العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ

التحديات البيئية في دول مجلس التعاون (10)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

يحتوي تقرير «جيو 4» على فصل خاص يشمل تقويم حال البيئة في أقاليم العالم المختلفة (الفصل السادس: المنظور الإقليمي)، باستخدام منهجية التقويم البيئي المتكامل. والمقصود بالتقويم البيئي المتكامل هو التحليل المنظم للمشكلات والقضايا البيئية بدءا بتحديد المشكلة البيئية وتحديد القوى المسببة أو الدافعة لها، المباشرة منها وغير المباشرة، سواء كانت متغيرات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو طبيعية أو تقنية، ثم تحديد كل التأثيرات التي تسبب بها على الإنسان والبيئة المحيطة من آثار اجتماعية واقتصادية وصحية وبيئية وكلفها على المجتمع، وتقويم مستوى الاستجابة التي تقوم بها الدول لحل هذه المشكلة وتقويم كفايتها وكفاءتها في حل المشكلة البيئية.

ويأتي بعد ذلك تحليل السياسات الحالية واقتراح السياسات والإجراءات المستقبلية المطلوبة لصنّاع القرار للتعامل مع هذه المشكلة البيئية أو تخفيف حدتها وتأثيراتها، والتي عادة ما تتم مساندتها بعملية بناء السيناريوهات المستقبلية؛ للنظر في التطور المتوقع لهذه المشكلة البيئية في حال الاستمرار في اتباع السياسات الحالية أو اتخاذ سياسات أخرى ومدى فاعليتها في حل هذه المشكلة.

وبتحليل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في دول المجلس - إحدى القوى الدافعة للتأثيرات والتغيرات البيئية في هذه الدول - نجد أن دول المجلس تتسم باعتمادها الكبير على الموارد الطبيعية، إذ تعتمد هذه الدول على النفط مصدرا رئيسيا للدخل لها، ويمثل نحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 70 في المئة من إيرادات حكومات هذه الدول. ويؤدي هذا الاعتماد الكبير على النفط إلى قابلية تأثر عالية لهذه الدول للصدمات الاقتصادية وتذبذب الأسعار العالمية، ويصاحب ذلك مضاعفات كبيرة على النمو والاستقرار الاقتصادي. وأقرب مثال على ذلك ما مرت به هذه الدول في فترة الثمانينيات من العقد الماضي عندما أدت الظروف الاقتصادية وفاقمتها آنذاك الظروف السياسية إلى حالة عدم استقرار اقتصادي اتسمت بعجوزات عالية في موازنات هذه الدول وارتفاع الدَّيْن العام ونسب البطالة فيها؛ ما أدى إلى عدم استقرار اجتماعي. وتحت هذه الظروف عادة ما يتم استنزاف الموارد الطبيعية والبيئية، وإعطاء البيئة والمحافظة على الموارد أولويات جدا متأخرة في هذه الدول، بل التضحية بها في سبيل الخروج من الأزمة الاقتصادية.

ولقد أدت الإصلاحات الاقتصادية في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضي، وانتعاش أسواق النفط إلى تحقيق بعض الاستقرار الاقتصادي في فترة التسعينيات، ومع الزيادة الحادة في أسعار النفط بلغ النمو الاقتصادي ذروته منذ العام 2002. كما أن من المتوقع أن تؤدي التطورات الاقتصادية الأخيرة مثل اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة إلى المساهمة في زيادة النمو الاقتصادي والتنمية في المنطقة.

وعلى رغم هذه التطورات الاقتصادية الايجابية وأهمية النمو الاقتصادي لتحقيق التنمية في دول المجلس، فإنه يخشى ألا يرافق المبادرات الاستثمارية وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية اعتبارات حماية صحة الإنسان والمحافظة على الأصول البيئية والموارد الطبيعية بشكل كافٍ؛ ما يمكن أن يزيد من التدهور البيئي ويؤدي إلى تفاقمه في هذه الدول، وإذا ما تم إغفال هذا الجانب فقد يؤدي إلى خسارة الأصول البيئية فيها. ومن الممكن أن يؤدي ذلك على المدى البعيد إلى إضعاف مسار التنمية الاقتصادية في هذه الدول أو تقويضه والتأثير عليه. ومن المتوقع أن تؤدي الضغوط الديمغرافية التي تشهدها وستشهدها هذه الدول إلى زيادة حجم التحديات البيئية، وقد تؤدي كذلك إلى زيادة التحديات التنموية نفسها.

فعلى سبيل المثال قد يؤدي التوسع العشوائي وغير المدروس لاستثمارات المنشآت السكنية والسياحية على البيئات الساحلية والبحرية في دول المجلس ومن دون النظر إلى قيمتها البيئية إلى تدهور هذه البيئات وانخفاض إنتاجيتها، واللذين بدورهما سيؤثران على قطاع الثروة السمكية والحالتين الاقتصادية والاجتماعية لشريحة الصيادين في مجتمعات هذه الدول، أضف إلى ذلك انخفاض الأمن الغذائي لدول المجلس، والذي سيؤدي إلى استيراد كميات متزايدة من الأسماك من الخارج. كما أن تشجيع التنمية الصناعية على حل مشكلة البطالة ورفع المستويين الاجتماعي والاقتصادي للسكان من دون وضع ضوابط على الانبعاثات الغازية الملوثة للهواء ومن دون احتواء المواد الملوثة الناتجة من العمليات الصناعية المنصرفة إلى الأوساط الحيوية من هواء وماء وتربة قد يؤدي إلى تأثيرات صحية وبيئية مكلفة على هذه الدول ورفاه الإنسان ككل.

ديمغرافيا، تتسم دول مجلس التعاون بنمو سكاني عالٍ، يصل في المتوسط إلى أكثر من 3 في المئة سنويا ويعد من أعلى المعدلات في العالم، كما يصاحب ذلك معدل نمو حضري متسارع؛ بسبب النمو الاقتصادي وزيادة الطلب على العمالة الأجنبية، ويعيش غالبية سكان هذه الدول (98 في المئة) في المناطق الحضرية التي هي في غالبيتها ساحلية، بالإضافة إلى أن معظم المنشآت الصناعية تقع على سواحل هذه الدول وتصرف مخلفاتها فيها؛ ما يؤدي إلى ضغوط عالية على البيئة الساحلية والبحرية ومواردها الطبيعية وزيادة التحديات البيئية في هذه الدول. وتتميز دول المجلس بمعدلات تنمية بشرية عالية؛ إذ حصلت على درجات عالية نسبيا في تقارير التنمية البشرية التي يصدرها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويحتل معظمها تصنيف الدول الأعلى في معدل التنمية البشرية على مستوى العالم، كما أن دول المجلس قد حققت تقدما ملحوظا نحو تحقيق أهداف الألفية الإنمائية وخصوصا في الصحة والتعليم والقضاء على الفقر، ومن المتوقع أن تحقق معظم هذه الأهداف قبل العام 2015. إلا أن معظم هذه الدول تتسم بمستويات منخفضة من الحرية على مختلف المستويات، العائلية، والقبلية، والاجتماعية، والسياسية، ومعظم هذه الدول تفتقد المؤسسات السياسية والدساتير الحديثة والقوانين التي تحمي الحريات الشخصية وحقوق الإنسان، وغياب مؤسسات المجتمع المدني ودورها الفعال بصفتها طرفا ثالثا مع الحكومة والقطاع الخاص في آلية صنع السياسات في الدول الحديثة؛ ما يؤثر سلبا على عملية اتخاذ القرار والشفافية في هذه الدول.

وفي معظم دول المجلس هناك تحالف واضح ووثيق بين الحكومة والقطاع الخاص على حساب المجتمع المدني سواء بسبب غيابه أصلا في هذه الدول أو بسبب تهميشه في عملية اتخاذ القرار. إلا أن في السنوات القليلة الماضية، لوحظ تحول تدريجي وبطيء نحو الديمقراطية في معظم هذه الدول مع تفاوت في السرعة من دولة إلى أخرى؛ ما قد يزيد من مستوى المحاسبة والشفافية في هذه الدول مع الوقت.

أما بالنسبة إلى الحاكمية (أو الحوكمة) البيئية (Environmental Governance) فلقد حققت هذه الدول في العقود الماضية تقدما ملموسا في هذا المجال، إذ أنشئت في هذه الدول المؤسسات المعنية بالبيئة على المستويات الوطنية والإقليمية وسُنَّت التشريعات والتنظيمات البيئية، وإن كانت مشكلة تفعيل هذه التشريعات مازالت قائمة، ووضع بعضها استراتيجيات وخطط عمل للتنمية المستدامة، وانضم الكثير منها إلى الكثير من الاتفاقيات البيئية العالمية متعددة الأطراف. إلا أن التحدي الرئيسي في هذا المجال مازال في دمج البيئة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، أي تحريك البيئة والمحافظة عليها من واقعها الحالي في أطراف عملية صنع القرار إلى صلب هذه العملية، وأن تصبح الإدارة البيئية والاستدامة جزءا متكاملا ضمن أهداف التنمية الكلية في هذه الدول.

أما بيئيا فتتسم معظم المنطقة بالجفاف والتذبذب في معدل الأمطار المتساقطة عليها وعدم انتظامها زمانيا أو مكانيا مع ارتفاع معدلات البخر؛ ما يؤدي إلى انعدام المياه السطحية الدائمة فيها، وقلة مواردها المائية التي تتمثل في المياه الجوفية، ومحدودية مواردها الأرضية الخصبة. وتمتلك دول المنطقة أنظمة بيئية حيوية هشة وحساسة لها قابلية تأثر كبيرة لضغوط الأنشطة البشرية، وقدرة ضعيفة على استعادة حيويتها عند محاولة تأهيلها وتحتاج إلى فترات زمنية طويلة نسبيا لذلك.

وتتسم المنطقة بأهميتها الاقتصادية والسياسية للعالم بكونها المنطقة الرئيسية لتدفق النفط في العالم؛ إذ يُصدر عن الخليج العربي نحو 60 في المئة من النفط العالمي حاليا ومن المتوقع أن يزداد مع الوقت، والتدخل المستمر للقوى الخارجية في المنطقة لحماية مصالحها، وبتاريخ من الحروب والنزاعات والتوتر السياسي والهواجس الأمنية، بدأت منذ عقد الثمانينيات ومازالت مستمرة حتى يومنا هذا. ولقد أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق العسكري والأمني بشكل هائل في هذه الدول؛ ما حرم الكثير من القطاعات الأخرى الحيوية فيها من التمويل المطلوب، كما أدت العمليات والمناورات العسكرية البرية والبحرية في المنطقة إلى تدهورات عالية للبيئة وصحة الإنسان.

وفي ضوء التنمية المتسارعة في دول مجلس التعاون والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية التي تتسم بها، تم تحديد خمس قضايا بيئية رئيسية تواجهها هذه الدول ومن المتوقع أن تزداد في الحدة إذا لم يتم التصدي لها والعمل على تخفيف حدتها أو إبطال مسبباتها، وهي مشكلة ندرة المياه العذبة وتدهور نوعيتها المستمرة، ومشكلة تدهور الأراضي وتصحرها، ومشكلة تدهور البيئات الساحلية والبحرية، وتحديات إدارة البيئة الحضرية، وتأثيرات النزاعات والحروب على الإنسان والبيئة في دول المجلس. وتمثل هذه القضايا أهم التحديات البيئية التي تمر بها دول المجلس حاليا وبحسب المؤشرات الحالية فإنها من المتوقع أن تتفاقم وتؤثر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الدول على المديين المتوسط والبعيد.

وسيتم في المقال القادم استعراض هذه القضايا بالتفصيل.

كاتب المقال هو المؤلف الرئيسي للجزء الخاص بدول مجلس التعاون والمشرق العربي (منطقة غرب آسيا) في تقرير «جيو 4»

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1948 - السبت 05 يناير 2008م الموافق 26 ذي الحجة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً