العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ

صلاة الدخان

كٌنت طِفلة حينها لا أتذكر الكثير من تفاصيل حياتي ولكنَ تِلك، مازالت عالِقة في غصون الذاكرة، كلما سرحتُ في نفسي... ترجع بِي الساعات للوراء... مازالت رائِحة الدخان في مخيلتي.

أرتديتٌ ثوبي الوردي وسارعت لوضع منديل صغير مزركش الالوان على شعري الطويل، كُنت اشتاق للتنزه في المزرعة البعيدة. باشرتُ خطواتـِي عٌجلى، أتذكر حينها كٌنت أردد أغنية، سهرتٌ الليالي لأحفظها من فم جدتيِ. وصلتُ في منتصف النهار، الشمس حينها كانت تنثر لؤلؤها برحيق ساحر، كُنت اتراقص، اتراقص من دون وعي، أقفز التف بفستاني، حتى الازهار الورديه كانت تشاركني الرقص.غابت الشمس مجبورة ذاك النهار فكانت تكابر. كٌنت أسير ببطء كي اتمتع بمنظر الغروب وأثناء سيري أحسست بألم في جوارحي.

هبت رياح جرحت أحزاني وفَــتـكت جدار البكاء فيّ، لا أعلم حينها مالذي يجري، كانت الرائحة مغايرة لرائحة “تنور الخبز” الذي كانت جدتي تخبز بهِ. وصلت القرية مذهولة، غبار متطاير برائحة بشعة، حينها أتذكر أن قدماي لم تسعفاني للمسير، لاح لي هيكل بقايا منزل، شعرتُ بـأنهٌ منزلي... اقتربتُ وقدماي تدوسان الدمار حِجارة... طين... مياه بنية اللون، ما أن وضعت يدي على الباب إلا وقد خرّ صريعا، كٌنت مصدومة لاشيء سوى الرمال والحجارة، أقتربتٌ لزاوية كُنت أجلس فيها، وجدتي تغزل الصوف، واصلتُ الاقتراب فدستُ على كوبي الذي كٌنتُ أشرب بِه الحليب الساخن برائحة الهيل، استمريت بالمسير حاولت جاهدة أن أصرخ: أهلي أحبتي هل تسمعوني، وقدماي تحبو لغرفة ضمت أجمل سني عمري، جدران تحكي ضياع الأحلام وبقايا أطلال تروي قصص من رحلوا، أشلاء... رائِحة جثث... ضياع الآمال... رحلوا وتركوني وحيدة.

العدد 1812 - الأربعاء 22 أغسطس 2007م الموافق 08 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً