العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ

طائفيون ضد «الطائفية»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

شريف وجميل ورائع جدا أن يجتمع مئتا صحافي لتوقيع «ميثاق شرف ضد الطائفية»، فهي الشر المستطير الذي لا جهاد من دون قتاله، والدمار الماحق باستقرار الأوطان، كما هو مثلج للصدر ومبشر بالخير ومنعش للآمال أن تحتفل وزارة الإعلام لهذا العام باليوم العالمي للصحافة ونشهد إلغاء ما يدعو إلى حبس الصحافيين من نصوص قانون الصحافة والطباعة والنشر المحال من الحكومة إلى السلطة التشريعية. ولكيلا نفرط في الفرحة والاستبشار بما قد يلهي أبصارنا عن أحوال واقعية مدمرة، فإننا - إن كنا أشرنا إلى القيمة الرمزية والجمالية الوطنية الراقية لمثل هذا الميثاق الشرفي - على الوزن ذاته نستفسر عن قيمته المعنوية والفعلية في التصدي للهرج الطائفي بشتى أبعاده وتشكله وتموضعه وتجوهره في مجتمعنا!

هل سيمثل حصارا وطوقا جديدا على الكتّاب والصحافيين الذين لطالما ارتزقوا من الطائفية واحتسوا على الملأ قهوتها المرّة والعمياء كما لو أنها مزاج شهد وكافور؟ هل هنالك من موقف رادع وأسلوب مقاطع ضد كل من يتبنى الطرح الطائفي ويهاجم الطوائف الأخرى وأبناءها لانتمائهم الطائفي العقدي؟ أم أن مثل هذا الميثاق إنما لا يزيد على كونه شهادة لإبراء الذمة وإشهارا بقطع أبدي للصلة مع الطائفية، وزواجا كاثوليكيا مع الوطن والوطنية، وهو في شرفه وجماله وروعته وجلاله إنما أشبه بوضع إكليل من الزهور العطرة على قبر أنيق، أو عزف لحن جماعي وسيمفونية رائعة في حجرة مغلقة؟

فإن كانت وزارة الإعلام ممثلة في وزيرها جهاد بوكمال قد وقعت رمزيا على هذا الميثاق الشرفي وهي مواقف راقية ومحترمة ليست بغريبة عليه أبدا، إلا أن حتى هذه اللحظة لاتزال المواقع والمنتديات الإلكترونية الطائفية تمجد القذارات والفواحش الطائفية علنا ومنها ما هو مرخص من وزارة الإعلام للأسف والآخر غير مرخص من دون حسيب ورقيب أو على الأقل من دون أي تحرك فعلي ضدها وضد أصحابها ومشرفيها الذين يمرغون دستورنا في الوحل ألف مرة يوميا بفعلهم هذا على مرأى من الجميع ومسمعهم!

لم يكن ميثاق شرف لوحده مهما كان محفوفا بالأماني والإشراق والنبل يكفي لوحده لكبح جماح الهيجان أو الطوفان الطائفي أو بالأحرى فيضان «البواليع» الطائفية «أعزكم الله» بسبب خلل وانسداد مزمن في أقنية وأوعية وشبكات الصرف الوطنية. فإن كانت هنالك معايير ثرثارة وفاضحة وكاشفة لمزاولة الفحش الطائفي في عرصات الصحافة والمنتديات الإلكترونية فهنالك معايير خرساء وعمياء أشد سوءا وخبثا وقتامة من شقيقتها الثرثارة لكونها تشرعن وتبرر هذا الفحش الطائفي وتلوذ به ملاذا هانئا مهما كانت النوايا والمقاصد من وراء ذلك!

وبالنسبة إلى أصحاب الصنف الأخير فما أكثرهم وأكثر أمثالهم في ساحتنا المحلية للأسف، ومنهم من يجاهر بكراهيته للطائفية ويكشف بجرأة وشجاعة بطولية قماءتها في كل شاردة وواردة إلا أنه لا يلبث ولا ينفك أبدا عن تبني الطرح الخطابي المنادي بالمحاصصة الطائفية والتعاطي مع شئون المجتمع وشجونه كما لو أنه مستشرق خدوم للامبريالية، وهو يستهدف المؤسسات والشخصيات العامة بمزاعم وحجج وبراهين قد تكون صحيحة وواقعية، إلا أن وقود ذلك الاستهداف والتربص والتصيد الصحافي البارع والحرفي إنما هو إشعال للنقمة والحقد الطائفي تكسبا لتأييد شعبي من الشارع الطائفي المريض، وشحذا للمزيد من الشهرة والمكانة الاجتماعية في أوساطه الموبوءة، ومثله وصحبه كتحالفات تجار الأسلحة مع تجار النفط التي لانزال نستنشق حرائقها!

صحيح أن من بين هؤلاء الطائفيين ضد «الطائفية» من هم من أصحاب الثقافة العميقة والاطلاع الواسع والرؤى بعيدة المدى والعقلانية الفجة، ولكن ما فائدة تلك المفاهيم النظرية والتفلسفات والحِكَم والقول البليغ طالما أنها جميعا تغتسل وتنقع ليل نهار بـ «ساب» الطائفية عسى أن تكتسب بذلك الطهارة الشعبوية المنشودة لها!

ولعمري لم أجد أصدقاء أكثر وفاء وإخلاصا وحميمية للطائفية من أولئك الطائفيين الذين يقفون ضد «الطائفية»!

هل ستقدر على هؤلاء مواثيق الشرف مهما بلغت من ألق ومهما امتلأت من أسماء زملاء أفاضل وإخوة أعزاء لا حصر لهم؟ هل ذلك يكفي؟ أم أن الأمر أعمق بكثير؟

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 2073 - الجمعة 09 مايو 2008م الموافق 03 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً