العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ

هاجس كراهية المرأة ليس تخصصاً إسلامياً

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

خلال طفولتي في الجزائر المستعمرة (عندما كان الناس يصفونني بالفرنسية المسلمة) كانوا يدرسوننا كثيراً عن «أجدادنا الغال». تاريخ أرض أجدادي في شمال افريقيا، التي كانت تسمى نوميديا وأنتجت أدباً رفيعاً في اللغات اللاتينية خلال فترة حكم الغال نفسها لكنه بقي أقل شهرة ومعرفة لدى الناس.

ثلاثة أسماء اشتهرت خصوصا هي: أبوليوس، الذي ولد العام 125 ميلادية في مادورا شرق الجزائر، كان تلميذاً في قرطاجنة ثم في أثينا، وكتب باللغة الفرنسية، وكان محاضراً فذاً باليونانية ألف مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية.

رائعة أبوليوس (الحمار الذهبي أو التحول) رواية صورية تظهر حيويتها وحريتها ودعابتها المثمرة حداثة مدهشة، واعتقد ان ترجمة هذا العمل إلى اللغة العربية تشكل ثورة هائلة، بغض النظر عما إذا كانت الترجمة حرفية أو غير ذلك، لأنها ستكون عقاراً مهمّاً ضد الأصولية السائدة من جميع الأنواع.

أما بالنسبة إلى تورتوليان، الملحد الذي ولد في قرطاجنة العام 155 بعد الميلاد والذي تحول فيما بعد إلى المسيحية، فقد ألف ما يزيد على ثلاثين عملاً، بما فيها كتابه المشهور «الاعتذار» (aigolopA)، المفعم بالصرامة المتزمتة.

عبارتان فقط من هذا العمل المسيحي من القرن الميلادي الثاني كافيتان لتقودان القارئ العادي ليظن بأنهما صادرتان عن قبيلة افريقية لا تسامح عندها كارهة لجنس حواء، خذ مثلاً هذا التأكيد من مجموعته الأدبية «عن تحجيب العذارى»: «أية عذراء تكشف عن نفسها إنما تشارك في شكل من أشكال البغاء».

نعم، لنترجم هذا العمل إلى العربية فوراً لنثبت أن هاجس كراهية المرأة الذي يختار دائماً جسد المرأة نقطة تركيز له ليس تخصصاً «إسلامياً» فحسب كما يدعي الآخرون!

في منتصف القرن الرابع يصدر أعظم عمل أدبي افريقي تاريخي عظيم مرة أخرى من الشرق الجزائري: سانت أوغسطين، المولود من أبوين بربريين تحولا إلى اللاتينية. لا ضرورة هنا للدخول في تفاصيل خط السير المعروف لأب الكنيسة هذا ونضاله الطويل، لمدة عقدين من الزمان على الأقل ضد أتباع الطائفة الدوناتية من البربر الذين اعتنقوا المسيحية، بعد أن ازداد تعصبه نتيجة خروجهم على الدين.

بعد نضال دام عشرين سنة ضد هذه المجموعة من المؤمنين الذين أصبحوا «أصوليين مسيحيين» في تلك الحقبة، واتصاله من دون شك بأتباع تلك المجموعة من الذين يتكلمون البربرية، يعتقد سانت أوغسطين أنهم تمكنوا من السيطرة عليهم. الواقع أنه يعتقد أنه انتصر عليهم سنة 418 في سيساروس بموريتانيا، وهي مدينة تنحدر منها أسرتي حيث قضيت جزءاً من طفولتي. وقد كان مخطئاً طبعاً، فبعد ثلاثة عشر عاماً، في العام 431، مات في هيبون، محاصراً من صعاليك أسبان تمكنوا من تدمير كل شيء تقريباً على تلك الشواطئ خلال عام واحد. هؤلاء الأدباء الأفذاذ هم جزء من تراثنا ويجب تدريسهم بلغتهم الأصلية أو بترجمات فرنسية أو عربية.

ما هي فائدة لغتي الفرنسية اليوم؟

أطرح هذا السؤال على نفسي بشكل يشبه السذاجة، عندما بلغت العشرين من عمري كنت قررت تدريس تاريخ شمال افريقيا على المستوى الجامعي. اذ كنت أتبع خطى والدي الذي كان في ثلاثينات القرن الماضي يدرس باللغة الفرنسية الأطفال في جبال الجزائر الوسطى في مدرسة منعزلة لا يمكن الوصول إليها لعدم وجود الطرق. كذلك قام بتدريس دورات للكبار من عمره لسكان الجبال. درس أيضاً دورات مكثفة بالفرنسية وقام بإعداد هؤلاء الشباب لوظائف إدارية صغيرة تضمن انسياباً منتظماً للموارد المالية لأسرهم.

إلا أن حفز ذاكرة النساء الفلاحات في جبال ضهرة بالعربية وأحياناً بالبربرية كان أيضاً يعني ثورة عاطفية وتحريك جروح مفتوحة. كان عودة إلى الجذور، بل وأستطيع القول انه كان درساً أخلاقياً وجمالياً من النساء من مختلف الأعمال ومن مختلف القبائل. أتخيل أنه في هذه اللحظة، فوق رؤوسنا، يتكلم فرنسوا رابليه مع ابن سينا في أعالي الجنة، بينما أبتسم أنا هنا.

آسيا جبار

روائية فرنسية - جزائرية تدير مركز جورج فيدل في الأكاديمية الفرنسية، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1408 - الجمعة 14 يوليو 2006م الموافق 17 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً