العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ

فنجان القهوة البسيط... استُبدِل بفنجان كابتشينو

المقهى جمع الناس قديما وصنفهم حديثا

منذ أن بدأنا نشاهد الدراما المصرية على الشاشات مطلع القرن الماضي، كنا نرى في كل فيلم ومسلسل وقصة، مقهى شعبيا، أو (القهوة) كما يحب أخواننا المصريون أن يسموها، فكان المقهى لازمة لابد منها لتكتمل الحبكة الدرامية في الفيلم، والحقيقة أن هذه الأفلام لم تكن تنسج خيالا بعيدا عن الواقع، فالمقهى في مصر وفي كل الدول العربية كان على مر السنين جزءا لا يتجزأ من المكون الأساسي لأي حي ومدينة في كل الدول بالمنطقة.

فلم تمر فترة من فترات تطور هذه المجتمعات إلا وكان للمقهى دور وحضور قويان، ففيها كان الناس يستمعون لخطابات الرئيس المصري الراحل عبدالناصر، ويناقشون قضياهم السياسية والاجتماعية، وتكثر الليالي التي يتحلقون فيها حول «الحكواتي» أو راوي القصص في بعض الدول. وبهذه الطريقة أصبح المقهى ظاهرة تاريخية عندنا، تتطور مع تطور مظاهر الحضارة لدينا.

اليوم على رغم توافر وسائل الترفيه والتجمع، التي باتت أكثر تنوعا من السابق، فإن المقهى أو ما نسميه اليوم «الكوفي شوب»، مازال يحافظ على ذلك الحضور القوي في كل مكان، وإن كان المضمون الذي يدور فيه بات يتغير ويتجه بشكل مختلف عن السابق.

فبدل خطابات عبدالناصر، والاستماع لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ، صار الناس يتابعون محطات الأغاني وبعض قنوات الترفيه والأفلام، وبدل لعب لعبة طاولة الزهر، حمل بعض الشبان أوراق الشدة أو ما يسمى «الكوتشينا»؛ ليتحلقوا حول طاولة صغيرة يلعبون لساعات، وبدل فنجان القهوة الأصيل، أو كأس الشاي، وليس «فنجان الشاي»، نرى اليوم الكابتشينو والشكولاتة الساخنة والكوكتيلات.

وإذا كان حضور الشيشة في المقاهي القديمة دائما، فنكهات اليوم تكاد لا تعد ولا تحصى، وفي كل مقهى مكان مخصص لها، تجد فوقه سحابة دخان كثيفة عادة،

ولم يختلف في المقاهي فقط ما يقدم فيها من مشروبات وما يستمع إليه الناس.

فحتى تصاميمها وديكوراتها اختلفت بشكل كبير، فبدل البساطة في الطاولات والكراسي والتصميم عموما، والذي كان الهدف منه بشكل أساسي هو إيجاد مكان للناس تتجمع فيه، نجد أن لكل مقهى شكلا مختلفا وديكورات غريبة، بعضها شرقي، وبعضها يحاول أن يميز نفسه بطابع مكسيكي، أو بطابع يوحي بالطبيعة والنباتات، فتجد القبعات المكسيكية في بعض المقاهي، والثريات البسيطة، والتحف القديمة، واللوحات الشرقية.

فيما تحاول بعض المقاهي أن تعطي طابعا أكثر كلاسيكية وفخامة، فتجد الطاولات والكراسي أكثر تكلفا من الكرسي البسيط في مقاهي أيام زمان، والإنارة خافتة في بعضها لتوحي بأجواء رومانسية، وطبعا لم تعد تقتصر جلسات المقاهي على الطاولات والكراسي، فتجد في المقهى أطقم جلوس مريحة وفاخرة، ومتعددة الأشكال في المقهى الواحد، وبالتأكيد لابد من شاشة التلفزيون العملاقة الموزعة في أكثر من زاوية وعلى أكثر من حائط في المقهى.

وإن كانت الاختلافات قد ظهرت بشكل كبير على شكل المقهى، فرواده طرأ عليهم اختلاف أيضا، فلما كان المقهى بسيطا ومكانا أكثر شعبية وقربا إلى الناس البسطاء، أصبح المقهى اليوم مكانا يستقطب طبقات أكثر ترفا، فتجد التكلف في الملابس والمظاهر، والتأنق الشديد لمن أراد أن يمر بـ «الكوفي شوب»، وعلى رغم وجود هذه الفئة، وهي ليست بقليلة، فإن المقاهي استطاعت أن تحافظ على سمة من سماتها القديمة، فمازالت بعض المقاهي مقصدا لبعض المثقفين والكتّاب والصحافيين والفنانين كما كانت قديما، فيقصدونها بشكل دائم بغية اللقاء والنقاش والحوار، حتى إن بعض المقاهي بدأت توفر بعض الخدمات لهذه الفئات كوجود الإنترنت والصحف اليومية، على حين وفرت بعض المقاهي مكتبة صغيرة، توضع في إحدى زوايا المقهى، فيساهم بعض المرتادين المثقفين الدائمين للمقهى في إضافة الكتب والدوريات إليها.

لعل بقاء هذه العادات في مرتادي المقاهي يخبرنا أنه على رغم تغير شكل المقهى وارتفاع أسعار الجلوس فيه، فإنه سيحتفظ بسمته الأصلية، وهي مقدرته على جمع الناس، «على الحلوه والمره» كما يقولون.

العدد 1793 - الجمعة 03 أغسطس 2007م الموافق 19 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً