العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ

التكتلات الوحدوية العربية ... في انتظار الريح

تكتلات دونكيشوت...

لقد سجلت التكتلات الوحدوية العربية على مدى القرن الماضي تراجعات عدة، ولا تخفى اليوم تلك الصورة السلبية عن مجمل تلك التكتلات الوحدوية لدى الشارع العربي عموما. البعض يشكك في أهلية الوعاء الحاوي لهذه التكتلات، معتقدا ببطلان أسسها، معتبرينها متجاوزة لإفرازات الوضع الاجتماعي وخصوصياته في كل مجتمع عربي على حدة. والبعض الآخر يقوم بتصدير «العلة» إلى ذلك المؤثر الخارجي (الاستعمار/ الدول العظمى الساعية للحفاظ على مصالحها). وهكذا، تستمر المراهنات والتحليلات في تحليل الكثير من الزوايا المتداخلة بعضها بعضا.

الجامعة العربية

تعتبر جامعة الدول العربية أهم التكتلات الوحدوية بين مجموع الأرض التي سكنها العرب منذ عهد دول الخلافة الإسلامية. وينص ميثاق المنظمة على التنسيق بين الدول الأعضاء في الشئون الاقتصادية، من ضمها العلاقات التجارية، الاتصالات، العلاقات الثقافية، الجنسيات ووثائق وأذونات السفر والعلاقات الاجتماعية والصحة. ويتخذ هذا التنظيم من مدينة القاهرة مقرا له. اما المجموع الكلي لمساحة الدول الأعضاء في المنظمة فيبلغ نحو 13،602،171 كم² ويزيد عدد المقيمين فيها على 300 مليون نسمة.

وتعود أولى دعوات نشوء الجامعة العربية إلى 29 مايو/ أيار 1941، حين ألقى وزير خارجية بريطانيا أنتونى إيدن خطابا ذكر فيه «إن العالم العربى قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية الذي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكرى العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضا».

بعد عام من الخطاب، دعا رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس كلا من رئيس الوزراء السوري جميل مردم ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخوري للتباحث حول فكرة «إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنظمة لها». وأثنى حاكم الأردن في حينه الأمير عبدالله على المبادرة. وعلى أثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلي بعض الدول العربية، وهي المشاورات التى أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجهوية وقوامها سورية الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثاني يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية والآخر يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها.

وبعد الكثير من المفاوضات اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة 25 سبتمبر إلى 7 أكتوبر/ تشرين الأول 1944 ورجح المجتمعون الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ «جامعة الدول العربية». وعلى ضوء ذلك تم التوصل إلى بروتوكول الإسكندرية الذي صار أول وثيقة تخص الجامعة. وفى 22 مارس/ آذار 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية، واعتبر يوم 22 مارس يوما عربيا لجامعتهم.

ولقد مرت الجامعة العربية بفترات عدة شهدت فيها الكثير من التجاذبات السياسية، وبرزت لساحة العمل العربي المشترك الكثير من العوائق والمنغصات، وكان الفشل العربي في جميع الحروب العربية الإسرائيلية السبب الرئيسي في إنزياح الكثير من الدول العربية نحو عقد تفاوضات ثنائية مع الدولة العبرية، أفضى البعض منها إلى توقيع اتفاقات كانت مثار جدل كبير داخل أروقة الجامعة.

وعلى الصعيد الاقتصادي أخفقت الجامعة في تأسيس تشارك اقتصادي حقيقي بين أعضائها، وهو ما جعل مجموع التجارة البينية بين الدول الأعضاء لا يصل إلى المعدلات المأمولة بما يصل حد التكامل الاقتصادي العربي الذي ظهر كبارقة أمل بين الدول الأعضاء.

ولقد لعبت النزاعات الثنائية بين الدول الأعضاء دورا مركزيا في تعطيل فعالية الجامعة، أضف لذلك ان الكثير من المواقف السلبية أمام مطالبات الجماهير العربية خصوصا في ملف الصراع العربي الإسرائيلي أدت غلى حالة من «اليأس» والتملل الشعبي وفقدان الثقة في أن تكون جامعة الدول العربية قادرة على أن تجمع الدول العربية في تجمع مشابه للاتحاد الأوروبي او حتى الإفريقي على أقل تقدير، وهو ما جعل بعض الدول العربية تدعو - وبصراحة - إلى إنهاء الجامعة وتعليق أعمالها.

الاتحاد المغاربي

أسس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير 1989 بمراكش، إذا 18 عاما من الأمل في أن يكون المغاربة العرب اتحادا حقيقيا يجمعها كدول خرجت في فترات متقاربة من يد المستعمر الفرنسي تاركا فيها الكثير من القواسم المشتركة الجديدة. الكثير من المراقبين السياسيين كان قد توقع أن تحقق هذه الوحدة المغاربية تطورا سريعا على أكثر من اتجاه، إلا أن الحاصل لدينا اليوم على سبيل المثال هو إلزام الجماهيرية الليبية مواطني بقية الاتحاد المغاربي الحصول على «فيزا»! خلاف تونس التي تعتبر علاقاتها مع الشطر المغربي على حال حسن مقارنة بالبقية.

تم حتى اليوم توقيع قرابة 37 اتفاقا بين الدول الأعضاء في الاتحاد، ستة اتفاقات فقط هي ما خرج إلى أرض الواقع. وتلعب قضية «الصحراء الغربية» في الفضائين المغربي والجزائري حجر الزاوية تأخر الكثير من الجسور الجاهزة للتفعيل بين دول الإتحاد قاطبة. واقع الحال أن الدول الأعضاء تجد نفسها اليوم قادرة على إنجاز الكثير من الخطط التنموية المشتركة وفق المعادلات الثنائية مقارنة بتلك التي تتم داخله. وياتي النموذج التونسي الليبي في المقدمة.

ويلعب البعد الأمني في كل من الجزائر والمغرب دورا مهما في تعقيد الأمور أكثر وأكثر. الجزائر خصوصا التي عصفت بها موجات العنف بين قوى الإسلاميين والعسكر تبدو مشغولة كالبقية بصراعاتها الداخلية وبملفاتها السياسية المعقدة. بعض دول الاتحاد بات مقتنعا بضرورة عدم الوقوع في المستنقع الجزائري. وعليه، يبدو البعد الأمني أيضا حسن الطالع امام هذا الاتحاد المعطل تقريبا منذ العام 1994.

مسيرة المجلس شهدت على الدوام تجاذبات عدة، المغرب طلبت في العام 1995 تجميد مؤسسات اتحاد المغرب العربي، وتمكنت الدول الأعضاء من «إعادة إحيائه بانعقاد اجتماع في الجزائر يومي 18 و19 مارس 2001 الذي ضم وزراء خارجية دول الاتحاد باستثناء المغرب الذي أوفد إلى العاصمة الجزائرية وزير الدولة للخارجية والتعاون الطيّب الفاسي بدلا من وزير الخارجية محمد بن عيسى». المغرب حينها أكدت رفضها «وضع ملف الصحراء الغربية جانبا والتفرغ لبناء المغرب العربي، بحسب اقتراح قدمته الجزائر. وقضية الصحراء الغربية لم تكن منذ إنشاء اتحاد المغرب العربي ضمن جدول الاجتماعات المغاربية، إلا أنها ألقت بظلالها على هذا اللقاء».

ثمانون مليون نسمة عدد سكان المغرب العربي اليوم، وهم يدركون اليوم - البعض منهم نسى - أن خيار الاتحاد المغاربي لا يزيد في حقيقته عن شعارات تاريخية كالتي تصدرها دول المشرق العربي. وعلى رغم أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن الوحدة المغاربية تبدو في حقيقتها أكثر منطقية بالنظر لحوادث التاريخ فإن شيئا مما قد تنتجه مثل هذه الدعوات لا يبدو ظاهرا على الواقع.

مجلس التعاون الخليجي

في 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو/ أيار 1981 توصل أصحاب الجلالة والسمو قادة كل من دولة الامارات العربية المتحدة، ودولة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت في اجتماع عقد في أبوظبي الى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف الى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين دولهم في جميع الميادين وصولا الى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الاساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي اكدت ايضا تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي، التي شددت على «ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الاسلامية، وايمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للامة العربية».

اليوم مضى سبع وعشرون عاما على هذا الاتحاد، وتتقاطع وجهات النظر في تقييم مسيرة العمل الخليجي من «السياسي» إلى «الإقتصادي» وصولا إلى «الاجتماعي». البعض يرمي بظلال التشاؤم القادمة من الجامعة العربية صوب مجلس التعاون، ويؤكد ان عملية الاتحاد الخليجي تحت منظومة المجلس لا تزيد في حقيقتها عن تنسيق مواقف في منطقة تعتبر الأهم عالميا خصوصا فيما يتعلق بمجالات الطاقة. البعض الآخر يؤكد أن المجلس حقق الكثير من النجاحات، ولعل صموده أمام أقسى تجربة تعرض لها وهي احتلال إحدى الدول المكونة له - الكويت - يعتبر أهم النجاحات الخليجية التي لا بد ألا تغيب عن الذاكرة.

وإذا ما استثيننا النزاعات التاريخية القطرية البحرينية التي حسمتها المحكمة الدولية، فإن التوتر في العلاقات السعودية القطرية يبقى أهم نقاط الضعف في الجانب السياسي بالمجلس. اما خلاف ذلك، فالمواقف السياسية بين دول المجلس تبدو متوافقة وتتجه على الدوام نحو الإتجاه نفسه. اليوم تمثل الحالة القطرية وحدها، انموذجا مغايرا لمجمل السياسات الخارجية لدول الخليج، خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات التجارية المباشرة مع «إسرائيل».

في البعد الاقتصادي تبدو المشروعات المشتركة في تفاوت، يتذكر الجميع الإشكاليات الكبرى بين دول المجلس حال توقيع بعض دوله لإتفاقات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة الأميركية خلاف الرغبة السعودية في أن يكون التوقيع مشتركا، وكذلك الحال بالنسبة إلى توحيد التعرفة الجمركية والعملة الواحدة ومشروعات الربط الكهربائي المشترك. ويرى الباحث الاقتصادي هشـام هيبـة يأن آليات التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجى تطورت منذ انشائه على مراحل متعددة، يقول: «تم التوقيع على الاتفاق الاقتصادي لدول المجلس في نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، والتي أرست قواعد العلاقات الاقتصادية، وأنشئت بموجبها منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء في مارس 1983. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2001 تم استبدال الاتفاق المذكورة، باتفاق اقتصادي جديدة، أكثر قدرة على التفاعل مع المستجدات الاقتصادية عالميا واقليميا، إذ لم يقتصر ذلك الاتفاق على الحث على التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء، بل تعدت ذلك الى تبنى برامج محددة وآليات قابلة للتنفيذ. وتجسدت أولى الثمار العملية ذلك الاتفاق في الاعلان عن قيام الاتحاد الجمركي والعملة الموحدة». ويضيف «على صعيد توحيد السياسات الاقتصادية، فقد أقر المجلس استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى -2000 - 2025، بالإضافة إلى سياسات التنمية قصيرة المدى، كما أقر الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية، والسياسة الزراعية المشتركة، كذلك الاستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون».

وامام تفاؤل هيبة يذهب البعض إلى التشكيك بقدرة مجلس التعاون الخليجي في تحقيق طموحات أبناء الخليج كافة. خصوصا في المجالين السياسي والاقتصادي. فدول الخليج مازالت تعاني من ضعف المنظومة الدفاعية. ولذلك، هي محكومة بالتوازنات الإقليمية في المنطقة، كما أن بعض دول الخليج أفرزت بوضوح خيارات اقتصادية مختلفة عما تذهب له مقررات الاتفاقات المشتركة، خصوصا الإمارات العربية المتحدة وقطر.

العدد 1703 - السبت 05 مايو 2007م الموافق 17 ربيع الثاني 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً