العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ

بطولة الحسين (ع) حددت معنى البطولات في دنيا الإنسان

الأديب المسيحي سليمان كتاني في كتابه عن الإمام الشهيد:

لم يكن الأديب اللبناني الكبير سليمان كتاني المسيحي الوحيد الذي آمن بنهضة الإمام الحسين عليه السلام وثورته المباركة، هذه البطولة النادرة التي حفظت الإسلام وكتب الله تعالى لها الخلود وألهمت المفكرين والأدباء من مختلف الأديان وفتقت عبقرياتهم، وهو ما ترجمه الأديب كتاني في كتابه «الإمام الحسين عليه السلام في حلة البرفير» الذي يعتبر دراسة أدبية تظهيرية في سيرة الإمام، أحرزت الجائزة الأولى في مسابقة التأليف عن الإمام الشهيد(ع)، واعتبر بطولة الإمام هي البطولة القاصدة تحديد معنى البطولات في دنيا الإنسان.

ويذكر كتاني «إن القضية العظيمة التي امتلأ بها وجود الإمام علي هي التي سارت بها الصديقة الزهراء إلى باحة المسجد، وهي ذاتها التي قصف بها حسامه الإمام الحسن حقنا للدماء وصونا لوحدة المسلمين لتبقى هي ذاتها يمشي بها الحسين من مكة إلى كربلاء بجبة ما طاب له إلا أن يصبغها بدماء الوريد».

وينقلنا الأديب إلى كربلاء «إني أتمثلها الخشبة العريضة التي عرضت فوقها مشاهد الملحمة التي كان نجمها الكبير وبطلها الأوحد الحسين بن علي بن أبي طالب ونحن نستنزف النفس والأوصال في تتبع سيرته المليئة بأسرار الذات وعنفوان النفس والمنسولة نسلا من كل عبقرية يقترن بها توق الإنسان، فيقتنص له منها جناحا يطير به إلى سماوات أخرى تجعله قطبا من الأقطاب التي يعتز لها وجود الإنسان».

وقال عن الحسين: «ما أروع الحسين، يجمع عمره كله ويربطه بفيض من معاناته، ويجمعه إلى ذاته جمعا معمقا بالحس والفهم والإدراك، فإذا هو كله تعبير عن ملحمة قائمة بذاتها وكربلاء هي الصنيع الملحمي الكبير، وهي مركزة على ملحمة أخرى أصيلة هي التي قدمها جده العظيم ونفذها فوق الأرض وتحت السماء، فإذا هي ملحمة تنتصر بالإنسان، لا خيال فيها بل واقع إنساني محض من أول خطوة خرج بها من مكة إلى آخر خطوة خر بها صريعا في كربلاء العطشى وهي ضفة من ضفاف الفرات».

ويصف قتلة الحسين «إنها همجية ينفر من قبلها تحصل مطلق إنسان، وهي تجديف يجرد كل مجتمع تحصل فيه من كل قيمة حضارية وإنسانية ومجتمعية، وتصنفه من دون الدرك الحيواني المتوحش، ولا تغسله من زنخها الكريه إلا أجيال أخرى ترده إلى إعادة اعتبار نفسه إنسانا لا يجوز له أبدا أن يمثل حتى بذئب جاء يفترس نعجة مطمئنة في حظيرة». لكنه يستدرك وُيبيِِن «ليست المأساة تلك هي التي هزتني، وإن كانت قد قهرتني وقصفتني إلى ذل لا يمرغني به إلا إنسان كافر في مجتمعي، إنما المأساة في أن نكتب الكلمة ولا نعرف كيف نقرأها، لا - لم تكن مسيرة الحسين من مكة إلى العراق نزقا موصلا إلى جنون الانتحار - إنما كانت مسيرة الروح والعقل والعزم والضمير إلى الواحة الكبرى التي لا يرويها إلا العنفوان والوجدان، هو المجتمع الذي لو يتعلم بعد كيف يكتب ولا كيف يقرأ كلمة المجد أو كلمة الكرامة في حقيقة الإنسان».

ويوضح كتاني «أنا لا أقول إن الحسين قد تأبط أهل بيته وسار من مكة إلى كربلاء ليرميهم جميعا فوق رمال محروقة بالعطش، في حين ينساب إلى جنبها ماء الفرات، إنما جاء والمعين يجري من بين راحتيه والكلمة العزيزة ترقص مغزولة في عينيه، لقد جاء يعلم كيف تكتب الكلمة، وكيف يقرأها العز والمجد والعنفوان، لقد جاء بالمحاولة الكبرى، فإنها - إن لم تسمح الآن - سيكون لها مع كل غد وقع يلفظ الحرف ووقع يؤلف الكلمة، يكفي الصدى، بقاياه تتعبأ بها حنايا الكهوف ويستعين بها المجتمع النائم لصياغة حلمه فيفيق ويعود يبني نفسه من غبار المعمعة».

وانتقل المؤلف إلى ملازمة الإمام علي(ع) للنبي الأكرم(ص)، موردا إن التاريخ لم يذكر رجلا أحب وأكرم من علي على قلب النبي، أما فاطمة الزهراء(ع) فقد قال عنها إنها في عين النبي، وهي أطهر رحم يمكن أن ينجب من يليق بالميراث الأوسع من الحدود، وعلي وحده خليق بالأبوة المجيدة يحققها في جلوة التظهير، وتستحق الرسالة أن يحضر لها مسبقا كل هذا التحضير لأنها نزلت لتوحيد الأمة واسترجاعها إلى حقيقة الوجود العزيز بالإنسان بعد غياب مسحوق بأجيال من التخلف والتردي.

تناول كتاني في كتابه سيرة الإمام الحسين بدءا من البيت النبوي الشريف إلى ولادة الحسين الشهيد وطفولته الأولى، وعطف على حجة الوداع ووصية النبي(ص) في غدير خم «من كنت مولاه فهذا علي مولاه(...)، مسترسلا في نشأة الحسين والبيئة التي عاش فيها وكيف كانت غنية بمواردها الفكرية والروحية، وانتقل بسلاسة إلى عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والإمام علي فعهد الإمام الحسن وصولا إلى عهد سيد الشهداء(ع)، وفصَل في عهد الحسين موظفا الحوار بين الشخصيات كأحد أبرز ما يميز الدراسة الفريدة التي أعدها.

سليمان كتاني

من أعلام الفكر والأدب في لبنان، ولد في 29 فبراير/شباط 1912 في الولايات المتحدة، وعاد إلى بلدته بسكنتا، صنين، وهو صغير حيث تلقى تعليمه الابتدائي في مدارسها، ونال شهادة الفلسفة من معهد الحكمة، عام 1922.

- عمل في مجال التعليم لمدة 20 عاما، مدرسا لمادة الأدب العربي، وتفرغ للكتابة والتأليف، وتميز بادبه الرفيع وأفكاره العميقة، ومعالجاته الدقيقة.

- ألف سلسلة كتب عن الرسول (ص) وأهل بيته (ع)، مثل «محمد شاطئ وسحاب»، و،علي نبراس ومتراس، و«فاطمة وتر في غمد»، و«الإمام الحسن الكوثر المهدور»، و«الإمام الحسين في حلة البرفير»، و«الإمام زين العابدين عنقود مرصع». واعتبر التشيع هو «التعلق بالحقيقة التي يمثلها الفكر الإسلامي العالمي». وله كلمة مشهورة يقول فيها: «أراني أخيرا قد وجدت أهل البيت دائما في الحقيقة».

- حاز على العديد من الجوائز في لبنان والعراق وإيران.

- وتوفي في يوم مولده نفسه، 29 فبراير 2004.

العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً