العدد 1869 - الخميس 18 أكتوبر 2007م الموافق 06 شوال 1428هـ

النفاق وسلبياته المهلكة

النفاق مرض عضال وما استشرى في مجتمع إلا وساهم في تخلفه، وقد حفل القرآن الكريم بذم هذا الخلق في مواقع كثيرة، ففي كثير من الآيات القرآنية وضع الله سبحانه وتعالى المنافقين في منزلة المشركين وتوعدهم بعذاب شديد لما لمسلكهم المراوغ من خطورة كبيرة على المجتمع، فهم يبدلون الابيض اسودا ويزينون القبيح ليبدو جميلا، فكم من مرؤوس يمدح رئيسه طمعا في مرضاته، للحصول على رضا الرئيس، وما يصاحب هذا الرضا من امتيازات وظيفية مردها الرياء والنفاق وليس الكفاءة والانجاز، والنتيجة الكارثية لهذا النفاق في كثير من الاحيان تنصيب الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب.

وهذا النوع من النفاق يقتصرعلى الحصول على مكاسب شخصية، ولكنها إن اصبحت سلكا للديرة وانتشرت فإنها لا شك ستؤدي إلى سلبيات كثيرة لأنها تشوه الواقع، واي مجتمع لا يعيش الواقع يتعثر، لأن اقدامه لا تقف على مرتكزات صلبة اساسها الحقيقة، بل ترتكز على الزيف والرياء ولوي عنق الحقيقة لأغراض غير شرعية.

وهناك نوع آخر من النفاق على مستوى أكبر وهو الخوف من قول الحقيقة، وبالتالي اللجوء إلى النفاق لإرضاء الرئيس الذي لا يريد ان يسمع الحقيقة لانها تزعجه، وبالتالى يصب جام غضبه على من يصارحه بالحقيقة. وقد قيل عن احد الملوك الذين خسروا عرشهم ان الناصحين قالوا له ان رجال الدولة كانوا يخافون من طمس الحقيقة والكذب على ابيك، لانه كان يعاقبهم اذا اكتشف كذبهم. اما انت فرجال الدولة كانوا يخافون من قول الحقيقة امامك لانهم كانوا يخشون غضبك، وبالتالى يلجأون إلى تزييف الحقيقة». وكم من دول اصابها الدمار والكوارث من هذا النوع من النفاق، اذ كان المرؤوسون يخافون من قول الحقيقة للرئيس الذي يعتبر نفسه ملهما تنحصر ملكية فهم الحقيقة فيه! واكبر المشكلات تأتي عندما يبدأ هذا الرئيس بتصديق اعلامه الموجه الذي يكيل له المدح ليل نهار وتنتفخ عنده الانا الى درجة انه يتخذ قرارات ينفرد بها من دون استشارة احد، لتجلب الويلات والدمار على البلاد! والعجيب انه في كثير من الاحيان يخرج برأسه من بين الانقاض مدعيا الانتصار وتسايره الجوقة المنافقة حوله وترقص على دق الطبول نفسها. ولعل من اسباب تقدم الدول الغربية هو قلة وجود النفاق عندهم، لانه في غالبية الاحيان الترقيات لا تتحكم فيها الاهواء الشخصية للرئيس، واذا حصل هذا الشيء وشعر موظف بالغبن فهناك قنوات ادارية وقضائية يلجأ اليها الموظف للحفاظ على حقوقه، وكذلك على مستوى الدولة فإن الفرد هناك لا يخاف من قول الحقيقة وانتقاد المسئولين في الدولة مهما كانت مناصبهم، لأن المجتمع الديمقراطي بمؤسساته الكثيرة تحميه من اي ظلم يقع عليه من جراء انتقاده اصحاب المناصب في الدولة، بل بالعكس فإن اصحاب المناصب هناك هم الخائفون لأنهم محط انظار الناس الذين يقومون اداءهم ويمتنعون عن انتخابهم اذا وجدوا منهم تقصيرا او فسادا. النفاق مهلكة، واذا اصبح سلك الديرة تتوارى الحقيقة ويبرز الزيف مزهوا لأنه هزم الحقيقة... وهنا المأساة وليتذكر كل صاحب قلم عندما يكتب قول الله سبحانه وتعالى في الآية رقم 145 من سورة النساء «إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا».

عبدالعزيز علي حسين

العدد 1869 - الخميس 18 أكتوبر 2007م الموافق 06 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً