العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ

الحزام الأخضر الأخير في المحرق... عراد تستغيث

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

كنت أصلي صلاة القيام التي حرمت من بركة ومتعة وطمأنينة أدائها بسبب العمل المتواصل الذي يشغل حياتي. بينما كنت أصلي وراء الإمام في المسجد قرأ آيات فيها «خاوية على عروشها» (البقرة:259) و «لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب» (الحج:46) فوجدتني أغص بدموعي ووجدت الناس يصلون وأنا أبكي، وسجدنا خلف الإمام فسمعتني أدعو الله في الموضع الذي يكون فيه العبد اقرب ما يكون إلى ربه بدعاء «ربي احفظ بلدي فإن القلب ليبكي مما يصنعون بها ويقطعون من زرعها ويدمرون من بحرها ومما افسدوا من عذب مائها». انتهت الصلاة وأنا أدعو «يا مغيث أغثني» ووجدت لساني يوشك على قول «أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء» (النمل:62)! أي اضطرار فوق الاضطرار الذي نحن به وأي ألم يعتصر القلب فوق ألمنا ونحن نرى كل جميل لدينا يخرب وكل ثمين لنا يهدر وكل ثروة لدينا تضيع وإرث الأجداد للأجيال يبدد. كل ذلك أمام مرآنا ومسمعنا والأسوأ أنه يتم لا بيد قوة محتلة غاشمة بل بأيدينا.

كنت في عراد بعد تسلم جمعية أصدقاء البيئة اتصالات هاتفية أربعة من ملاك أو مستثمرين لأراضٍ في منطقة الحزام الأخضر بعراد. منطقة الحزام الأخضر بعراد هي الحزام الزراعي الأخير في عراد بل وفي المحرق بأسرها، لن أدعي أنني أعرف عنه الكثير فنحن لم ندرس كائناته ولم نرصد التغير في موائله ولكنني أعرف ما رأيته اليوم وما رأيته في المرات القليلة التي زرت فيها المنطقة حيث فيها بقايا النخيل العريقة والعيون العذبة المستنزفة والمطفأة وفيها برك سباحة وسط مزارع يملكها أو يستثمرها بعض البحرينيين، في المزارع يزرع المشموم والرازجي والليمون البحريني الأخضر ذو الرائحة الزكية النفاذة ويزرع التين واللوز ويسقى من خلال جداول صغيرة تغذيها مياه تضخ من آبار ارتوازية ماؤها بارد ومنعش وفي المزارع تحلق الطيور وتغرد العصافير ويحلو الجو وتدخل الفرحة النفوس. معظمها تم تحويله إلى برك سباحة تؤجرها العائلات البحرينية لتقضي فيها يوماً مع الطبيعة تتنفس فيه الصعداء وتنفس عن معاناتها اليومية في الطرق المزدحمة والمكاتب المغلقة والحياة العصرية المتسارعة الخطى والمعقدة.

يتذكر الكبار إرث آبائهم ويروون قصص طفولتهم مع النخيل والعيون العذبة والغوص والبحر الذي يدخل كل جانب من جوانب حياة البحرينيين. ويستمتع الصغار بهذه التجربة المختلفة عن مجريات حياتهم اليومية المعتادة، فيقضي الجميع يوما جميلا في الوقت الذي تستفيد فيه أسر بحرينية أخرى من حصيلة إيجار البرك للعائلات ليوم واحد أو نحوه.

أخبرني الإخوة والأخوات الذين دعوني إلى عراد والآخرون ممن التقيناهم ونحن نتنقل بين المزارع ونشاهد طيورها وعصافيرها ونستنشق عبير ورودها وزرعها بل وأنا ألمس الماء البارد الذي يتدفق من بئر ارتوازية بها نحو الأشجار، أن الصحف طالعت البحرين بتصريح رسمي يفيد تملك الحكومة أراضي الحزام الأخضر وقال أحدهم (عبدالله النعيمي): «إن كانت الحكومة تهدف بهذا التملك إلى حماية المزارع والحزام الأخضر فإننا نحييها فذلك واجبها أما إذا كانت ستدمر المزارع فذلك ما لا نرضاه ولا يجوز». وأضافت وفاء أبل «منطقة المحرق تعاني من التلوث من المطار والمصانع ومحطة توليد الكهرباء وغيرها وتكثر فيها الإصابات بالأمراض الخبيثة والمميتة والحكومة تتحمل كلفاً كبيرةً جداً لعلاج الحالات المرضية، أليس أجدر بنا أن نحافظ على الحزام الأخضر الوحيد في المنطقة ليسهم في حمايتنا من كل تلك الملوثات؟

وأضافت ليلى الوزان «العائلات تؤجر هذه المزارع منا بشكل كبير نظراً إلى حاجة الناس إلى متنفس ومكان للاستجمام والاسترخاء ونحن كمستثمرين نستفيد من استثمارنا في هذه الأراضي ونحافظ عليها ونعتني بها ونزرعها ونسهر عليها. ألا يستحق ذلك الحماية؟».

كما أضاف أحد أهالي المنطقة «أليست هذه منطقة حزام أخضر؟ يمنعوننا باسم القانون من أن نبني أي شيء فيها، لماذا إذاً يريدون تدميرها الآن؟ أين القانون؟».

جولتي في حزام عراد الأخضر زادت من ألمي لما يجري لبيئاتنا وكل جميل لدينا في هذا الوطن الذي لا نملك وطنا سواه، وأشعرتني بالهم البيئي يزداد ثقلاً وأنا أشعر بابتسامتي - التي يقال إنها لا تفارقني - وهي تنطفئ شيئا فشيئاً.

أتساءل... ألا يعد هذا من الاستثمارات الصغيرة في السياحة البيئية؟ لطالما كان صوت المستثمر في استثمارات تدمر البيئة مسموعاً على اعتبار تشجيع الاستثمار ولاسيما المحلي. هل يتم الاستماع هذه المرة لصوت المستثمرين عندما يكون الاستثمار صديقاً للبيئة وعندما يكون الاستثمار في الحفاظ على البيئة وعندما يربح المستثمر ويربح المواطن ويربح الناس عموماً؟ ترى ما مصيرك يا حزام عراد الأخضر؟

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1510 - الثلثاء 24 أكتوبر 2006م الموافق 01 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً