العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ

رسول إنقاذ ولـ «النساء» فقط

خالد البسام في «نسوان زمان»...

لا يمكن البتة إنكار متعة النبش في ثنايا التاريخ حيث تتكشف لدينا الحقائق الغائبة والتفاصيل المجهولة, ويبدو أن هذه اللذة هي التي قادت الكاتب والصحافي خالد البسام إلى إنجاز هو أكبر من مجرد رواية لحكايات أو تقديم لشخصيات. نبش تاريخ المرأة العربية من زاوية صحافية، قاده إلى بعث شخصيات نسوية عديدة إلى الحياة, شخصيات غابت أو غيّبت أو هي شخصيات لم تلق ما تستحقه من احتفاء أو تقدير, شخصيات منحها البسام حق العودة في كتابه «نسوان زمان».

الإشكالية التي تعترض المؤرخين دائما لدى إصدارهم أعمالا توثيقية, تكمن في سيطرة الصبغة الأكاديمية على هذه المؤلفات, فتكون النتيجة مؤلفات تسرد الحوادث بطريقة رتيبة فتقصر قراءتها - في النهاية -على النخبة الأكاديمية خصوصا.

في كتابه «نسوان زمان», حاد الكاتب والصحافي البحريني خالد البسام عن هذا الأسلوب وقدم الشخصيات النسائية التي أثثت كتابه بأسلوب توثيقي اعتمد فيه على ما نشر في الصحافة المكتوبة من مقالات تعلقت بهذه الشخصيات خلال فترة العشرينات إلى الستينات من القرن الماضي.

ولا ينكر خالد البسام هذا الأسلوب الذي عرّف من خلاله بنماذج للمرأة العربية التي كانت, في ذلك الوقت أيضا امرأة ناشطة, متميزة وفاعلة في مجالات عدة, بل على العكس تماما, هو يؤكد اختياره هذا فيقول في مقدمة كتابه «نسوان زمان»: «هذه المحاولة والصفحات ليست تأريخا ولا كتابا أكاديميا ولا تريد أن تكون كذلك, بل هي ببساطة حكايات وقصاصات وذكريات ولقطات سجلت بالكلمة والصور الفوتوغرافية الجميلة والنادرة».

تمكن الكاتب والصحافي خالد البسام في كتابه «نسوان زمان « من جمع مقالات كتبت عن ما يزيد عن السبعين شخصية نسائية عربية خلال فترة العشرينات, منهن من تعيش بيننا إلى يوم الناس هذا على غرار فيروز وفاتن حمامة, ومنهن من غادرننا جسدا فقط في حين ماتزال ذكراهن حية مثل أم كلثوم وليلى مراد ومي زيادة وفاطمة رشدي ومنهن من دخلن صفحات التاريخ فلا يذكرن إلا في مناسبات قليلة, وقد لا يذكرهن بتاتا...

و بالإضافة إلى الشخصيات التي أرّخ الكاتب لوجودها فكانت نتيجة بحثه المعمق في ما نشر من مقالات ولقاءات صحافية خلال العقود الأولى من القرن الماضي, تضمّن الكتاب توثيقا لنشاط المرأة العربية على أكثر من صعيد فتجاوز بذلك خالد البسّام الحديث عن شخصيات ميّزت بدايات القرن الماضي إلى تقديم حكايات - بالأسلوب ذاته - عن أنشطة عادة ما تكون الأولى من نوعها, في تلك الفترة التاريخية, وتشمل هذه الأنشطة مجالات متعددة, فعلى المستوى الاجتماعي تضمن الكتاب مقالا عن تأسيس أول ناد للسيدات في البحرين في سنة1953, يهدف إلى القيام بالأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين وتعليم النساء الأعمال المنزلية والمهارات اليدوية, وعلى المستوى السياسي قدم الكاتب مقالا عن محاكمة الزعيمة السياسية المصرية درية شفيق التي اتهمت آنذاك بعقد اجتماع عام من دون إخطار الجهات المسئولة في سنة1951في القاهرة وهي محاكمة تطوعت فيها عشرون محامية بالدفاع عن الزعيمة المصرية بالإضافة إلى عدد من المحامين الرجال.

ومن فلسطين قدم البسام مقالا يعود تاريخ نشره إلى سنة1929, إذ شاركت 300 سيدة لأول مرة في تاريخ فلسطين في مؤتمر نسائيّ احتججن فيه على السياسة البريطانية والهجرة اليهودية.أما من تونس فتضمن الكتاب مقالا يعود إلى سنة1952 يروي حكاية اعتصام نسائي لمئات من السيدات التونسيات في جامع الزيتونة في العاصمة تونس, احتججن فيه على اعتقال السلطات الفرنسية لزعماء الحركة الوطنية في تونس, ومن لبنان تضمّن الكتاب مقالا نشر سنة 1944 يروي حكاية تأسيس جمعية هي الأولى من نوعها في الوطن العربي تحت تسمية «جمعية قميص الفقير».

في «نسوان زمان» أكثر من امرأة هضم حقها, ماهو السبب في هذا الإجحاف الذي قوبلت به أعمالهن ونشاطاتهن, فمن منا يعرف (رشيدة الدمشقية) الثّائرة السورية التي خاضت ما يفوق الأربعين معركة في الثورة السورية, ومن منا يعرف (لندا مسعود) أول امراة تقود الطائرة في مصر وفي الشرق, بل وتعلّم الطيران لزملائها الرجال, من منا سمع يوما عن مطربة مصرية تدعى (نادرة). وهل جاءكم يوم خبر تلك الآنسة السورية التي أصدرت كتابا في سنة 1923 قوبل باهتمام كبير من قبل المثقفين البرازيليين وفازت به عن غيرها من الأديبات البرازيليات, وهل تسنى لكم يوم اطلعتم فيه على سيرة الفدائية الفلسطينية (نريمان خورشيد) التي لقبت بـ «بطلة يافا». وهل تعرفون من تكون أول محامية في سورية؟ هي فاطمة مراد التي حصلت على ليسانس الحقوق من الجامعة السورية في سنة 1932. وهل باستطاعتكم الإجابة عن سؤال قد يطرح عليكم يوما ما عن اسم مؤلف كتاب «السفور والحجاب» هي في الحقيقة مؤلفة تدعى (نظيرة زين الدين) وهي أديبة لبنانية لقيت مؤلفاتها ردود فعل كبيرة لدى صدورها في الوطن العربي.

نساء ناشطات, نساء مناضلات, نساء مبدعات, نساء طبعن بصمتهن على واقعهن وساهمن في صوغ ذلك الواقع, نساء أوفاهن خالد البسام حقهن بأن بعثهن إلى الحياة من خلال حكايات تحكي نفسها و روايات تروى دون راو.

الأكيد أن العمل التوثيقي, عمل شاق ومرهق خصوصا عندما يتعلق بإعادة الروح إلى محتوى صحافي, أصبح اليوم وثيقة تاريخية مهمة تنصف الكثيرات من النساء المبدعات, كلا في مجالها.

ما يميّز كتاب»نسوان زمان» بالإضافة إلى الحكايات التي حمّلها الكاتب في كتابه, هو تفنيده الاعتقادات في أن دور المرأة في بدايات القرن الماضي كان شبه ملغى, فخالد البسام من خلال هذا العمل التوثيقي المميز يؤكد أن المرأة كانت دوما, وبالفعل, نصف المجتمع.

العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً