العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ

من أوراق كربلاء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم تكن كربلاء حدثا عابرا في التاريخ الإسلامي، ولم يكن عاشوراء يوما كسائر الأيام.

ما حدث في كربلاء انتكاسة أمة، انقلبت بعد خمسين عاما من رحيل صاحب الرسالة الجديدة إلى مشروع امبراطوري حذّر منه وغضب منه الخليفة عمر وهو يرى بذخ معاوية بالشام.

خمسون سنة، انتقلت خلالها التجربة الثورية الجديدة من حكم شعبي، إلى ملك يورثه الأب لابنه المراهق، الذي لا يمتلك مؤهلات لتكوين أسرة، فكيف يقود أمة فيها الصحابة وأبناء الصحابة والتابعون لهم بإحسان؟

ما وقع في العام 61 للهجرة، لم يكن حدثا عابرا، وإنّما كان زلزالا هزّ كيان الأمة وأطاح بقناعاتها وآمالها بحياةٍ يسودها العدل والمساواة التي بشّر بها الرعيل الأول، بعد عقودٍ من الاستئثار والاستبداد، تخدّرت خلالها أعصاب الأمة، واستكانت إلى قدرها الغالب. بعد كربلاء، أفاقت الأمة على هول الجريمة، فقد أقدم جيش الخلافة على قتل حفيد الرسول في صحراء، بعد أن فرض حصارا لعدة أيام، منع خلالها الماء عن الأطفال والنساء.

كان الحدث زلزالا، لذلك انتفضت مدن الحجاز، فلجأ الطاغية إلى إلى إخضاعها وكسر شوكتها، فضرب الكعبة بالمنجنيق، وسلّط جنوده على مدينة الرسول، يستبيحون أعراض نساء وبنات الأنصار، ويقتلون الرجال.

الحدث ترك أثره العميق على الناس، وكان من الطبيعي أن يكون أثره أكبر على أصحاب النفوس المرهفة، الشعراء، وخصوصا بعد أن بدأت تتضح معالم الجريمة وتتسرّب تفاصيل ما وقع من فظاعات، على ألسنة بعض من شاركوا مع الجيش «المنتصر».

الرجال انتهى أمرهم ظهيرة يوم عاشوراء، لتبدأ مأساة النساء والأطفال. بدأ الجيش «المنتصر» بالإغارة على من تبقّى في المعسكر الصغير، وشرع «فرسان الخلافة» بحرق الخيام كما كانوا يفعلون أيام الجاهلية. وسيق كل من تبقى من أسرة صاحب الرسالة في قافلةٍ صغيرةٍ لتبدأ رحلة السبي المرير.

كانت المحطة الأولى الكوفة، المدينة التي كانت قبل عشرين عاما عاصمة للدولة أيام الحاكم العادل علي (ع)، فدار الزمن دورة حتى دخلتها بناته أسرى. لم يحدّثنا أحدٌ من المؤرخين عن مشاعرهن في تلك اللحظة القاتلة، لكن الشعراء المرهفين توقفوا كثيرا للمقارنة بين الزمنين، وفي مقدمتهم شاعر العراق الكبير السيد حيدر الحلّي:

مشى الدهر يوم الطف أعمى فلم يدع

عمادا لها إلاّ وفيه تعثّرا

وجشمها المسرى ببيداء قفرةٍ

ولم تدرِ قبل الطفّ ما البيد والسرى

ولم تر حتى عينُها ظلّ شخصها

إلى أن بدت في الغاضرية حُسّرا

كل تفاصيل اللوحة في كربلاء يمكن التقليل من حرقتها إلاّ ما جرى للنساء والأطفال. رحلة سبي مريرة، بقيت آثارها موزّعة على طول الطريق من العراق إلى الشام. بعضها قبور معلقة على رؤوس الجبال في حلب وضواحيها، وبعضها في الأودية والقفار، لأطفال قضوا في الطريق. آخر الآثار قبرٌ في قلب دمشق، لطفلة اسمها رقية، كانت في الرابعة، طلبت أن ترى أباها، فبعث الطاغية برأس أبيها الشهيد، فاحتضنته وأخذت تبكي حتى قضت. ألم أقل لكم إن كل التفاصيل يمكن التخفيف من حدّتها إلاّ ما جرى للنساء؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً