العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ

دبابة عبدالحسين عبدالرضا!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما اختار رأس النظام العراقي السابق صدّام حسين غزو الكويت الشقيق، اختار الثاني من أغسطس/آب 1990، كان نصف الشعب الكويتي يقضي إجازته في الخارج، فيما كان يتهيأ القادرون من النصف الآخر للسفر.

الغزو العسكري الذي فاجأ العالم، وأسقط ما تبقى من قناعات قديمة بأحلام الوحدة القومية و«الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة»، تحوّل إلى كابوس عاشه الكويتيون لعدة أشهر.

بعد زوال الاحتلال العراقي، اكتشف العالم هول ما جرى في الداخل، من شهداء وعمليات تعذيب وسجناء بالمئات، اقتادهم معه الجيش العراقي مع انسحابه «التكتيكي». وظلّ صدّام يتلاعب بورقة الأسرى ويكابر في الاعتراف بوجودهم في سجونه حتى يوم اختفائه وهروبه المدوّي إلى القبو.

بعد زوال الغزو، نُشرت تحقيقاتٌ صحافيةٌ كثيرةٌ عن تلك الفترة، وشاهد الرأي العام صورا لأجهزة التعذيب التي تفنّن في استخدامها النظام البعثي ضد الكويتيين، وهي شبيهةٌ بأجهزة السحل والقتل وأدوات القطع والقلع التي استخدمتها السلطات الكنسية في العهود الإقطاعية ضد المفكرين في أقبية التعذيب.

الآلام التي مرّ بها الكويتيون لا يعرفها غيرهم من الشعوب العربية التي ظلت ترقص لصدام حسين وتتغنى ببطولاته الكبيرة، ولذلك ظلّت المعاناة تلازمهم كالظل، وهو ما انعكس على صحافتهم التي انكفأت على ذاتها وأغرقت في المحلية، فلم تعد تجذب القارئ غير الكويتي لمتابعتها كما كانت طوال السبعينيات والثمانينيات. لكن... من يلوم الكويتيين على عدم القدرة على النسيان؟ من يلومهم على استمرار تذكّر الكابوس الذي أطبق على أنفاسهم بعد منتصف ليل الثاني من أغسطس؟

في تلك الفترة، شاءت المقادير أن يكون الممثل عبدالحسين عبدالرضا ممن تبقوا في الكويت أيام الغزو، ووجد نفسه واقفا ذات يومٍ في وطنه أمام نقطة تفتيش عراقية، ليسأله الضابط: «هل لديك مواد ممنوعة في السيارة»؟ فأجابه بحسه المرح: «نعم... لدي دبابة في صندوق السيارة»، فما كان من الضابط إلا أن ضحك وتركه يمر!

هذا ما حدث في الكويت قبل 17 عاما، أما في إحدى الجمهوريات العربية الديمقراطية، التي عرفها العالم بكثرة تعرّضها لانقلابات عسكرية كل سنتين أو ثلاث سنوات، فقد تم اعتقال مجموعةٍ من المواطنين العزّل، وتعرّضوا للتعذيب ليعترفوا بتفاصيل الانقلاب، وعندما وصلوا إلى قضية الأسلحة اعترف أحدهم بأنه أخفاها في بستان على ساحل البحر، فهلّل ضابط التحقيق وصاح بزملائه: ألم أقل لكم إن الانقلاب حقيقي هذه المرة؟

وهكذا ركبوا إلى البستان، ولكن عندما وصلوا إلى المنطقة لم يجدوا البحر، وإنما وجدوا فندقا جديدا وأفواجا من السياح الأجانب يلعبون الكرة، فأنزلوا المتهم من السيارة وأوسعوه ضربا بدعوى الكذب والاستهزاء بالمحقّقين والعدالة، وعندما تعبوا من ضربه، اقترب منه أحدهم يلومه: لماذا كذبت علينا، فأجاب: «أنتم أجبرتموني على الاعتراف بحيازة سلاح وأنا عمري مشفتش سلاح في حياتي، لما أكون صادق تعذّبوني ولما أكذب كمان تعذبوني... والله مشكلة معاكم».

من حسن حظ عبدالحسين عبدالرضا أنه كان ممثلا معروفا حتى لدى الجنود العراقيين، وإلاّ لسلخ الضابط العربي العراقي جلده أو أمر بقلع عينه... حتى يعترف باسم النادي أو الجمعية أو الـ «كوفي شوب» الذي أخفى فيه دبابته الجميلة!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1942 - الأحد 30 ديسمبر 2007م الموافق 20 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً