427هـ

تراث المزارع... وديمقراطية تقرير مصيرها

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

إن المزارع يدافع عن أرضه أقوى من أي جندي مدرب لأنه مرتبط بتراث مزرعته وأوراق أشجارها التي زرعت على أرض ينتمي إليها بعمق جذورها الضاربة في تلك الأرض ويدافع عن حق أبنائه وأحفاده في تنفس الهواء النقي الذي جبل على الحياة من خلاله وتذوق الفاكهة والخضراوات الطازجة التي يعرف قدرها وميزاتها التي تفرق بينها وبين الأخرى غير الطازجة أو الأقل قيمة، لأنه غرسها بذورا بيديه وراقبها على مدى أيام أو شهور وربما سنوات بعينيه وحواسه وظلت في ذهنه وتفكيره حتى نبتت وينعت وانتعشت، وهو يسقيها كلما احتاجت الماء ويحميها من الشمس والرياح والطيور وينظفها ويرعاها حتى صارت أكلاً شهياً. ثم باليدين ذاتهما اللتين زرعتا يحصد المحصول بكل عناية ورفق كي لا يؤذي الساق أو يؤثر على الثمرات التي لم يحن قطافها بعد.

لعل أكثر مرة شعرت فيها بفلسفة حب المزارع للشجرة من خلال قصة لأحد الأخوة الذين جمعني بهم شأن من شئون جمعية أصدقاء البيئة وكان محزونا هادئا على غير عادته حتى انني أخرت ما أردت طلبه منه وسأحاول تدوين عباراته كما أتذكرها في ذهني، قال: «كانت صغيرة وضعيفة، أعمل كل يوم أكثر من ساعة لكنني كنت دائماً أجد الوقت لأسقيها وأعتني بها مهما كنت متعبا. ظننتها ستموت في البداية لكنني رأيت أثر عنايتي بها فتحمست. وكنت في نهاية الأسبوع أغسلها بالماء البارد لأزيل عنها أية أوساخ (ذلك مفيد للأشجار أليس كذلك؟ - أومئ برأسي كيلا أقاطع استرساله) صارت أكثر اخضراراً من أية شجرة أخرى في المنطقة. لا أبالغ حين أقول إنها كانت تلمع كاللآلئ، نبتتي الصغيرة كبرت بسرعة وانتعشت، وكانت محط أنظار الجميع في القرية الساحلية التي أسكنها (على الأقل كانت ساحلية في السابق) نموها كان سريعا جدا وحجمها واخضرارها كان مذهلا... أقسم أنني كنت أشعر بها تحييني عندما أصل للبيت منهوك القوى كل ليلة، حتى عدت ليلة البارحة لأفاجأ برؤيتها مكسورة... أيد عابثة اعتدت على نبتتي الصغيرة، شعرت حينها بحجمها الحقيقي الذي وصلت إليه قبل أن تكسر. شعرت بألم يعتصرني. شعرت بها كما لو كانت أحد أبنائي. أشعر بحزن وغضب كبيرين. اليوم ربما عرفت يا خولة لماذا أمضيت كل ذلك الوقت في الدفاع عن الحزام الأخضر، كيف أساعدك في دعم جمعيتكم؟ أنا على أتم استعداد...».

الذي لم يقله ذلك الموظف الحكومي الطيب من أبناء العاصمة القديمة المحرق، والذي شعرت به في لهجته «واليوم فقط شعرت أنه كان علي الانضمام لكم في مسيرة الجمعة الخضراء لحماية النخلة البحرينية والدفاع عن الحزام الأخضر عندما دعوتموني لها ولم أهتم حينها، كان علينا جميعا الوقوف معكم».

أعرف أيضاً أن التراث الزراعي في أي مكان من العالم هو تراث مهم وثري ولابد أنه كذلك لدينا، لكن ما الذي نعرفه حقاً عنه؟ شاهدت خلال إجازتي التي انتزعتها من الزمن أخيراً بعد سنوات من المحاولة فيلماً أميركياً عن مزارع طاعن في السن وعن المنظمات التي تحمي الأراضي الزراعية وعن كيفية إعادة تقسيم الأراضي ما جعلني أفكر أكثر فيما يمكننا عمله لمزارعنا وتراثنا الزراعي.

عندما تكون المزارع مصنفة أصلاً ضمن الحزام الأخضر ويرغب مستثمر ما في استثمار سياحي أو إسكاني في ارض تقع ضمن الحزام الأخضر وينجح في الحصول على تصريح بإخراج تلك المنطقة من حكم القانون، ويقع التدمير على المزرعة وتجرف تربتها الزراعية ونخسرها للأبد وتقام غابة إسمنتية مكانها، فإننا كمواطنين وكبيئيين لا نعرف الآلية ولا الخطوات التي تم ذلك من خلالها. نحن لا نستشار كمؤسسات مجتمع مدني معنية بهذا الشأن، وأظهرت للعيان موقفها عدة مرات ومرات. كما أننا لا نعطي فرصة لنصوت على أي قرار بهذا الشأن، والأكثر أننا لا نملك الحق في جلسة استماع مفتوحة نعرف من خلالها ما سيتم تقريره جملة وتفصيلاً. ولا عجب إذاً أن البحرين فقدت أكثر من في المئة من حزامها الأخضر المحمي باسم القانون بينما معظم الناس غير راضين عن ذلك؛ لأنه لا توجد آلية أصلاً للاستماع لهم وأخذ رأيهم في الاعتبار، وإلا فما معنى أن نقرأ عبر سنوات شكاوى وصرخات وتذمراً ووعظاً ونواقيس خطر تدق بشأن «الهجمات الشرسة على النخيل» و«تتابع مسلسل تدمير الأشجار» و«عطش النخيل» و«تخريب المزارع» و«الاعتداء على الحزام الأخضر» بين الكتاب والنشطاء البيئيين والنواب والأهالي والمجالس البلدية والجمعيات والفنانين والأطفال ومع ذلك فعلى الواقع النتيجة هي المزيد من التدمير والمزيد من الخسائر للمساحات الخضراء؟

نعلم أن القيادة العليا أعلنت بلدنا البحرين بلداً ديمقراطياً وأننا صوتنا لاختيار ممثلينا في البرلمان والمجالس البلدية... السؤال الأهم الذي علينا أن نفكر فيه جديا هو: هل اعتمد ممثلونا مبدأ الديمقراطية في إشراكنا في القرارات المصيرية بالنسبة إلينينا؟ وإذا كانت الإجابة «لا»، فمتى سيتم ذلك؟ وما الآليات المفقودة الآن والتي بها يمكن تحقيق ممارسة الديمقراطية في الغد

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1398 - الثلثاء 04 يوليو 2006م الموافق 07 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً