العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ

أمجد هو ضحية «حراس الفضيلة»و«شرطة الهوية»

الكاتب السعودي مظاهر اللاجامي في لقاء خاص بعد منع روايته في البحرين

بعد منع روايته «بيت علامتي تنصيص» في البحرين ذهب الكاتب السعودي مظاهر اللاجامي إلى أن لا سبب يمكن أن يكون مقنعا لمنع أي «إنتاج فكري أو أدبيّ أو فنّي، فممارسة الوصاية على العقل هي من منتجات النسق الثقافي والفضاء العقلي للقرون الوسطى»، ووصف اللاجامي مقولات كتب الضلال وتحريم قراءتها بأنه «إفراز لمنتج النسق القروسطيّ» لا أكثر.

«الوسط» التقت باللاجامي لتسليط الضوء على عملية المنع، وكان لنا معه هذا الحوار القصير.

كونك مؤلف رواية « بين علامتي تنصيص»، الصادرة أخيرا عن مؤسسة الانتشار العربي في بيروت، كيف تلقّيت دلالة منع الرواية في البحرين؟!

يأتي قرار المنع لرواية «بين علامتي تنصيص» في سياق ارتداديّ يطول مستويات الحياة كافة... هذا السياق مازال يعدنا كلّ يوم بمزيد من التضييق على حرية الكتابة في العالم العربيّ، وبمزيد من الإرهاب الفكريّ الممارس على المثقف، من دون أن أحصر هذا الإرهاب في تيار فكريّ دون آخر، إذ إننا أشبه بتجليات مغايرة لنسق ثقافيّ تنسجم في عمقه جميع هذه التجليات.

حراس الفضيلة وشرطة الهوية والمقولات منسجمون في إطار وإن اختلفت أشكالهم وأيديولوجياتهم. فهذه الرواية ليست الأولى التي تمنع في إحدى الدول العربية ولا أخالها ستكون الأخيرة. فتراجع الحريات أصبح سمة تشكّل المشهد الثقافي والفكريّ، فمنذ في «الشعر الجاهليّ» لطه حسين و «الإسلام وأصول الحكم» للشيخ علي عبدالرازق حتى نجيب محفوظ في «أولاد حارتنا» وصولا لحيدر حيدر ونصر حامد أبي زيد وعالية شعيب حتى حلمي سالم، أقول منذ تلك ونحن نتوغل أكثر فأكثر في أسيجة المكبوت والمسكوت عنه والممنوع من المقاربة، ولم أكن مستبعدا أن تمنع هذه الرواية لوعيي بأننا نحيا في زمن هو الأشدّ ممانعة للكتابة وحرية النشر والأعنف تسييجا لدائرة المسموح...

جاء على لسان مدير إدارة المطبوعات والنشر في وزارة الإعلام في مملكة البحرين، أن السبب في عملية المنع هي بعض الألفاظ التي تضمّنتها الرواية، هل ترى هذا السبب مقنعا؟

بدءا، أودّ أن أشير إلى أن لا سبب يمكن أن يقنعني في عملية منع تطول إنتاجا فكريا أو أدبيا أو فنّيا، فممارسة الوصاية على العقل هي من منتجات النسق الثقافي والفضاء العقلي للقرون الوسطى، فمقولات كتب الضلال وتحريم قراءتها هي إفراز لمنتج النسق القروسطيّ... هذا من الجانب العام.

أما بشأن رواية «بين علامتي تنصيص» وسبب المنع الذي قيل عن الألفاظ التي تضمنتها، فهذا مما يثير اندهاشي، فالنصّ التخيلي الإبداعي لا يحاكم من خلال مقولات الأخلاق والمسموح وغير المسموح أو من خلال الفعالية في الإصلاح فهذا يحيل النصّ الإبداعيّ لرسالة قصديّة وهذا مما لا ينتمي إلى النصّ الذي ينأى عن كونه رسالة ليصل إلى نصّ غرضه الوحيد هو جماليته، بالإضافة إلى ذلك فإن كتب التراث العربيّ تحتوي على ما نعتبره الآن من غير المقبول وربما وسمناه ــ كما يريدون ــ بالإباحية والفضائحية، فتمثيلا لا حصرا كتاب «ألف ليلة وليلة» و «ديوان أبي حكيمة»/ راشد بن إسحق الذي يحتوي على ألفاظ تجاوزت ما اعتدنا أن نسميه درجة المسموح به والمقبول، ومن جانب آخر فكثير من الروايات العربية والغربية التي تتوسّد رفوف المكتبات تحتوي على مثل هذه الألفاظ، ففي مكتبات البحرين تباع راوية «الخبز الحافي» لمحمد شكري ورواية «وليمة لأعشاب البحر» لحيدر حيدر، دون أن نغفل روايات من قبيل «عشيق الليدي شاترلي» لورانس و «إحدى عشر دقيقة» لباولو كويليو. وبعيدا عن هذا كله ففضاء الإنترنت الآن جعل من غير المقبول أن نتقبّل فكرة المنع وما إذا كانت ذا جدوى وفعالية في الحدّ من انتشار النصّ الممنوع. بل ما يحدث هو العكس تماما.

هل لك أن تحدّثنا عن الرسالة التي أردت إيصالها من خلال رواية «بين علامتي تنصيص»؟

أرى أن السؤال مخاتل من حيث انه يحيل النص الأدبيّ في حركة ارتدادية لرسالة ذات غاية (مهما كانت تجليات هذه الغاية) فالدلالة في النص ليست سابقة على الكتابة، بالإضافة إلى أني لست المثقف الرسوليّ الذي يناضل من أجل فكرة أو مبدأ أو قضية، فلست داعية أخلاق أو داعية تنوير أو رسالة أريد إيصالها من خلال أدلجة النصّ الجماليّ مع إدراكي أن الإنسان لا يعرى تماما عن الأيديولوجيا.

أما بشأن الفكرة التي تدور حولها الرواية (وهي لاحقة للكتابة وليست سابقة)، وأنا أنتجها هنا بوصفي متلقيا، فهي حكاية حب مشوّهة بين شخصيتين مثقفتين، تدخل في ثنايا هذه الحكاية حكاية الحياة بجميع تناقضاتها وطهارتها ورذائلها وقلقها وتشظيها وأفكارها (سواء كانت هذه الأفكار إيمانية أم إلحادية) لأن الإنسان بوصفه ذاتا هو رهينة حال تجاذب بين اليقين واللايقين، فشخصية أمجد شخصية مضطربة، قلقة، متناقضة في وجوديتها، قد يصفها البعض بالعدميّة، لكني لا أفضّل هذا الوصف الذي يأتي في سياق الإدانة للجيل الحديث الذي رفض ما اعتدنا تسميته قضايا كبرى بحسب حراس الفضيلة والأيديولوجيا.

من خلال هذه الحكاية رسمت صورة لمثقف لاذ بالجسد هويّة بعد أن فشل في حياته الشخصية وذلك من خلال حكاية حبّ مع شخصية سماء/ الطرف الثاني في علاقة الحبّ، وهنا أعود للألفاظ التي هي مكمن الاعتراض وسبب المنع كما ذكر مدير إدارة المطبوعات والنشر، إذ إن هذه الألفاظ تعرّي صورة المثقف وتنزع عنه هالة الوقار والأخلاق، إذ إن المثقف خارج نسقه الثقافيّ هو إنسان له رغباته وجنونه وشهواته ولا عقلانيته وأهواؤه التي قد تصنّف بأنها خارج بنية المجتمع.

العدد 1721 - الأربعاء 23 مايو 2007م الموافق 06 جمادى الأولى 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً