العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ

فاز المخفون... يا سلمان

علي الشرقي ali.alsharqi [at] alwasatnews.com

العبارة لا تعني «سلمان» معيّنا، بقدر ما تنطبق على أي «سلمان»، بل أي شخص فوق هذه المعمورة.

أما أسباب الفوز وكما ورد في هذه العبارة فهي «الخفة» بشتى أنواعها: الخفة من الذنوب، الخفة من الأحقاد، الخفة من كل ما يجر إلى غضب الله سبحانه، الخفة من كل ما يدفع إلى الغرور والاستعلاء والتكبر، الخفة من كل ما يبعث على قطيعة الأرحام، والعيش في عزلة عن الناس والأهل والمعارف، وأبناء والوطن.

كما تعني العبارة - ربما - أن الإنسان كلما زادت الماديات والوجاهة عنده، زادت مسئولياته أمام الله وأمام الناس وأمام الوطن.

وقيل إن رسول الله (ص) خاطب بهذه العبارة القيمة الصحابي الجليل سلمان لمحمدي (رض) فاز المخفون يا سلمان لا ناقة ولا جمل... يؤكد هذا ما قاله الإمام زين العابدين (ع) مناجيّا ربه: «يوم يقال للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز أم مع المثقلين أحط»، ومعناها واضح كل الوضوح.

حدثني صديق قائلا: هناك شخص في القرية التي يسكنها لوحظ عليه أمر غريب جدا، فهو حين يمر به لا يسلم، وإذا سلم عليه أحد لا يرد، بل ليتجنب القادة قدر الإمكان من دون أن يدري ما هي الأسباب.

يتابع الصديق قوله: «بدأت أفكر في أمر هذا الشخص طيلة الوقت، وقلت في نفسي لابد أنه يحمل في نفسه شيئا ما نحوي لا أعلمه - سامحه الله ولابد أن أعلمه وأغير من سلوكاته إلى النقيض. ولابد أن أنجح... لابد».

ويستطرد صديقي في كلامه: «اغتنمت مناسبة الرحلة العلاجية التي قام بها ذلك الشخص، وحين عودته من تلك الرحلة حرصت كل الحرص على زيارته في بيته للتهنئة بنجاح العلاج وسلامة العودة، إذ رحب بي مستغربا زيارتي له على رغم معاملته الجافة لي، وبدت علامات الندم والخجل على صفحة وجهه. إن سلوكه نحوي بدا عليه التغير إلى النقيض، فلم يعد يتجنبني حين التقي به، وصار يبدأني بالسلام، بل صار يسبقني بسلامه وتحيته. وهكذا، حتى صار سلوكه نحوي طبيعيا، وهو مصداق قوله تعالى «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34). أجل... هكذا تتغير النفوس، وتتغير تبعا كذلك سلوكات الأفراد فيما بينهم.

أما مقابلة السيئة بسيئة مثلها، ومواجهة التكبر بتكبر مثله تجسيدا لقول القائل «التكبر على المتكبر عبادة»، فلا ينتج عنه سوى قطع العلاقات وتلبد السماء بسحب الكراهية والبغضاء، وبالتالي تنفصم عرى المحبة بين الأهل والأصدقاء والمعارف والجيران وأبناء الوطن، وهذا ما نهى الله عنه في قوله سبحانه: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم» (الأنفال: 46)، أي تذهب قوتكم التي يجب توفيرها لمواجهة أعداء الله وأعداء دينكم. أما أهلكم، أصدقاؤكم، جيرانكم، أبناء وطنكم، فيجب أن تعيشوا معهم عيشة محبة ووئام، نابذين كل أسباب الكراهية والبغضاء والخصام.

إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"

العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً