العدد 1976 - السبت 02 فبراير 2008م الموافق 24 محرم 1429هـ

التحديات البيئية في دول مجلس التعاون - إدارة البيئة الحضرية (14)

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

شهدت دول مجلس التعاون في العقدين الماضيين تنمية حضرية مكثفة وتوسّع عمراني لا سابق له في هذه الدول، ما أدّى إلى توسّع الرقعة الحضرية وبنيتها التحتية بشكل متسارع في جميع مدن دول المجلس، ونتج عن ذلك تأثيرات مختلفة على مواردها الطبيعية والبيئية والحيوية، وصحة الإنسان وجودة حياته. وكان المحرك الرئيسي لذلك معدلات النمو السكّاني العالية للمواطنين بالإضافة إلى تدفق عدد كبير من الوافدين لتلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والصناعية المتزايدة للعمالة. ولقد أدّى ذلك إلى زيادة الطلب على المياه والطاقة، وبروز مشكلة تركز النفايات الصلبة والسائلة وتناميها مع الوقت وزيادة تحديات إدارتها، وتدهور جودة الهواء في البيئة الحضرية.

ولقد فاقم من هذه حجم هذه التحديات والمشكلات الحضرية عدم كفاءة البنى التحتية والمرافق العامّة للتعامل مع هذا التوسّع الحضري المتسارع الذي يفوق في معدلاته الخطط التي وضعت من قبل هذه الدول، وارتفاع معدلات إنتاج المخلفات بشكل عام في دول المجلس، وعدم كفاءة أنظمة إدارة المخلفات وقدرتها على التعامل مع الكميات العالية المنتجة من المخلفات.

ولقد أدّت الزيادة السكانية في دول المجلس وما صاحبها من تحسن في الظروف المعيشية وتغير نمط المعيشة وقلة الوعي وعدم وجود تدخلات إدارية محفزة للترشيد إلى ارتفاع معدلات الاستهلاك، وبالتالي تعاظم حجم المخلفات والنفايات بمختلف أنواعها. وتتراوح معدلات إنتاج المخلفات البلدية الصلبة في دول المجلس ما بين 0.7 إلى 1.4 كيلوغرام للفرد في اليوم، وتشير الاحصاءات إلى تزايدها مع الوقت مشيرة إلى طغيان النمط الاستهلاكي للساكنين في دول المجلس. وعلى رغم وجود بعض برامج إعادة التدوير لبعض المخلفات في هذه الدول مثل: البلاستيك والورق والألمنيوم والمواد المعدنية، إلاّ أنها تعتبر قليلة جدا مقارنة بحجم المخلفات المنتجة. ومن جهة أخرى، تفتقر الكثير من مواقع دفن النفايات البلدية الصلبة للمواصفات الهندسية المطلوبة، وتم اختيار الكثير من هذه المواقع بشكل غير مدروس، بالإضافة إلى استخدامها للتخلص من الكثير من النفايات الأخرى التي لم تصمم لها.

وتمثل الكميات المتزايدة لمياه الصرف الصحي الناتجة عن المناطق الحضرية بسبب الزيادة المتسارعة في استهلاك المياه البلدية بما يفوق في الكثير من الأحيان طاقة محطات المعالجة تحديا إضافيا يواجه المسئولين في دول المجلس. ونتيجة لذلك يتم صرف المياه غير المعالجة أو المعالجة جزئيا في البيئة البحرية، ما يؤدّي إلى تدهورها والبيئات والأحياء القريبة منها. وتشير الدراسات التي أجريت عن حوادث نفوق الأسماك المتكررة، أو المد الأحمر، على سواحل دول المجلس في الخليج العربي إلى أنّ تصريف هذه المياه إلى البيئة البحرية بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة وعوامل أخرى مساعدة هي السبب في حدوث هذه الظاهرة.

وبينما يمثل قطاع الطاقة المحرك الرئيسي للتنمية الاقتصادية في دول المجلس، إلا أنه في الوقت نفسه يمثل المسبب الرئيسي لتدهور البيئة والأوساط الحيوية فيها. ويهيمن على قطاع الطاقة في دول المجلس مرافق النفط والغاز ومحطات توليد الطاقة الحرارية، وتمثل المصدر الرئيسي لتلوث الوسط الهوائي بواسطة انبعاث الغازات الملوثة المصاحبة لهذه العمليات.

ويعتبر استهلاك الطاقة للفرد في دول المجلس من أعلى المعدلات العالمية، إذ يصل في بعض دول المجلس لأرقام عالية جدا تبلغ 12.8 طنا نفط مكافئ للفرد في العام. ويصاحب هذا الاستهلاك نسبة عالية من الإنبعاثات الغازية تصل في المتوسط في دول المجلس إلى ضعفي المعدل العالمي البالغ نحو 4 أطنان من ثاني أكسيد الكربون للفرد في العام. ويرجع الارتفاع في معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وملوثات الهواء الأخرى مثل أكاسيد الكبريت والنتروجين في دول المجلس بشكل رئيس إلى محطات توليد الطاقة ومصانع البتروكيماويات ومصاهر الألمنيوم ومصانع الأسمدة المعتمدة أساسا على الوقود الإحفوري، بالإضافة إلى النمو المتزايد في أعداد المركبات.

ولقد قامت دول المجلس بوضع الكثير من السياسات وسن التشريعات والقوانين والمعايير لرفع كفاءة استخدام الطاقة وتقليل تلوث الهواء، إذ تم التخلص نهائيا في جميع دول المجلس من وقود المركبات الخالي من الرصاص، والتقليل من حرق الغاز، وتلبية لمعايير السوق العالمية تعهدت الكثير من دول المجلس بتخفيض نسب الكبريت في منتجاتها النفطية، كما قامت بعض الدول بإدخال المعايير المتعلقة بالمحافظة على الطاقة في إنشاء المباني.

وتمثل سياسات التحول نحو الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة والعمليات الأخرى بدلا من النفط إحدى السياسات المهمة التي قامت بها دول المجلس لتخفيض التلوث الهوائي، وخصوصا في مجال التخطيط للتكامل في مشروعات الغاز بين دول المجلس، ويمثل مشروع الدولفين لنقل الغاز، الذي سينقل 82 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي يوميا من قطر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ولاحقا لسلطنة عُمان بشبكة غاز ممتدة بين هذه الدول الثلاث لمدة 25 عاما، أحد هذه المشروعات التي من المتوقع أنْ تزيد من توفير الطاقة بين دول المجلس وأنْ ترفع الكفاءة الاقتصادية وتعمل على تخفيض التلوث البيئي. كما بدأت بعض الدول في تطوير وتشجيع مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، والتي من المتوقع أن تزداد مع الوقت في دول المجلس.

ويظل تقييم التأثيرات الكلية للتنمية الحضرية على البيئة وصحة الإنسان من الأمور الصعبة في دول المجلس بسبب عدم كفاءة أنظمة المراقبة للملوثات، وقلة الهواء الدراسات البيئية والصحية المعمقة، وخصوصا التي تربط بين التلوث وصحة الإنسان وجودة حياته، وربط التأثيرات الصحية على الإنسان من جراء التلوث بإنتاجيته والكلف التي تتحملها الدولة على هيئة رعاية صحية. وعموما هناك حاجة ملحة للتخطيط الحضري متعدد القطاعات، والمراقبة المتواصلة للملوثات، وسن التشريعات وتطبيق الأدوات الاقتصادية التي من شأنها تخفيض مستويات التلوث للبيئة الحضرية، ورفع الوعي للسكان لتغير النمط الاستهلاكي واستهلاك الطاقة.

@ كاتب المقال هو المؤلف الرئيسي للجزء الخاص بدول مجلس التعاون والمشرق العربي (منطقة غرب آسيا) في تقرير جيو 4

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1976 - السبت 02 فبراير 2008م الموافق 24 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً