العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ

«القنبلة الديمقراطية» والدول التي يحق لها امتلاك السلاح النووي

في ورقة بحثية جديدة صادرة عن معهد كارنيغي للسلام الدولي بواشنطن ناقش نائب رئيس برنامج دراسات الأمن العالمي والتنمية الاقتصادية التابع للمعهد جورج بيركوفيش George Perkovich استراتيجية «القنبلة الديمقراطية» في ظل الأوضاع والصراعات العالمية الراهنة. يقصد الباحث بمصطلح القنبلة الديمقراطية Democratic Bomb النظرية القائلة إن معيار امتلاك دولة ما أسلحة نووية يعتمد على درجة ومستوى ديمقراطية هذه الدولة. واعتبرت هذه الدراسة التي نشرت في موقع «تقرير واشنطن» أن تجربة كوريا الشمالية النووية وبرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني لا يعدان فقط دليلا على فشل سياسة منع انتشار الأسلحة النووية، وإنما أيضا برهانا على فشل الاستراتيجية (الأميركية) التي جعلت انتشار هذه الأسلحة أقرب إلى الواقع. فالتخلص من الأنظمة وبالتالي الأسلحة هي أساس استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس جورج بوش، التي أعلن عنها في خطابه الشهير عن «محور الشر» العام 2002 عندما قال «إن الولايات المتحدة ستسعى إلى حماية أمنها عبر التخلص من أنظمة مارقة تمتلك أسلحة دمار شامل، مثل إيران والعراق وكوريا الشمالية».

قسمت «نظرية السلام الديمقراطي» العالم إلى أصدقاء ديمقراطيين وأعداء غير ديمقراطيين. وبهذه النظرية التي يؤيدها الكثير من صناع القرار والسياسيين والاستراتيجيين الأميركيين لن يكون من المنطقي مواصلة المعاهدات التي تحد من القوة العسكرية لجميع الدول بما فيها الولايات المتحدة و«إسرائيل» والهند. وعلى عكس الفرضية الأساسية لمبدأ عدم انتشار الأسلحة والذي يقول إن الأسلحة النووية هي المشكلة، تعتبر الاستراتيجية الجديدة أن الأشرار الذين يمتلكون سلاحا نوويا هم المشكلة. والدليل على ذلك أنه من وجهة نظر بعض صناع القرار، فإن شبكة عبدالقدير خان تجسد عبثية السيطرة على التكنولوجيا النووية. إذ يبيع فريق خان ويشتري المواد اللازمة لمصانع تخصيب اليورانيوم وصناعة القنابل، بعيدا عن أعين قوانين الاستيراد وضباط الجمارك والمخابرات. كذلك يعد معظم ممولي التكنولوجيا الأساسية للشبكة والوسطاء من الأوروبيين الذين تعرف حكوماتهم أنشطتهم جيدا. والمشكلة الأساسية هي الضعف القانوني السياسي، إذ لا يوجد مثلا مطلب دولي ملزم بإعلام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بنقل المعدات اللازمة لإنتاج المواد القابلة للانشطار والأسلحة النووية. ومن وجهة نظر الداعين إلى تغيير الأنظمة يمكن استمالة بعض الدول لاتخاذ إجراءات للتحكم في الاستيراد، إلا أن معظم الدول سترغب في الحصول على امتيازات من الولايات المتحدة ثمن تعاونها، الأمر الذي يستغرق وقتا طويلا كما أن نتائجه قد تكون غير مجزية، وبالتالي تصبح عملية «منع الأشرار» أسهل.

القنابل الديمقراطية جيدة

تسعى الاستراتيجية الجديدة إلى تقليل العقوبات المفروضة على الديمقراطيات الصديقة. فمنذ منتصف الستينات لم تسعَ الولايات المتحدة إلى الضغط على «إسرائيل» للتخلي عن سلاحها النووي، كما أن حقيقة كونها دولة ديمقراطية صديقة جعلها مستفيدة من المعايير الأميركية المزدوجة، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح مبدأ استراتيجيا. وكانت الهند أول المستثنين في هذه الاستراتيجية الجديدة، إذ أعلن الرئيس بوش ورئيس الوزراء الهندي مونموهان سنغ في يوليو/ تموز 2005 عن خطة تعاون نووي بين البلدين، الأمر الذي أغفل جميع المعاهدات الدولية، التي تمنع عقد اتفاقات مع أية دولة لا تخضع منشآتها النووية للرقابة. وقد تكون أستراليا هي الدولة الديمقراطية الصديقة الثانية التي تطبق عليها الولايات المتحدة سياسة المعايير المزدوجة. إذ أكدت الحكومة الأسترالية اهتمامها بتطوير منشآت لتخصيب اليورانيوم لتصديره أو لاستخدامه في المستقبل في مفاعلاتها المحلية. هذا النوع من التوسع في إنتاج المواد القابلة للانشطار في دول غير نووية هو تحديدا ما سعى إلي منعه الرئيس بوش وشخصيات دولية أخرى مثل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البردعي مع دولة مثل إيران. بينما رحب بعض مؤيدي استراتيجية «القنابل الديمقراطية الجيدة» في أعقاب التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بإمكان إنتاج اليابان لأسلحة نووية.

الدول المخذولة في استراتيجية «القنبلة الديمقراطية»

تقول الدراسة إنه لا يمكن الاعتماد على تغيير النظام سلميا لإيجاد اتجاهات سياسية بالسرعة الكافية لوقف برامج التسلح النووي. فالأيسر بالنسبة إلى الدول الوصول إلى القدرات التي تؤهلها لإنتاج أسلحة نووية من إصلاح أنظمتها وتطبيق الديمقراطية الحقيقية. فالديمقراطيون في إيران، على سبيل المثال، لا يرون إمكان تحقيق إصلاح سياسي رئيسي على مدى السنوات العشر المقبلة، لكن الأقرب للاحتمال هو أن تتقدم إيران في عملية تخصيب اليورانيوم خلال تلك الفترة، إن لم يتدخل المسئولون لتغير الاتجاه. كذلك فإن تحول الدول إلى الديمقراطية لن يمنع التسلح النووي. فعندما انهار الاتحاد السوفياتي وافق زعيم الحزب الشيوعي الأوكراني السابق على نقل جميع الأسلحة النووية إلى روسيا، لكن مع تحول أوكرانيا إلى دولة ديمقراطية عارض البرلمان الاتفاق. ومن ناحية أخرى، فإن لتغيير النظام بالقوة أخطاره الشديدة. فالعراق هي الحال الوحيدة التي تغير فيها النظام كإجراء لمنع انتشار السلاح النووي، لكن لم يستطع الجنود الأميركيين تأمين مخازن السلاح والمواد النووية التي انتهى بها المطاف لتصبح في أيدي المتمردين المستقبليين. فحظر انتشار الأسلحة عبر التحول إلى الديمقراطية أو تغيير النظام قد يزيد من الطلب عليها. وفي الواقع لا يوجد تحدٍ فعلي لانتشار الأسلحة يمكن أن تواجهه الولايات المتحدة وحدها، ومع ذلك فإن استراتيجية انتقاء المقربين تهدم التعاون الدولي، إذ لا يوجد اتفاق عام على من هو الجيد ومن هو السيئ. ومثل تلك الاختلافات قد تؤدي إلى تفكك التحالفات اللازمة لدعم القوانين الدولية، وقد تؤدي أيضا إلى صراعات. فالمشكلة الأساسية هي أن الكثير من الدول تبدو رمادية، فالولايات المتحدة ترى باكستان الآن على أنها دولة «جيدة» نصف ديمقراطية وتمتلك سلاحا نوويا، لذلك تبيع لها أسلحة متقدمة ولا تضغط عليها لوقف نشاطها النووي. وفي الوقت نفسه لا تراها جيدة بالدرجة الكافية حتى تتعاون معها نوويا كما فعلت مع الهند. في حين تنظر إليها الصين على أنها جيدة بدرجة كافية.

أما المشكلة الثانية فهي أن الدول الجيدة قد تتحول إلى سيئة، والعكس صحيح. فالعراق كان الشريك المفضل للولايات المتحدة ضد إيران في الثمانينات، كما أن المجاهدين الأفغان كان ينظر إليهم باعتبارهم مقاتلين من أجل التحرير ثم أصبحوا إرهابيين، لذلك يجب أن تكون هناك معايير واضحة ومستديمة لسلوك الدول لمواجهة خطر السلاح النووي أينما كان وفي جميع الدول سواء كانت ديمقراطية أم غير ذلك.

وأفضل طريقة لتحقيق وحدة الدول تأتي عبر مجلس الأمن. فقرارات المجلس المنصوص عليها في البند السابع ملزمة لجميع الدول. بيد أن سياسة الكيل بمكيالين والتطبيق الانتقائي للقوانين سيضعف نظام حظر الانتشار النووي حتى ينهار. فعلى سبيل المثال، أثار تحرك الولايات المتحدة لتغيير هذه المعايير والقوانين لمساعدة الهند الكثير من ردود الفعل، إذ اعترضت بعض الدول بهدوء، حين ظنت دول أخرى مثل مصر واليابان أنه بحكم صداقتها للولايات المتحدة فلن تضغط عليها إذا أخفت حقيقة وضعها النووي، بينما أيدت روسيا وفرنسا التغيير لرغبتهما في عقد صفقات مشابهة مع الهند.

ماذا ينبغي على الولايات المتحدة فعله؟

أخيرا طرح الباحث سؤلا عما يجب أن تفعله الولايات المتحدة لدعم العرف العالمي المطالب بحظر انتشار الأسلحة النووية، والذي من دونه لا يمكن احتواء عملية انتشار السلاح النووي، ترى الدراسة أن على الولايات المتحدة أن:

- تعيد النظر في التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية CTBT. فقد دعمت أميركا حظر إجراء تجارب نووية منذ العام 1992. وفي بيئة لا تجرى فيها أي تجارب ستصبح معامل الأسلحة النووية الأميركية بقواعد بياناتها التي لا تضاهى، وموازناتها، ومعداتها المتفوقة على الجميع في دعم أسلحة آمنة ومحل ثقة. كما أن تصديق الولايات المتحدة على المعاهدة ومعها الصين، التي لم تصادق عليها أيضا، ودول أخرى ضروري لتطبيق تلك المعاهدة.

- تستعين بالقيادات رفيعة المستوى اللازمة لضم جميع الدول التي تمتلك سلاحا نوويا إلى المبادرة العالمية لمواجهة الإرهاب النووي التي أعلنتها الولايات المتحدة وروسيا قبل قمة الثماني 2006. إذ يعد تبادل الخبرات والتكنولوجيا والمصادر اللازمة لتأمين تخزين المواد هدفا في غاية الأهمية.

- تبدأ في بناء تحالف في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمطالبة جميع الدول بالإبلاغ عن صادرات وواردات التكنولوجيا أو المواد النووية الحساسة على أساس ملزم. فقرار مجلس الأمن رقم 1540 يلزم جميع الدول بشكل قانوني «بإنشاء وتطوير ومراجعة ودعم السيطرة على النقل المحلي والدولي بشكل مناسب وفعال» وكذلك «السيطرة على الحدود» لحظر الانتشار النووي. لكن وضع حواجز تحظر التجارة النووية التي تتم في الخفاء ووضع قواعد لتجريمها والإبلاغ عنها يجب أن تكون ملزمة لجميع الدول بشكل قانوني. فحظر التجارة ليس هو الهدف، إنما الهدف هو حظر ممارستها في الخفاء.

- تبدأ في حملة لجعل انتشار السلاح النووي جريمة عالمية. فعلى عكس بعض الجرائم مثل تجارة العبيد التي تعد جرائم دولية يتم القبض على مرتكبيها ومعاقبتهم في أي مكان في العالم، يتم ضبط تجارة السلاح النووي والمواد ذات الصلة على المستوى المحلي فقط، ما يسمح للقائمين عليها بالعثور على مكان آمن لممارسة أنشطتهم والفرار من العقاب. ومرة أخرى فإن أسرع طريقة لتجريم تلك العملية يجب أن تكون عبر مجلس الأمن. فمصاعب حظر الانتشار النووي من خلال فرض عقوبات أو الاستعانة بالقوة العسكرية كثيرة جدا، ما يجعل تبني استخدام القانون ضد الأفراد ضرورة للحد من الانتشار النووي. وبناء على نظرية «القنبلة الديمقراطية» لن يكون هناك اعتراض على امتلاك الدول الصديقة أسلحة نووية سواء على المستوى الأخلاقي أو السياسي أو الاستراتيجي. كما أنها ستعطي انطباعا بأن معاهدات مراقبة الأسلحة ليست سوى حبر على ورق، لذلك ما المانع من أن تبني الديمقراطيات الصديقة حصونا لها؟

الخلاصة

لن تكون هناك مشكلة إذا كان الحديث عن الأسلحة النووية في سياق عالم يؤمن بالديمقراطية ولكن مع الأسف، لم تحقق الديمقراطية المستقرة سوى في 25 دولة فقط من بين نحو 100 دولة حاولت التخلص من الحكم الفاشي على مدى عدة عقود سابقة. أما في الدول المرشحة لامتلاك أسلحة نووية، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، مثل مصر والسعودية، اللتين تسيران بخطى بطيئة وصعبة نحو الديمقراطية، يبدو أن استراتيجية تغيير النظام أو التحول إلى الديمقراطية غير ناجحة. ولكن في دول مثل تركيا واليابان وكوريا الجنوبية التي تحولت فعلا إلى الديمقراطية فإن الاستراتيجية لا محل لها هناك.

فالولايات المتحدة لا تتمتع بحق رفض التعاون المباشر مع الزعماء الذين يتخذون قرارات السياسة النووية التي ترغب في تغييرها، سواء اعتقدت أنهم رجال جيدون أم سيئون. كما أنها أيضا لا تتمتع بالنفوذ الكافي لحظر انتشار السلاح النووي مستقبلا إلا في ظل القوانين الدولية. وستطبق القوانين عندما تكون عادلة، وعندما ينظر إلى منتهكيها على أنهم مجرمون. وأخيرا فإن استراتيجية تجاهل القوانين الدولية لتغيير الأنظمة التي لا تحبها أميركا، وتغيير القوانين لمكافأة من تقف إلى جوارهم، لن يكتب لها النجاح.

العدد 1612 - السبت 03 فبراير 2007م الموافق 15 محرم 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً