العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ

أصوات «محمد بن فارس» تعيد الأزمة التراثية في احتفالية ربيع الثقافة

ألوان الوسط – المحرر الفني 

30 مارس 2007

لم تكن ليلة استثنائية، ولم تكن مختلفة جدا، الحضور هم الحضور، والمكان هو هو، لم يكن إلا لحنا ممتلئا بالتراثيات، أدوات وآلات موسيقية تقليدية كلاسيكية تلامس أنامل أطفال فتهيب المسامع نغمات وأنات تراثية قديمة جدا، منظر يأخذ المشاهد إلى أبعد من فترة الثلاثينات، الفترة التي عاشها المطرب محمد بن فارس «أشهر من غنى الصوت في الخليج» بحسب الشاعر مبارك العماري.

تحيلك أصوات وغناء أطفال ممن نهلوا من تراثيات أجدادهم وعلى رأسهم «بن فارس» الذي أخذوا عنه البسته والخماري وحساوي ونجدي ونتاري هم نفسهم براعم فرقة محمد بن فارس، الذين أحالوا بأناملهم وأصواتهم أغنيات «محمد بن فارس» فقدموا باقة من الأغنيات التراثية التي لم تترك أحدا إلا وذكرته بثلاثينات البحرين والخليج عموما.

ليلة لم تنفصل عن باقي الفعاليات إلا بلونها وهالتها التراثية، اللباس والآلات الموسيقية وطبيعة الجلسة، ونوعية الأغنيات، ليلة من بعض ليالي فعاليات ربيع الثقافة، وعلى مسرح الصالة الثقافية في يوم السبت الماضي 24 مارس/ آذار الجاري، الزوار الذين راحوا يترنمون بأغنيات تلك الليلة التي هي من بعض فنون الكبار، ستخدمها براعم فرقة محمد بن فارس بنفس ما كان ا يغنيها الكبار وألحانهم وأنغامهم نفسها، ولبسوا لبسهم فتراهم أطفالا في زي الكبار، واستخدموا الآليات التقليدية كالطبل ومشتقاته، ليس ليرى الجمهور أنهم يشبهون آباءهم بل في لفتة من الصغار للمحافظة على التراث المميز لفن الكبار من فناني البحرين.

هل كانت مغامرة أن يغني طفل في عمر الطفل صالح السادة الذي غنى بجرأة كبيرة أغنيات فردية فأهاب به الجمهور إذ يحفظ هذا الطفل الكثير من الألحان ويقلد الكثير من الأصوات الغنائية التي تحمل فنا من فنون الغناء يحاول هؤلاء الأطفال في فرقة براعم محمد بن فارس أن يحافظوا عليه وينقلوه في مختلف المحافل من خلال مدربين أخذوا على أنفسهم تدريب هؤلاء البراعم، ومن المدربين الفنانين عارف بوجيري وأنور القطان وسعد بوجفال ويعقوب بوجفال وعلي حسني وإشراف من الفنان عصام الجودر.

تسمعهم فتحسب أنهم يمتلكون حس نفسه ونفس أبائهم، وأصوات غامرة بأغانٍ من التراث الشعبي البحريني كالصوت البسته والخماري والأناشيد القديمة لصيادي السمك واللؤلؤ، كل ذلك مما قدموه فرقة براعم محمد بن فارس.

وما تغنوا به في ليلة «محمد بن فارس» لا يقدمه إلا نخبة من الأطفال الذين نهلوا وتدربوا على أيدي متمرسين بالتراثيات الغنائية وممن يمتلكون حسا فنيا أصيلا، فلو لا حسهم الفني لما أحالوا الصالة إلى دوحة من الفرح والبراءة، من خلال باقتهم الغنائية التراثية التي حملت عناوين مختلفة منها أصوات «خو علوي سجع» بستة «يا سعدي أنا الليلة»، حساوي «يالله هو يالله»، نجدي «ياذا الحمام» نتاري، والمقاطع الفردية من غناء صالح السادة.

أسماء لم أكن لأسمعها لولا حفل براعم فرقة محمد بن فارس الذين دربهم فنانون بحرينيون ممن أخذوا من التراث فأبدعوه لليوم وممن نهلوا من أجدادهم ليزرعوه في براعم محمد بن فارس، فأبناءه هم الأطفال الذين انضموا للفرقة والذين يمثلون نخبة من الأطفال المخلصين لتراثهم الغنائي، الذين يمارسون الفن الأصيل بفرح وحب وبراءة، فهم فخورون بما تعلموه من أجدادهم، ويجدون في مواصلة هذا الدرب الجميل والقديم إخلاصا لأرضهم ولوطنهم، هكذا عبروا لي عن أنفسهم.

إذ تعد فرقة براعم محمد بن فارس حلما راود الفرقة الأصل «فرقة محمد بن فارس» زمنا ليس بقصير، إيمانا منا بأهمية غرس الفنون الغنائية التراثية منذ الصغر، لنضمن التواصل بين الأجيال، ولنحافظ على تراثنا الغنائي الغني. وكم كانت مفاجأة بأن نكتشف بعض المواهب الصغيرة التي كانت تمارس فنون تراثية صنفت بأنها خاصة بالكبار - لصعوبة ممارستها - كفن الصوت ولفجري عزفا وغناء وإيقاعا. فموهبة مثل صالح السادة تستحق كل التشجيع والرعاية والاهتمام، إذ وجدنا هذا الطفل يمتلك الحس الفني المرهف، كما يمتلك الإخلاص لتراث وطنه، فهو حافظ - عن ظهر قلب - لعددٍ من الأصوات عزفا على العود، كما هو حافظ لإيقاعات لفجر يعلى الطبل. والأهم أنه لم ينتظر أحدا ليرشده إلى طريق الأغاني التراثية بل قلبه كان دليله.

في الحفل الثاني للفرقة الذي تحيه ضمن فعاليات ربيع الثقافة تواصل براعم فرقة محمد بن فارس تقديم ألوان أخرى من تراث البحرين الغنائي، مقترحين مشاركين جدد، طامعين في أصدقاء يشاطرونهم عشق هذه الفنون.

«بن فارس» أشهر من غنى الصوت في الخليج

يعد الفنان محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج، سجل إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية ما مجموعة 26 اسطوانة ومن أبرز أنشطته فنيا غناءه داخل السفارة البريطانية في البحرين وغناءه بفترة الثلاثينات في إذاعة البحرين المحلية (مع مجموعة فنية مثل الفنان محمد زويد والفنان عبدالله فضاله).

أخذ محمد بن فارس من أستاذه عبدالرحيم عسيري الشعر والآلحان وأدخل تجديدات على ألحان أستاذه عسيري وعمل على ما يطلق عليه بالموسيقى (لحن وتنويعاته) ويذكر المؤرخون بأن الكثير من آثار الأسلوب الحجازي ظاهرة في صوت محمد فارس وبهذا استخدم أسم (صوت حجازي) كتسمية جديدة لم تكن موجودة عند الفنانين في فترة الثلاثينيات، بل كان الأسلوب البحريني خليطا ما بين ألحان عبدالله الفرج وألحان عبدالرحيم عسيري فصاغها بصيغة فنية عالية وظهرت بشكل مستحدث وجميل، ولم يكن ليختبئ حس محمد بن فارس فلديه خاله الذي يحمل الصيت قبله فتأثر شيئا منه وهو المطرب الوحيد قبله الفنان صقر بن علي.

وأول مطرب خليجي أستخدم آلة القانون في التسجيل محمد بن فارس بالعام 1938، وفكان له الأثر البالغ في تطوير فن محمد بن فارس.

ويسجل المؤرخون أن محمد بن فارس نهض بالذوق العام للغناء التراثي والفن الراقي من خلال غناءه للقصائد جديدة فقام بجهد عظيم وزود الغناء الخليجي بقصائد أشبه بالجواهر، هذا ما سجله كتاب حمل عنوان: «محمد بن فارس أشهر من غنى الصوت في الخليج» للمؤلف الشاعر الشعبي مبارك العماري.

العدد 1667 - الجمعة 30 مارس 2007م الموافق 11 ربيع الاول 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً