العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ

تَرْوِيْضُ النّمر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أن يصل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى تل أبيب في التاسع من الشهر الجاري أرسلت الإدارة الأميركية طائرة نقل عملاقة تضم طائرتي هليكوبتر وجميع سيارات الليموزين العشرين التي سيستخدمها بوش ومرافقوه! وعندما وصل الرئيس بوش كانت حاشيته السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية والإعلامية قد بلغ عدد أفرادها 665 شخصا، بينهم 250 رجلا أمن من المخابرات السرية و150 مستشارا من موظفي ومديري مجلس الأمن القومي و200 موظف من الإدارة الأميركية بشتى درجاتها، يتبعهم خمسون موظفا آخرين من العاملين في البيت الأبيض.

الرئيس بوش لم ينسَ أن يصطحب معه خمسة طبّاخين وخمسة عشر وحدة خاصة تُستخدم كلّ منها خمسة كلاب لاكتشاف المواد المتفجرة، تعاين كل شبر من المُحتمل أن يصل إليه الرئيس. ولا أدري هل أن كل هذه العدّة والعتاد كان يُقصد بها محاذير أمنية قد تطرأ داخل الكيان الصهيوني أم أنها مُخصّصة للاستخدام في الضفة الغربية التي خصّها بوش بزيارة لم تَزِد عن ساعة واحدة في حين خصّ تل أبيب والقدس المحتلة بثمانٍ وأربعين ساعة!

الرئيس الأميركي وقادة الكيان الصهيوني لم يستطيعا كتم مشاعرهما كلٌّ تجاه الآخر، وكأنه اشتياق العاشق لمعشوقه، وكم كُنت أنظر إلى رئيس الوزراء إيهود أولمرت وهو يخاطب وسائل الإعلام عندما قال إن “بوش هو أقوى وأكبر حلفاء وأصدقاء (إسرائيل) في التاريخ”، أما وزير الاستيعاب الصهيوني حايم هيرتسوغ فلم يستطع إلاّ أن يقول إن بوش “هو كنز ثمين لـ (إسرائيل)”، أما الرئيس بوش فقد بادلهم المشاعر هو الآخر، وخاطب أولمرت قائلا: “إنني جئت هنا لكي أضمن أن تكون (إسرائيل) دولة آمنة كدولة يهودية”، بل إنه لم يستطع أن يضبط إيماءاته وحركات يديه فبعث برسائل غاية في الدلالة عندما حرص على تبادل كلمات طويلة مع اثنين من وزراء الكيان الصهيوني الأكثر تطرفا وهم رئيس حزب “إسرائيل” بيتنا أفيغدور لبرمن ورئيس حزب “شاس” وإيلي يشاي وهم ذات الوزراء الرافضين لأية مفاوضات بشأن القضايا الرئيسية كالقدس واللاجئين وإزالة المستوطنات.

المسئولون الصهاينة لم يدّخروا شيئا إلاّ وعرضوه على ضيفهم ومن أهم ذلك بالتأكيد قوة إيران المتعاظمة في المنطقة وما يتطلبه ذلك من تقديم خيارات أكثر راديكالية وفي مقدمتها الخيار العسكري، بل إنهم لم يستحوا في أن يعرضوا تقريرا سريّا لجهاز الاستخبارات الصهيوني الداخلي المُسمّى الشاباك يفيد بأن الفلسطينيين الحمساويين يقطعون آلاف الكيلومترات للذهاب إلى إيران عن طريق نفق ممتد من قطاع غزة إلى الأراضي الإيرانية لتلقي التدريبات العسكرية هناك! على رغم أن من له أدنى حسّ عقلي يعلم أن أقصر مسافة بين إيران والأراضي الفلسطينية يزيد على 1300 كيلومترا وأن أطول نفق في العالم يقع تحت جبال الألب بسويسرا ويقل عن 35 كيلومترا! إنها فعلا شكاية من نوع خاص. بوش الذي جاء وغادر من دون أن تُرفَعُ له راية ترحيب شعبي في العالم العربي يجب أن يسأل مستشاريه المئتين إن كان يجهل: لماذا يكره العرب والمسلمون سياسته؟ لماذا تتظاهر الشعوب (حتى في أوروبا) عندما يهمّ بزيارة قصيرة إلى هذه الدولة أو تلك؟ لماذا أضحت شعوب العالم تختصر مشكلاتها في واشنطن، وباتت ترى أن مليارين من البشر (ثلث سكان العالم) ممن يعيشون على أقل من دولارين في اليوم هم ضحايا السياسة الأميركية، وأن الـ 850 مليون إنسان من جوعى العالم هم أيضا ضحايا السياسة الأميركية. إن هذه الشعوب ليس واقعة تحت تأثير قوة عظمى (روسيا مثلا) لكي يُصاغ تفكيرها بهذه الصورة تجاه الولايات المتحدة وإنما جلاء الأمور ووضوحها هي التي دفعت بذلك وليس شيئا آخر.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1959 - الأربعاء 16 يناير 2008م الموافق 07 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً