العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ

من يحمي أطفال البورنو والفيديو كليب؟

بعد اشتغالهم بالفن الهابط

منذ ظهور الفن في مصر والوطن العربي نال الأطفال نصيبا كبيرا بتقديم بعض الأدوار التي كانت تصل في بعض الأحيان إلى حد البطولة، ومازلنا نتذكر هذه الأعمال التي كانت تحمل طابع الجدية والاحترام، وبالتالي كانت أدوارهم ترقى إلى الذوق الرفيع، أما الآن ومع انتشار القنوات الفضائية المليئة بالعري والإباحية والرقص الخليع والأغاني الهابطة والأفلام التافهة، فقد استغلت هذه القنوات الأطفال أسوأ استغلال في تصوير الفيديو كليبات الفاضحة بما تحمله من مجون وإباحية، فكيف لنا أن نتصور تحويل هذا الوباء إلى أطفالنا الصغار الذين لم يتجاوزوا سن العاشرة، وهم يتراقصون ويتمايعون بشكل بذيء يثير الاشمئزاز... كالفتيات الصغيرات اللائي يتراقصن بخلاعة مقلدات فتيات الفيديو كليب؟

كيف نتصور أن يتحول مجتمعنا الشرقي بكل عاداته وتقاليده إلى هذا الوضع من التدهور، فالمجمتع الغربي بكل ما فيه من فحش ودعارة ومجون وفجور، توجد فيه قوانين صارمة تمنع الأطفال من الاشتراك أو مشاهدة أفلام أو مواد إعلامية مقدمة للكبار فقط، سواء كان ذلك على شاشات التلفزيون أو السينما، وحتى لو ظهرت بعض العصابات في آسيا تتاجر في الأطفال، فإن العقاب يكون رادعا وسريعا، أما على الفضائيات العربية، فأصبح الحبل على الغارب،ومن دون رقيب أو حسيب... وقد أجمع عدد من الباحثين الاجتماعيين والإعلاميين بشأن هذه الظاهرة على ضرورة التصدي لها بكل السبل والوسائل، لإنقاذهم من المصير المجهول.

آلية مناسبة

يقول صلاح عبدالعظيم من مركز بحوث الأطفال بجامعة عين شمس: «لقد ازداد الحديث عن الطفل وأدبه، وأهمية وجود آلية مناسبة تعبر عن أفكاره وأحلامه، وتغرس فيه بذور المستقبل، ولكن بضرورة أن يكون على أرض الواقع، فإذا أمعنا النظر بعدسة مكبرة فلا نجد شيئا يدافع عن الطفل وينمي قدراته، وعند غياب ذلك، يبرز على الساحة تجار يقدمون اللعبة والوسيلة المدمرة، التي تغرس في الطفل العنف والقسوة، تلك التي غزانا بها الغرب بكل وسائله وآلياته، ويبرز على الساحة، تجار يقدمون اللعبة والأغنية الهابطة السطحية والمدمرة، التي تغرس في الطفل السلبية والكذب، وعدم احترام الآخرين، بالإضافة إلى استغلال هؤلاء الأطفال في هذه الأغاني أسوأ استغلال».

ويتساءل صلاح: أين اختفت أغاني الأطفال الراقية، التي اشترك أطفال موهوبون في تقديمها؟ تلك الأغاني التي تقدم مضمونا وفكرا راقيا، كأغنية «بابا ماما وطني علمني حرية قومية - سلام حمام جندي بلدي شجاع» ومثل هذه الأغاني المليئة بالقيم، والتي تذكي في النفوس حب الوطن والدفاع عنه، وتغنيها مجموعة من الأطفال، وبالتالي يكون لهم تأثير إيجابي على أقرانهم.

جريمة قاتلة

وأشار صلاح إلى «أن استخدام الأطفال في تقديم مثل هذه الأغاني الهابطة يعد جريمة، لا تقل في أهميتها عن استخدام أمثالهم في التسول، بل إنها أشد خطرا، لأن الجرائم الأخرى تكون فردية، أما هذه الجريمة فهي جماعية، باعتبار أن الأغنية التي تدعو إلى التفاهة والخلاعة يمكنها أن تدمر الأطفال المؤدين والمتلقين، الذين يستمعون لها ويتأثرون بها ويعملون بمضمونها، ولعل القائمين على هذه الأغاني يشاهدون ما يتم عرضه على القنوات الإعلامية الإسرائيلية، إذ يزرعون في أطفالهم حب العلم وتقديسه وحب الالتزام، ويتعلم الطفل منذ الصغر أهمية هذه الأشياء، ليغرس في ذهنه، أن هذه هي الوسيلة الوحيدة للتغلب على عدوهم الوحيد (العرب) بينما نحن نأخذ أسوأ ما في الغرب ونقلده، في مضمون الفيديو كليب، بما يحتويه من حركات وإيحاءات، وملابس وألفاظ لا تتناسب مع ثقافتنا وهويتنا العربية، والمسئول عن ذلك هو شركات الإنتاج، التي ضربت بكل القيم والمبادئ عرض الحائط، واستغلت الأطفال لترويج هذه الأغاني والكليبات، التي تدعو إلى طمس الهوية، والإحساس بالاغتراب، وبالتالي تحدث عملية غسل مخ لهؤلاء الأطفال، فيوجهون بطريقة خاطئة وسلبية تضرهم».

جهل تربوي

وأضاف صلاح عبدالعظيم «أن جهل الآباء والأمهات بالأسلوب التربوي الصحيح يدفعهم إلى الاهتمام بتعليم الطفل المواد الدراسية باستخدام أسلوب (الحفظ) في المراحل المبكرة للدراسة، من دون الاهتمام بممارسته الأنشطة المختلفة، كقراءة القصص والرسم لتنمية مهاراته، ولم يقتصر الجهل بالأسلوب التربوي على ذلك، بل امتد إلى أن يدفعوا أولادهم ويشجعونهم على العمل في مجال الفن الهابط،من دون وعي بخطورة تلك الأعمال التجارية، التي تسرق منهم آمالهم وأحلامهم وبراءتهم، فأثناء متابعتي أحد البرامج فوجئت باتصال إحدى الأمهات ترجو من مدير إحدى الفرق الغنائية الراقصة أن تحظى ابنتها بشرف الانضمام إلى هذا الفريق، والأدهى من ذلك أن مدير الفرقة الغنائية أكد لها أن ذلك مستحيل، ولكن يمكن لابنتها أن تنضم للأفلام القادمة التي ينوي الأطفال القيام ببطولتها».

في حين أكد أستاذ القانون بجامعة القاهرة حاتم علم أنه لا يسعي لتقييد الفكر والفن ووضع قيود على العمل الفني ، وإنما يسعى إلى التصدي لما قد يصيب الطفل بالاستغلال، وخصوصا في الأعمال الفنية، ما يؤثر على مستقبله ودراسته، لذلك لابد من العمل على صوغ وتحديد ملامح لتطوير لائحة قانون العمل والطفل، وذلك لحمايتهم من أي تشوهات واضطرابات نفسية قد تحدث لهم نتيجة الاستغلال من قبل شركات الإنتاج، التي لاتراعي قيم ومبادئ مجتمعنا الشرقي، ولا تحافظ على تراثنا وثقافتنا وهويتنا العربية.

وأضاف حاتم: «أنه لابد من اتخاذ إجراء قانوني حيال المسئولين عن الفرق الغنائية، والذين قاموا بإنتاج شرائط كاسيت وفيديو كليب للأطفال، لأنهم بذلك خالفوا قوانين عمل الأطفال، أما بالنسبة إلى سفر تلك الفرق للخارج باصطحاب الأطفال معهم لإحياء حفلاتهم، فكان في السابق هناكور لشرطة رعاية الأحداث والآداب، ولكن نتيجة لنشاط الجمعيات الفنية وجمعيات حقوق الإنسان ألغت وزارة الداخلية قيد السفر، لذلك فليس لنا حق في منع أي طفل من السفر، طالما لم يصدر أمر قضائي بذلك».

استغلال واضح

ويشير أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس رزق سند إبراهيم إلى أن هناك قنوات شرعية من أجل تنمية مواهب الطفل، مثلا الأوبرا والكونسرفتوار وبرامج الأطفال، ولكن ما يحدث الآن هو استغلال واضح وصريح لهؤلاء الأطفال، من أجل ترويج سلعة أو فيديو كليب جديد ذي معاني ركيكة وهزلية، تسلبهم البراءة وحق التعايش مع أقرانهم من الأطفال، إذ يصبح الطفل مشوها نفسيا فهو بذلك لم يعش طفولته، فيحاول تقليد البالغين في طريقة اللبس والحركات والرقصات وطريقة الكلام وأن يعي ما يفعله، ما يؤدي إلي طمس شخصيته في بداية التكوين.

ويؤكد رزق أن السينما ساهمت أيضا في استغلال الأطفال، من خلال أفلام عرضت الطفل بصورة سلبية ومبتذلة ومشينة، وفي الوجه الآخر للصورة نرى الأطفال الذين يقومون بهذه الأدوار، فما هو مستقبلهم؟ وهل هم ضحية للدور الذي يقومون به والذي قد يؤدي إلي ردع غيرهم؟ إن ما يحدث الآن من استغلال للأطفال تحت مسمى «الفن» هو قتل وإبادة للبراعم الخضراء، وللبراءة النظيفة الطاهرة التي لم تلوث بعد!

العدد 1583 - الجمعة 05 يناير 2007م الموافق 15 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً