العدد 1524 - الثلثاء 07 نوفمبر 2006م الموافق 15 شوال 1427هـ

لأجل الدفاع عن البيئة... هل من خيار غير العودة إلى الغابة؟

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

«ندفن البحر يا خولة لنطور البحرين وننميها»، وربما بصوت غير مسموع: «لماذا يصعب عليك فهم ذلك؟».

«لماذا تعترضون طريق التنمية يا أصدقاء البيئة!»، وإذا ماتت أشباح أو عرائس البحر النادرة التي لا توجد إلا في أماكن قليلة من العالم، فذلك من سوء حظها! نحن نريد التطور والتقدم وتلك ضريبته وإلا فلنعد جميعا إلى الغابة (أتمنى حينها لو أنهم على الأقل قالوا: الصحراء بدلاً من الغابة فتلك بيئتنا الأصلية وليست الغابة) وننسى الحضارة والتقدم. ما قيمة الفراشات والعصافير مقارنة بالمجمعات التجارية والحياة العصرية؟

عبارات معتادة ومتوقعة من المستثمرين والتجار ومن يمثلهم، وأيضاً نسمعها ممن سمعها منهم وأعجبته، ولاسيما ممن ليس لديهم من المعطيات ما يميزون به ما يقال أو يحللون فحواه أو يستحضرون آراء واحتمالات أخرى غير الذي قيل، لكن عندما تأتي تلك العبارات على لسان من يمثلون الجهات التنفيذية المسئولة عن حماية البيئة فتلك صدمة!

إلا أن الصدمة الأكبر عندما يحدث ذلك في حضور إعلاميين وغيرهم، وأفاجأ بأنني الوحيدة المصدومة! وأن تلك العبارات تلقى صدى معقولا لدى الصحافيين والآخرين، ما يضطرني إلى أن أحتد وأصمم على شرح ما كنت أحسبه من المسلمات.

في بلد المؤسسات تتولى كل مؤسسة مهمة ضرورية ومهمة أسندت الدولة إليها القيام بها لأجل المصلحة العامة، وعلى ذلك الأساس تم تأسيس تلك المؤسسة وتخصيص موازنات وأجهزة إدارية وفنية واستشارية ومرافق وإمكانات وآليات لها لتؤدي مهمتها. عندما يحدث تضارب بين توجهات أكثر من مؤسسة في الدولة تجاه مشروع ما، وليكن في حالنا مشروع استثماري يردم البحر ويحفر موائل بحرية مهمة ويخربها كالشعاب المرجانية وهيرات اللؤلؤ والحشائش البحرية، فإن متخذ القرار يستمع لطرح كل مؤسسة ويحاول التوفيق بينها جميعا واتخاذ القرار الأنسب والأصلح والأقل ضرراً، والأعلى فائدة على جميع الأصعدة. ذلك القرار (أكرر) يتخذ بناء على طرح كل مؤسسة، لذلك فعندما تدافع «وزارة التجارة» أو «غرفة التجارة» عن الاستثمار وفرص الاستثمار، أو فوائد الاستثمار، وتطالب بفتح الأبواب أمامه وتذليل العقبات وإزالة العراقيل والتخفيف من الاشتراطات أو إلغاء قوانين وأنظمة معمول بها (بما فيها الأنظمة التي تحمي الحزام الأخضر وتمنع البناء في مناطق زراعية تم تسجيلها كمناطق محمية ضمن الحزام الأخضر) وفق توجهاتها للتطوير والاستثمار؛ وعندما تتحدث «الإسكان» عن الحاجات الإسكانية وضرورة دفن البحر؛ وتتحدث «الصناعة» عن حتمية إقامة أو استمرار صناعات معينة وإنشاء مناطق صناعية جديدة أو استمرار وتوسعة أخرى قائمة بغض النظر عن «تذمر» المقيمين في المناطق المحيطة بها وتخوفهم من مترتبات قريبة المدى أو بعيدة على صحتهم وصحة أجيالهم، ناهيك عن موقف الجمعيات... فإن ذلك كله متوقع ونستطيع أن نفاصل معه أو ضده، لكنه في الأول والأخير متوقع لأنه يقع ضمن أهداف هذه المؤسسات وما أنشئت لأجله.

ولكن عندما يتحدث ممثلو الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية عن أهمية مراعاة الحاجات التنموية والاستجابة للضغط الإسكاني والصناعي، وأن الخيار الآخر هو العودة للغابة فذلك ما لا أفهمه وأستغرب أن يمر من دون علامات صدمة (أو تعجب كأضعف الإيمان) على الوجوه!

أتيحت لي أخيرا فرصة نادرة للحديث مطولا مع رائد من أبرز رواد العمل التطوعي البيئي وبالذات النشاط البيئي في الخليج العربي (وما أقلهم)، مشعل المشعان الذي نكن له كل تقدير واحترام ولجمعيته (جمعية حماية البيئة الكويتية) الإقرار بأنها على الأرجح أول من بدأ أعمال النشطاء البيئيين في الخليج، ونفخر بما حققوه ويحققونه من نجاحات للعمل البيئي التطوعي، ارتأيت أن أستثمر هذه الفرصة التي جمعتني (لوقت جيد) مع المشعان وأتحدث معه بشأن صدمتي لعلي أستوعب سبب عدم استيعاب الآخرين لصدمتي!

المشعان قال ببساطة: «عندما يصل الأمر بالمؤسسة المسئولة عن حماية البيئة إلى أن تستخدم عبارات المستثمرين وتحاجج بحججهم، فليس للبيئة من أمل بعد الله سوى في زيادة الضغط من قبل النشطاء البيئيين»!

عبارة أخرى رددناها معاً ونحن نناقش الوضع البيئي وهموم العمل البيئي التطوعي ولاسيما العمل الذي ينتهج خطاً لا يشتري مصالح أو راحة مزيفة على حساب القضايا البيئية، وتلك العبارة كانت: «ذلك لا يجوز أبداً لمن يعمل في مجال حماية البيئة!».

الخيارات كثيرة ومتنوعة للتعامل بين جميع الأطراف المختلفة، ولكن عندما تتخلى المؤسسة المسئولة (في بلد المؤسسات) عن مسئوليتها الأساسية في الدفاع عن الحقوق البيئية، فإن الخيارات أمام البيئة ومستقبلها تضمحل وفرص التفاوض تقل وترجح كفة كل صوت إلا صوت البيئة، ولا يكون أمام متخذ القرار سوى خيار واحد... هذا الخيار غالباً ما تدفع ثمنه البيئة وندفع ثمنه جميعاً

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1524 - الثلثاء 07 نوفمبر 2006م الموافق 15 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:55 م

      الحقوق البيئية

      كم هو صحيح .. وكم لازال صحيحا بعد سبع سنوات!!

اقرأ ايضاً