العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ

الاسكندر الأحمق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مطلع الشباب، كنّا نقرأ لبعض ضعاف المثقفين، كتبا وسلاسل عن «أبطال التاريخ» و«الخالدين». وكلما كبرنا واتسعت دائرة المعرفة تكشفت الحقائق عن قتلة ومجرمين وسفاكي دماء، بنوا شهرتهم وأمجادهم على أشلاء الشعوب.

الاسكندر الأكبر، جنّد جيشا من أربعين ألف مقاتل، وخرج من مقدونيا ليغزو البلدان ويفتك بالشعوب الأخرى. وظل يقاتل معهم ثمانية أعوام، لم يشبع نهمه غزو فارس والهند، حتى وصل إلى حدود الصين. رحلةٌ طويلةٌ من القتل والمذابح والدماء، وكان يفكّر بغزو بلاد العرب لولا أن جنوده تعبوا وملّوا من الحرب، وسيطر عليهم الحنين للعودة إلى بلدهم ونسائهم وأطفالهم، وليس لأي سبب «إنساني» آخر!

وعندما زاد تمرد الجنود والضباط في آخر حروبه الدموية بالهند، جزعا من أن يقذف بهم في حروب أخرى ضد الأقوام الأخرى «البرابرة»، وقف الاسكندر يعيّرهم: «عندما تبهت الذكريات، سيذكركم التاريخ بأنكم تخليتم عن ملككم في آسيا، أما أنا فسأمضي في حروبي شرقا (الصين) بجنود من الآسيويين».

في أخريات مغامرته، لم يعد الاسكندر محبوبا بين الجنود، فلم تعد المغامرة تعِدُ بمزيد من الذهب والغنائم والنساء، وتخلى عن الكثير من المقرّبين إلى قلبه، فكل من احتج عليه قدّمه للمحاكمة وحكم عليه بالإعدام. وهكذا قضى السنوات الست الأخيرة في الشرق الأقصى البعيد، الذي لم يصله أحدٌ من قبل حتى هرقل العظيم. ولما عاد أخيرا إلى بابل في العراق، كان لايزال يحلم باتحاد الشرق والغرب، وأن يقف على شرفة القصر ليرى «العالم الجديد».

حلم «العالم الجديد» تجدّد مرارا عبر حقب التاريخ، على أيدي الحمقى والقتلة والمغامرين، آخرهم الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، فهذا الرجل الذي كان يُعالَج من الإدمان، وتهرّب من الخدمة العسكرية، ولم يكن مهتما أصلا بالسياسة، لكن رغبة أبيه دفعته إلى عالم السياسة وحكم أميركا والعالم، كما فعل الملك فيليب بدفع ابنه إلى عرش مقدونيا.

جيش الاسكندر كان يمثّل أكبر قوةٍ عسكريةٍ منظّمة تتحرّك عبر الحدود، وبعد وفاته في ريعان شبابه (في الثالثة والثلاثين)، تفكّكت الامبراطورية وتوزّعت أسلابا بين كبار قادة الجيش. بالمقابل، يمثّل جيش بوش أكبر قوة «برمائية» عابرة للقارات، لها عقيدةٌ قتاليةٌ تبيح لها غزو البلدان وإشعال الفتن والحرائق والنيران. جنودٌ فوق كل الشرائع السماوية والقوانين الدولية، تتوافّر لهم حمايةٌ كاملةٌ من أية ملاحقة قانونية أو قضائية.

هذا الجيش العرِم، وبعد عقود من الحروب المتنقلة، بدأت تظهر على جنوده أعراض «الملل المقدوني» في آخر مغامراته، بعد أن ملّوا قتال قبائل «البرابرة»، (في البقعة الجغرافية القديمة ذاتها: أفغانستان والعراق)، والرغبة الجامحة تحدوهم بالعودة إلى أطفالهم ونسائهم، وليس لأي سبب «إنساني» آخر.

أغلب أفراد طاقم الحرب الأميركي سقطوا واختفوا من الميدان (دونالد رامسفيلد وكولن باول وجون بولتون وكارل روف)، وبقي بوش يكافح مع صديقه العجوز ديك تشيني والآنسة رايس، ومغامر آخر يسمى غيتس، أرسله ليستغفل أهل الخليج على أمل أن يقود «جنودا من الآسيويين»، في حرب بربرية أخرى ضد جارتهم الآسيوية (إيران). ومع تغلّب الحكمة الخليجية، سيخطب بوش عمّا قريب: «عندما تبهت الذكريات، سيذكركم التاريخ بأنكم تخليتم عن الرئيس الأعظم، أما أنا فسأمضي في حروبي بأوامر الربّ الذي يناجيني سرا... حتى تشهدوا بأعينكم ولادة الشرق الجديد المعمّد بالعرق والأشلاء والدماء»

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1923 - الثلثاء 11 ديسمبر 2007م الموافق 01 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً