العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ

احتفاء البسّام بنا!

بحسب علمي ومسحي لأنشطة وفعاليات الصحف المحلية، تتصدّر «الوسط» لواحد من المشاريع الكبيرة والنادرة في المنطقة العربية: التصدّي لتكريم الكبار قبل أن يتصدّروا عناوين الصحف نعيا ورحيلا عن دنيانا.

مقالة الزميل الصديق الكبير خالد البسّام، في الزميلة «الوطن»: «لم أقترف موتا» تُحيلنا إلى ممارسة ممعنة في احترافها: تكريم الكبار بعد رحيلهم. المقالة تضمنت إشارات ورموزا بلغة ساحرة، البسّام سيّدها وصاحب السبق فيها. لكنها تعبّر عن واقع مرّ ومخزٍ وواقعي في الوقت نفسه.

ملاحظاته واستشهاداته لم تأت من فراغ. هو يعيها تماما، ولامس الكثير من تفاصيلها بدليل مقدمة مقالته الرائعة والجميلة، وبالمناسبة أنا واحد من البشر الذين لا يضيّعون أوقاتهم في قراءة معظم الأعمدة المحلية، عدا عن الاحتفاظ بنسخ منها في إرشيف خاص أسسته مع بداية صدور صحيفة الحياة»، وخالد البسّام واحد من الكتّاب العرب والمحليين الذين أحرص على الاحتفاظ بإرشيف خاص لمقالاتهم، جنبا إلى جنب قاسم حداد، علي محمد فخرو، فوزية السندي، وخليجيا، عبدالمجيد الزهراني، محمد الرطيان، سعد الصويان، أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري، الشيخ عبدالله بن خميس، أدونيس، أنسي الحاج، محمود درويش، إبراهيم الكوني، سليم بركات، وآخرين.

أعرف الصديق البسّام بشكل غير مباشر قبل 15 عاما، وقُدّر لي العمل معه في صحيفة «الأيام» قبل أكثر من سبع سنوات، وكان وقتها يشغل منصب مساعد مدير التحرير. عرفته دمثا في أخلاقه، هادئا، بسيطا، رحبا كمضِيف حاتم!.

على رغم انتسابه إلى واحدة من أعرق العائلات العربية والتجارية في منطقة الخليج العربي، إلا أنه ظل بمنأى عن التفاصيل تلك في علاقاته مع الآخرين، على تعدد مكاناتهم الإجتماعية واختلاف تلك المكانات.

قبل 5 أيام كنت في حديث على الهاتف مع الزميل مدير تحرير «الوسط» وليد نويهض، جل حديثنا دار حول الزميل البسّام. بادرته بالسؤال عن خط سير التكريم. ليلتها لم أتمكن من الحضور، كان لابد أن ألتقيه قبل بدء الحفل... أن أصافحه على أقل تقدير. لم أبرر له الأسباب التي تحول دون مشاركتي الاحتفاء به. ولم يعر الأمر كثيرا من الاهتمام. لأنه هو الآخر اكتفى باللقاء، لأنه واحد من البشر الذين يضعون ألف عذر للأصدقاء في غيابهم، من دون أن ينسى وضع الأعذار ذاتها حتى لأعدائه. إن كان ثمة أعداء له!.

قلت لنويهض ليلتها عبر الهاتف: «البسّام من البشر النادرين في دماثة خلقهم، لدرجة أنك لن تجد سببا للاستغراب حين تراه يطرق باب سيارته قبل أن يستقلها!».

مقالته حول الهاتف في البيت الكبير أثّرت فيّ كثيرا... بالتفاصيل التي وردت فيها بالمكانة الكبيرة التي تتمتع بها عائلته في قلوب الناس واهتمامهم.

منذ بداية إصدارته: «تلك الأيام، حكايات وصور من بدايات البحرين» العام 1986، بطبعتيه، و»رجال في جزائر اللؤلؤ» العام 1991، «القوافل، رحلات الإرسالية الأمريكية إلى مدن وقرى الخليج والجزيرة العربية» 1993، «خليج الحكايات» 1993، «مرفأ الذكريات، رحلات إلى الكويت القديمة» 1995، «صدمة الاحتكاك، حكايات الإرسالية الأمريكية في الخليج والجزيرة العربية»، «بريد القلب» 2000، «بساتين» 2000، «عزف على السطور» 2000، «حكايات من البحرين» 2001، نسوان زمان» 2002، «يازمان الخليج» 2002، «ثرثرة فوق دجلة» 2004، و»أضواء قلم» والرجل يشتغل على مشروعات ظلت مثار اهتمام واحتفاء بها خارج وطنه، على رغم اهتمام ضيّق ضمن دوائر ضيقة في مملكة البحرين.

اشتغال الرجل على الإرشيف وملاحقته لمصادر كتبه التي يشتغل عليها في المتاحف البريطانية وغيرها، مقارنة ومطابقة تبعث على الإعجاب. لا شئ يجبره على هكذا محنة: محنة السفر إلى بلاد الله من أجل توثيق معلومة أو التأكد من صحة مصدرها، ولكنه جُبل على الإخلاص لمشروعه، والأهم من ذلك كله، الحرص على صدقيته ودقته، وفي بلادنا العربية مترامية الأطراف، قليلون هم الذين يكترثون بهكذا توجه، وكثيرون هم الذين يعتمدون الشائعة مصدرا موثوقا بعد الكتاب والسنّة والملاحظة!.

ما الذي يمكن أن يقال بعد الكلمة الاحتفائية الجميلة للبسّام في عموده «مسامرات» يوم الأحد الموافق 28 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري؟ لكأن الرجل احتفى بكلمته تلك بكل المهمّشين والمهملين والمنسيين في هذا الوطن.

«الوسط» تصدّت لمفصل مهم وضروري اكتسبت به ريادة في هذا المجال - لاشك في ذلك - غير أن ما يدعم ذلك السبق وتلك الريادة هو أن تحاول عدم السهو والنسيان - أقول تحاول - لأن السهو والنسيان طبيعتان بشريتان، ولكن التذكير يدفع إلى التغلب عليهما، وصولا إلى الأسمى من تلك الطبيعة: إعطاء كل ذي حقه حقه.

خالد البسّام: تظل كبيرا على رغم التهميش الذي طالك لسنوات. من يحتفي بمن؟ ليس مهما. لكنني موقن أن البسّام يحتفي بنا بحضوره الجميل والمتألق دائما.

العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً