العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ

هل ظهرت فاطمة الزهراء (ع) فعلا في البرتغال؟ (2 - 2)

استعرضنا في الجزء الاول من هذه الدراسة القصيرة عبر مشاهدات صحيحة ومراجعة علمية لما نشرعن ظهور فاطمة الزهراء (ع) في البرتغال العام 1917 في قرية نائية شمال العاصمة لشبونة في المكان الذي صار يعرف باسم «فاطيما» Fatima، وفي هذا الجزء نفند المزاعم التي تقول إن ذلك الطيف الذي ادعت لوسيا البرتغالية أنها رأته مع ابني عمها فرانسيكو وجاسينتا وتوقفنا في الجزء الاول عند الحكاية المماثلة وهي الادعاء بظهور العذراء المقدسة في 18 سبتمبر/أيلول العام 1846م في منطقة ريفية بفرنسا لراعي ابقار يدعى ميلاني Melani الذي ظهر له صبي صغير فجأة كان هو مقدمة لظهور العذراء المقدسة كما قيل. لا أريد الخوض في هذه القصة إذ ان الموضوع الرئيسي يتركز على قصة ظهور فاطمة الزهراء (ع).

وفي معرض تحليلنا لتلك الحادثة لابد ان نتوقف عند معنى المعجزة وماهيتها وظروف الزمان والمكان لحدوثها، وهو ليس تشكيكا في المعجزات الالهية فهي ذكرت على صور شتى في القرآن الكريم للأنبياء والرسل وحتى لبعض الناس العابدين كأنموذج ومثل للقدرة الالهية والرحمة والعناية الربانية وكذلك حدثت على ايدي آل بيت الرسول وأوليائه من بعده، وقبل ان نتمسك بأي حدث ديني يظهر هنا أو هناك في الشرق والغرب فنسارع الى التمسك به ونسبته الى ائمتنا (ع).

فأكبر المعجزات الالهية، ان كنا نبحث عن معجزة في هذا العصر هي العقل البشري الذي أكرمنا الله به من دون سائر المخلوقات، لكي نتعرف به ونطور إمكاناته على معطيات العصر الذي نعيشه والمستقبل أيضا. فهو يصنع اعظم المعجزات ولا حاجة بنا الى التعلق بين الفينة والاخرى بما يحدث في العالم الغربي، وبالذات المسيحي، وإلا ما معنى ان تظهر - حسبما ظن من يعتقد بذلك - الشخصية المبجلة وابنة الرسول الكريم فاطمة الزهراء (ع) لأطفال صغار في قرية برتغالية نائية، لتعين من هناك «رسولة جديدة» ونائبة عنها وعن الله - استغفر الله لترشد سكان البرتغال وأوروبا وروسيا بالذات للدين المسيحي - الكاثوليكي بالذات؟ اذا أين ذهب الاعتقاد والدين المعترف به والمنصوص عليه بظهور المهدي المنتظر (عج) الذي سيملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا. ثم لماذا الظـهور في عقر دار الكاثوليكية المتعصبة ضد الاسلام والمسلمين وما فعلوه بعد الكشوف الجغرافية على يد البرتغاليين في العالم الاسلامي في افريقيا وأسيا في القرنين 16و17 الميلاديين؟!!

لماذا ظهرت هناك

ألم نقف ونسأل انفسنا أمام تلك المعجزة - التي روجت الكنيسة الغربية - بزيارة البابا لأكثر من مرة لمنطقة فاطيما، وزيارة خاصة - كما يظهر في الصورة - من قبل البابا الحالي جون بول الثاني للراهبة لوسيا في أحد أديرة اسبانيا إذ تعيش هناك، لماذا ظهرت فاطمة الزهراء (ع) في العالم المسيحي واثناء الحرب العالمية الاولى او في نهايتها؟؟ ودعت الى نشر المسيحية الكاثوليكية وليس الاسلام الصحيح في الغرب؟، ثم ان تلك الحكاية - الاسطورة هي ضمن الموروث الديني الغربي الكاثوليكي وللترويج للكنيسة وباباواتها بعد تعرضها للضعف واهتزاز مكانتها الدينية في عقول وقلوب الغربيين. والغريب في الامر أن طيف - العذراء المحفوظة ٌمََّّمل ىْهىَ أو كما يدعوه البعض هنا بطيف ابنة الرسول الكريم (ص)، ظهر في نهاية الحرب وليس في بدايتها لا يقافها مع التركيز بشكل كبير وملفت للنظر على الاوضاع الدينية في روسيا الشيوعية!!! بينما العالم العربي والاسلامي كان يعيش في تلك الفترة الويلات نفسها من الحرب والمجاعة والموت والدمار بسبب السيطرة الاستعمارية الاوروبية على مجمل الوطن العربي ونهب خيراته وادخاله ضمن نطاق الحرب على رغم أنفه. ولماذا لم يدعُ ذلك الطيف الى خلاص العالم من الاستعمار وشروره مثلا بدلا من التركيز على ناحية دينية فقط من اضطهاد الكنيسة والسخرية من رموزها الدينية ما جعل لعنة الرب تنزل على العالم.

والنقطة الاخرى المهمة في تفنيد تلك المزاعم والرؤية ان مثل هذه الحوادث والحكايات الدينية لا تظهر إلا عند حلول المصائب وتراكمها وعجز البشر عن حلها، وهذه لعمري سنة الانسان في كل زمان ومكان ومهما بلغ ايمانه بالعالم المادي ومحسوساته فهو يلجأ الى الغيبيات والموروث الغيبي يستحضره ساعة الشدة للجوء إليه في طلب الحلول والاصلاح عن طريق المعجزات، ولكن تلك المعجزات لا تحدث إلا بإرادة الله سبحانه وتعالى وليس لأي طلب من بني البشر فما بالك بالبشر الضالين، ومسألة ظهور العذراء مثلا في العالم حدثت اكثر من مرة، بل وحتى في الوطن العربي بعد هزيمة 1967 المريرة أدعت اطراف دينية ظهور العذراء مريم في احدى كنائس مصر. وفي مسألة (فاطيما) استغلت الكنيسة الغربية هذا الموضوع احسن استغلال حتى ان محاولة الاغتيال التي تعرض لها البابا بول الثاني العام 1981 ونجاته منها كانت بسبب زياراته المتكررة للعذراء الموهوبة في فاطيما كل عشر سنوات مرة ولأن محاولة الاغتيال تلك حدثت في الذكرى الـ 64 لظهور طيف فاطيما وبسبب قلب السيدة العذراء النظيف الذي يحمي خدام الكنيسة وعلى رأسهم البابا الاكبر.

النزعة الصليبية

اعتقاد الغرب دائما - عن طريق هذه الحكاية وغيرها - بأنهم وحدهم وكما تعتقد الولايات المتحدة الآن الذين سينقذون العالم من الدمار والمآسي والجوع والخراب و«قلة الايمان» تلك نزعة دينية صليبية ترسخت في الوجدان المسيحي منذ ظهور الاسلام الذي انتزع الريادة والاحقية من المسيحيين الذين حرفوا الدين المسيحي الاول. ثم لو دققنا النظر والبحث اكثر في هذه الحكاية الغريبة لوجدنا فيها الغرائب والاسئلة التي ظلت عالقة حتى الآن من دون أجوبة وهي:

لماذا بعد ان ظهرت العذراء للمرة الاولى في 13 مايو/آيار 1917 لم تبح بالاسرار الثلاثة التي قالتها فيما بعد للاطفال فقط واوصت لوسيا بألا تخبر بها أحدا سوى فرانسيكو، - وهو مغضوب عليه كما قالت لوسيا - إلا اذا كرر التسبيح مرارا لاكثر من يوم لربما يرضى عنه الرب.

لماذا ذهبت لوسيا الى دير اسباني لتصبح راهبة تدعو الناس الى تصحيح دينهم ونشر تعاليم وطلبات - الطيف العذرائي الذي اوصاها بإيصالها الى العالم المسيحي، لماذا لم تبق في البرتغال مثلا لنشر تلك التعاليم في مكان ظهور الطيف نفسه - كما يزعمون - ثم لماذا ظهر لها الطيف مرة أخرى في اسبانيا في اعوام اخرى وهي 1925 بعد ان صار عمر لوسيا 18 سنة ودخلت سلك الرهبنة، وادعت ان العذراء المحفوظة زارتها هناك في الدير الاسباني ومعها الطفل المسيح على ش كل غيمة صغيرة وطوقتها بالحنان والرعاية وكلمها الطفل المسيح وحذر من عقاب الناس ناكري الجميل، ومرة اخرى في العام 1926 ظهر الطفل المسيح - لاحظوا زيادة اعداد وانواع الظهور - وهناك شجعها الطفل كما تقول - للاكثار من الولاء له في العالم. وطلب منها أن يذهب الناس كل أول سبت من الشهور الخمسة الآتية للاعتراف والصلاة في الكنائس، أين وأية كنائس، هل في اسبانيا، أم البرتغال أم أوروبا أو العالم كله، لا أحد يدري. وتقول لوسيا أيضا في العام 1929 ظهر فجأة فوق المصلى في الدير ضوء خارق وفوق المذبح ظهر صليب مضيء وفي أعلاه رأت وجه رجل ونصف جسمه الأعلى فقط وهو ينزف دما ويسقط ذاك الدم في وعاء وتحت الذراع الأيمن من الصليب كانت سيدتها العذراء المحفوظة بقلبها النظيف كما تصفه، وفي يدها اليسرى تاج الأشواك والنيران. ومرة أخرى تخلط العذراء الدين بالنواحي السياسية وتقول: «جاءت اللحظة التي فيها يسأل الرب البابا في الاتحاد مع كل أساقفة العالم لجعل روسيا تعود الى القلب النظيف للمسيحية، ولسوف يتم انقاذها بهذه الطريقة من الشيوعية. وإذا لم يرغب أحد في احترام طلبي هذا، مثل ملك فرنسا، فهم سيندمون ولكن سيكون ندمهم متأخرا جدا إذ لا ينفع الندم»، وظهرت العذراء مرة أخرى العام 1930 وهكذا.

استغلال الحكايات

لماذا نقحم سيدتنا وسيدة نساء العالمين في مثل هذه الأساطير والهرطقات والترّهات المسيحية؟. يقول الشيخ «محمد سند» إن الغرب المسيحي وبالذات اساطين الكنيسة الغربية التي ندمت على موافقتها فصل الدين عن الدولة في أوروبا، تستغل هذه الحكايات الغيبية بين آن وآخر - كمعجزات إلهية تختص بها المسيحية لجذب الناس من جديد الى الدين المسيحي والى ارجاع «المذنبين» الى حظيرة الكنيسة... ولكن تقول.. هيهات أن يصلح العطار ما أفسدته أيادي قساوسة وباباوات وساسة العالم الغربي الذين فصلوا الروح عن الجسد في إعادة احيائه من جديد... فذلك أمره لله وحده. ولماذا نقحم آل البيت الكرام في مثل هذه الأساطير والحكايات المسيحية ونعيد سيرة عبدالله بن سبأ من جديد لنضيف - بأيدينا هذه المرة - تهما جديدة ونلصق بدعا جديدة في مذهب أهل البيت (ع) فمعجزة القرآن الكريم التي تمثلت بين دفتيه اذ فيه «تبيان لكل شيء». وهو تنزيل من اللوح المحفوظ ومن السر الإلهي المكنون «الذي لا يمسه إلا المطهرون» وهم آل البيت الكرام الذين «اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» وتلك لعمري أعظم الكرامات وأجل المعجزات لأهل البيت (ع) ولفاطمة الزهراء بضّعة الرسول والتي جاء منها نسل سيدي شباب أهل الجنة ومنها جاء أوصياء الرسول وأئمة الاسلام والمسلمون وسيبقون كذلك حتى قيام الساعة. أفبعد هذا وبعد معجزة - عِدْل الكتاب - وهم آل البيت الذين قال فيهم الرسول الأعظم (كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تظلوا بعدي أبدا)... أفبعد هذه المعجزة الربانية الخالدة لأهل البيت نحتاج الى من يدعمها من أصحاب الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في الغرب؟ أجيبوني رحمكم الله. أضف إلى ذلك أن المسيحيين أنفسهم يناقضون أنفسهم في هذه الحكاية التي لم يستطيعوا نسجها بحبكة مقنعة سوى ببعض الغيبيات التي لا تقبل النقاش أبدا وإلا اعتبرت زندقة وتطاولا على الكنيسة كما يحدث عند بعض الفرق الإسلامية ضعيفة الحجة في النقاش وهي تكرر مقولات الكنيسة الغربية نفسها عند تفنيد الحجج الواهية بالحجج المقنعة. والتناقض يأتي من استحداث السيدة العذراء في ث

العدد 197 - الجمعة 21 مارس 2003م الموافق 17 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً