العدد 1817 - الإثنين 27 أغسطس 2007م الموافق 13 شعبان 1428هـ

عبدالرحمن النعيمي... سلاما (2)

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

في الحلقة الأولى تحدث الباحث والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان عن ست محطات مختلفة من علاقته بالسياسي عبدالرحمن النعيمي، واليوم يواصل شعبان محطاته الست الأخرى.

المحطة السابعة - البرلمان البريطاني

حضر النعيمي إلى لندن ليقدّم شهادة في البرلمان البريطاني. وكنت قد ألقيت مداخلة في جلسة الافتتاح بالبرلمان بمشاركة اللورد أفبري وقدّم د. سعيد الشهابي ود.مجيد العلوي (الوزير البحريني الحالي) وآخرون شهادات بخصوص الانتفاضة والمعارضة وكان منصور الجمري أحد أبرز الناشطين في هذا الميدان. وعندما تمت دعوتي لزيارة البحرين خلال تلك الحوادث ولإلقاء محاضرة، اتصلت بالنعيمي والجمري وعبدالهادي خلف وآخرين استطلع رأيهم فشجعوني على الزيارة. وعندما التقيت بوزير الداخلية ووزير الإعلام، كان عبدالرحمن النعيمي حاضرا فقد تردد إسمه على لساني أكثر من مرّة وأنا أتحدث عن المبعدين وقضايا محاكم أمن الدولة والاعتقال التحفظي الطويل الأمد والتعذيب وهندرسون، إضافة إلى قضية الشيخ عبد الأمير الجمري. قلت على الحكومة أن تطرح مبادرة للمصالحة وأنا واثق إن الخطوة ستقابل بخطوتين من جانب المعارضة. وأطلعت عبدالرحمن النعيمي على ما حصل.

المحطة الثامنة - التشويه والإساءة المقصودة!

حاولت بعض الاصوات الممالئة للاحتلال الإساءة إلى عبدالرحمن النعيمي وعدد من المثقفين والمناضلين العرب، بحجة أنهم تلقّوا أموالا من العراق أو كوبونات نفط. وسخر النعيمي مثلما سخر آخرون، وإذا كان البعض قد تعامل لإعتبارات سياسية أو مصلحية سرّا أو علنا، فلم يكن ذلك عبد الرحمن النعيمي بالطبع، وأصحاب هذه الحملة سرعان ما لاذوا بالصمت عندما إنكشف حجم الاختراق والفساد والكيدية!

ظل النعيمي متوازنا ومبدئيا، ولم يسمح لإعتراضاته على النظام السابق في العراق، بأن تتحول إلى صالح العدو، فلم يدّخر وِسعا إلاّ ووظفه بالضد من استمرار الحصار الدولي الجائر وضد ضرب العراق، وكان هذا موقفه منذ الأيام الاولى لاحتلال العراق، خصوصا إشمئزازه من التمذهب والطائفية.

المحطة التاسعة - العودة: الحلم

كان حلم عبدالرحمن النعيمي العودة إلى البحرين. وعاد بعد أول فرصة سنحت بذلك. استقبلته جماهير البحرين بعرس حقيقي، حملوه على الأكتاف وطافوا به هو وزملاؤه وخصوصا صديقه الوفي عبد النبي العكري. قال لي بقيت أحتفظ بهذا الحلم أكثر من ثلاثة عقود، فبعد أن درس الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت عاد للعمل في البحرين، لكن الهّم الوطني والقومي أخذاه بعيدا في إطار حركة القوميين العرب ثم إلى عدن بعد الاستقلال وإلى ظفار واستقرّ في الشام، وطالت رحلة المنفى أكثر من ثلاثة عقود.

المحطة العاشرة - الجواهري

كان متحمسا لصدور كتابي عن الجواهري: جدل الشعر والحياة (أواخر 1996)، لأنه يدرك أهمية صدوره في حياته، واعتذر عن بعض الأخطاء بسبب السرعة، وكان ينوي إعادة طبعه بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الجواهري(27 يوليو/ تموز2007). عندما توفي الجواهري سافرت في اليوم نفسه إلى دمشق لحضور مراسيم الفاتحة. وفي اليوم الأخير نظم المنتدى الثقافي ندوة عن الجواهري حاضر فيها: هادي العلوي وكاتب السطور، وأدارها جمعة الحلفي. وكنت وأنا أستعرض النص الذي أمامي أفاجأ بدخول عبدالرحمن النعيمي ورفيقه عبد النبي العكري، فتوقفت مرحبا بهما، محيّيا إياهما، متمنيا عودة مشرفة للعراقيين، ثم أكملت المحاضرة، وكان ذلك أول زيارة لهما إلى دمشق بعد عودتهما.

المحطة الحادية عشرة - البحرين

زرت البحرين عدّة مرات لإلقاء محاضرات أو للمشاركة في ندوات أو لتدريب بعض ناشطي المجتمع المدني وحقوق الإنسان. لم أفلت مرّة من دعوة غداء أو عشاء لعبد الرحمن ورفيقة عمره السيدة مريم « أم أمل أو أم خالد». كما لم أفلت مرّة من لقاء أو محاضرة في نشاط أو مخيّم يدعوني إليه عبد الرحمن وجمعية العمل الديمقراطي «وعد»، كنت أرى فيه إضافة إلى النخب الفكرية والثقافية شرائح من المجتمع البحريني السياسية والاجتماعية، من الرجال والنساء.

المحطة الثانية عشرة - عبدالرحمن يفوز في الانتخابات!

التقينا في الرياض وبعدها في بيروت. كان هاجس الانتخابات شاغله والتحالفات مع «الوفاق الإسلامي» والشيخ علي السلمان ورغبته في تحالفات أوسع. بادرته تهانينا. قال إنني لم أفز في الانتخابات... كان الفرق قليلا وحصلت تداخلات وملابسات... قلت له أعرف ذلك، لكن ما حصل هو وسام على جبينك، فعدم الفوز أوعدم النجاح، ليس فشلا أو إخفاقا... إنه هزيمة للآخرين في ظل الاصطفافات الطائفية والتجاذبات غير السياسية. عشرات المرّات وعشرات الندوات وعشرات المؤتمرات وعشرات اللقاءات وعشرات السهرات وعشرات الأماسي، كنت فيها مع النعيمي، وفي كل مرّة كنت أكثر ثقة بأنني أمام شخص نادر، بل استثنائي، في وفائه وإخلاصه، في صراحته ومبدئيته، في شجاعته وكرمه، وتلك صفات الرجال الحقيقيين، وغالبا ما كان يعتذر أو يراجع نفسه أو يتراجع إنْ شعر أنه أخطأ أو قصّر أو أهمل على الصعيد الشخصي أو السياسي، وتلك ميزة أخرى للرجال الحقيقيين أيضا. كانت لديه القدرة على نقد نفسه، ومرّة قال لي: يا رجل نحن نحمل فيروسا تسلطيا لدى كل منّا، إنه مرض الفردية وإدعاء الأفضليات!

كم بودي لو أتمكن الآن من سؤال النعيمي عن هذا الاحتفال التكريمي... أحسب بتواضعه المشهود سيقول: الأفضل أن نتفق على مشروع ونباشر فيه فورا: مجلة فكرية، مطبوع أسبوعي، برنامج أو محطة إذاعية صغيرة، برنامج أو محطة تلفزيونية متواضعة، لأنه يدرك معنى الحرف والصوت والصورة في المعركة الدائرة. نحن بحاجة إلى ندوة خاصة لدراسة أثرعبدالرحمن النعيمي وتطوره الفكري وتجربته الشخصية ناهيكم عن سجاياه وخصاله المميّزة.

لم يكن لعبدالرحمن النعيمي عدو واحد، ولكن كان له من الخصوم الكثير! أظنّه الآن يسمعنا، على رغم أنه يحلّق في سماوات بعيدة، طائرا جميلا بعينين ذكيتين وبقلب كبير.

عبدالرحمن النعيمي... سلاما

سعيد سيف*... اشتياقا

هنا الوردة فلنرقص هنا!!

@ سعيد سيف هو الإسم الحركي لعبدالرحمن النعيمي، الذي انتقاه خلال فترة النضال السري، في السبعينات والثمانينات والتسعينات، حتى عودته من المنفى إلى البحرين، مع بداية حركة الإصلاحات والانفراج السياسي.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 1817 - الإثنين 27 أغسطس 2007م الموافق 13 شعبان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً