العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ

لماذا يخجل الأميركيون من صورة بلدهم؟

فايز سارة comments [at] alwasatnews.com

.

تقول نتائج استطلاع للرأي في الولايات المتحدة، تم القيام به أخيراً، إن أربعة من كل عشرة أميركيين يخجلون من صورة الولايات المتحدة في العالم. ولا تعكس هذه النسبة من الأميركيين موقف جزء مهم من الرأي العام الأميركي فقط، وانما تعكس أيضاً بعضاً من موقف رسمي أميركي، اشتغل على مدار السنوات الماضية على تحسين صورة الولايات المتحدة في العالم، وهو ما يؤكد أن ثمة أوساطاً رسمية داخل الإدارة الأميركية، تشعر بسوء صورة واشنطن في العالم - على الأقل - أو الخجل من تلك الصورة. والخجل من صورة الولايات المتحدة، يعني أن حوادث وتطورات تلقي بظلالها على الصورة الشائعة لهذا البلد الذي يوصف، بأنه الأغنى والأقوى والأكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية بين دول العالم، فيما يصفه بعض الأميركيين بأنه «مثال الديمقراطية»، وان كان ذلك موضع شك لدى بعض الأميركيين وغيرهم.

وسط تناقض الصورة الشائعة عن الولايات المتحدة، فإن تردي صورة واشنطن في العالم تستند في الأهم من عواملها إلى سياسة واشنطن، وما تقوم به من أفعال وممارسات عبر العالم، التي تندرج في إطار سياسة إملاء وفرض وإكراه، تتم ممارستها على الدول والشعوب الأخرى بمختلف الوسائل والأساليب بما فيها استخدام القوة سواء بشكل مباشر، أو غير مباشر عن طريق أطراف آخرين.

ولعل ابرز تعبيرات السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يظهر في توجهها نحو فرض المواقف على الدول الاخرى، وهو أمر لا يقتصر على تعاملها مع الدول الصغيرة او التي تصفها الولايات المتحدة بانها «معادية»، وانما يتم ذلك مع الدول الحليفة والصديقة للولايات المتحدة بما فيها دول كبرى، تحاول واشنطن الزامها باتباع السياسات التي تناسبها، او هي محط اهتمامها، وربما يكون التجسيد الأبرز على مثل تلك السياسة ما حدث في موضوع الحرب على العراق العام 2003، إذ قادت واشنطن سياسة اجبار واكراه لاكثرية دول العالم للتوافق معها في الذهاب إلى حرب على العراق، وعندما فشلت أساليبها في الضغط المباشر، وفي اتخاذ قرار من الأمم المتحدة، ذهبت للحرب مع دول قليلة، ثم سعت نحو تدويل الحرب وتوسيع الحضور الدولي - العسكري في العراق من خلال قوات التحالف الدولي الذي انتزعت له شرعية من الأمم المتحدة.

لقد استغلت واشنطن قدرتها على سياسة الاملاء والاكراه ضد الدول والشعوب لتحويل تلك القدرة من المجال السياسي إلى المجال العسكري في بعض المواقع، كما حدث في افغانستان والعراق، عندما استغلت هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الارهابية على اهداف أميركية، ومضت في حربها العالمية تحت عنوان «الحرب ضد الارهاب»، والتي ادت فيما ادت اليه إلى مقتل وجرح وتشريد ملايين الاشخاص، وإلى تدمير شبه كلي لقدرات الدولة والمجتمع في افغانستان والعراق، ووضع البلدين في جحيم لا مخرج قريباً وواضحاً منه، باسثناء مارافق ذلك من فضائح أبوغريب وغوانتامو، وجرائم فساد، وعمليات قتل وارهاب، تتناقض جميعها مع الشعارات والوعود الأميركية التي رافقت الحرب على البلدين، التي اصابت الولايات المتحدة بخسائر سياسية وعسكرية كثيرة كان بينها مقتل نحو ثلاثة آلاف جندي أميركي في العراق وأفغانستان، وجرح زهاء عشرين ألفاً في البلدين، بالإضافة إلى كلف تجاوزت 400 مليار دولار للحرب في العراق وأفغانستان، وكلف أخرى عبر البحار، وأكثر من 250 مليار دولار للأمن الداخلي. وهناك تعبير آخر في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، يتمثل في تحالفها مع أكثر الدول دموية وعدوانية، والمثال الاهم في هذا الجانب هو تحالف واشنطن مع «إسرائيل»، التي خاضت ضد جوارها الإقليمي في الستين عاماً التي انقضت منذ قيامها العام 1948 نحو عشر حروب كبرى، وعشرات من حروب محدودة، ومئات من معارك واعمال عدوانية محدودة جرى فيها قتل واعطاب قدرات بشرية كبرى، وتدمير واسع للقدرات والامكانات المادية في الشرق الأوسط.

ولم تقتصر سياسة واشنطن في هذا الجانب على التحالف مع «إسرائيل» والتعهد بالحفاظ على أمنها ووجودها، وانما جرى تقديم كل اشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي معبر عنها ببرامج من التقدمات المتنوعة، هي أكبر واعم مساعدة تقدمها واشنطن للخارج، تضم بالإضافة إلى مليارات الدولارات اسلحة وذخائر وتقنيات.

ان احد امثلة ما يرتبه تحالف واشنطن مع «إسرائيل» من احراج وخجل للأميركيين، يمكن رؤيته في سياسة واشنطن التي تلت الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان، إذ غطت الولايات المتحدة على الحرب واهدافها، ثم على خروقات «إسرائيل» للقرار الدولي 1701 القاضي بوقف الاعمال الحربية، ثم أضافت إلى ذلك، اعلان دبلوماسي أميركي رفيع المستوى في القدس، ان الولايات المتحدة على استعداد للنظر جدياً في منح وزارة الدفاع الاسرائيلية مساعدات مالية اضافية تعويضاً لها للمبالغ التي انفقت في الحرب، في وقت قالت مصادر دبلوماسية، ان الحكومة الاسرائيلية تدرس طلب مساعدات اضافية تقدر بملياري دولار من الولايات المتحدة، وكل ذلك يسبقه جهد أميركي سيتكثف للدفاع عن جرائم «إسرائيل»، التي ارتبكت في لبنان، والتي نشطت دول ومنظمات دولية واقليمية في اعداد ملفاتها لتجريم «إسرائيل» وقياداتها السياسية والعسكرية، الامر الذي سيتطلب تدخلاً وضغوطاً أميركية قوية على الدول والمنظمات المعنية بمحاسبة «إسرائيل».

ولأن صورة واشنطن على هذا النحو من التردي في سياساتها وعلاقاتها الخارجية، فقد بدا من الطبيعي، ان يخجل قرابة نصف الأميركيين من صورة بلدهم، ومن الطبيعي ايضاً، ان تسعى الادارة على مدار السنوات الماضية إلى تحسين صورتها في العالم، والتي لا يمكن ان تتحسن الا بتغيير السياسة الأميركية

العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً