العدد 2079 - الخميس 15 مايو 2008م الموافق 09 جمادى الأولى 1429هـ

معونة الغلاء... والطامة الكبرى

في أحد الأيام كنت أتجول في سوبر ماركت قريب من المنطقة التي أسكنها، شاهدت رجلا كبيرا في السن وشابا في مقتبل العمر يدور بينهما حديث ترك في قلبي الأثر البالغ، كان ذلك الرجل يقلب في «كيس الرز» وهو يتمتم: زاد سعرها ثلاثة دنانير عن سعرها الأصلي! والحليب، والزيت، والفواكه، إلخ...

قال الشاب وهو يقهقه ويهز رأسه: وبعدنا ما شفنا شي، والله بلوى!

قلت في نفسي: سمعنا كثيرا عن تلك المعونة التي لا نرى منها إلا السراب، وحتى لو نزلت، فإن ذلك سيكون بعد أن استُنزِف من المواطن البحريني الكثير من المعاناة ولا ندري هل سيوضع حد لذلك؟ وإلى متى هذا التصاعد المستمر في الأسعار؟ مع العلم بأن (50 دينارا لن تحل إلا الجزء البسيط من المشكلة) وسيبقى السبب الرئيسي وراء غلاء الاسعار معلقا حتى إشعار آخر!

أينما نولي بوجوهنا نجد معاناة حقيقية، فمن غلاء أسعار المواد الغذائية، إلى ارتفاع إيجار «الخرايب» فشقق الإيجار القديمة والتي لا تخضع لأبسط معايير الصحة والسلامة كانت بخمسين دينارا ويريدونها بثمانين، وغدا بمئة (وإذا مو عاجبنكم اطلعوا منها)... هكذا قال صاحب الشقة للمستأجر، لأنه على يقين من أن الديرة «خربت» وليس هناك من محاسب لأمثال هؤلاء وسيظل العتب على المستأجر الذي ينتظر بيت الإسكان ولا من مجيب!

وإذا زادت علينا العلل، وذهبنا إلى المستشفى فسنزيد لعللنا علة، طوابير الآسيويين من المدخل يستقبلونكم، والبحرينيون في المركز الصحي يمثلون في كثير من الأحيان اثنين من عشرة، وبعدها يأتي الشاب الشاطر ليقول للصحافة: سنُطالب بتوسعة المركز الصحي في المنطقة الفلانية ليستوعب الزيادة المستمرة في عدد الآسيويين! هذا بدلا من أن يطالبوا بوضع حدٍ للعمالة الاجنبية السائبة!

وبدلا من أن يقف في صف واحد مع إخوته وأبناء منطقته ويعالج جرح البطالة (في معرض الوظائف)، يثير الفتن من هنا وهناك، ولأتفه الأسباب، ويدعي أن منطقته تعاني من جهل بنسبة 15 في المئة! من أين جاء بتلك النسبة؟ وإذا افترضنا أنها صحيحة وسليمة 100 في المئة فمن الذي أعطاه الجرأة على ذلك؟ ألا يعد ذلك تشهيرا وتجريحا للآخرين؟ هل هناك مواطن غيور على أرضه وأهله يقبل على نفسه ذلك الادعاء؟

وإذا تكلم أحدهم ادعوا أنه جاهل ولا يفهم في السياسة شيئا! دعوا جنابه الكريم يفعل ما يريد، فليخرق المركب بغروره، وليغرق من يغرق، لا تحاسبوه ولا تعاتبوه ولا تعاقبوه، اتركوه يحرق الأرض بمن عليها، واتركوا المواطن البحريني يعاني الأمرين: مرارة لقمة العيش ومرارة القهر، وحرموا عليه الكلام!

أعزائي... قبل أن تخنقوا الصرخة في أعماقنا، وقبل أن تمنعوا الدمعة من أن تسيل من عيوننا، وقبل أن تمنعونا من أن نسأل عن مستقبل أبنائنا، ارجعوا لأنفسكم واسألوها: إلى متى الاستخفاف بمشاعر البشر؟ ومن قال إنه من الجهل أن نسأل عن مصيرنا ومصير أبنائنا؟ ومن حرم علينا البكاء في مأتم الحزن على أرضنا التي تغرق في مستنقع الفتن ولا من مجيب؟

تجنيس، عمالة أجنبية سائبة، بطالة، حرمان من أبسط الحقوق، مع العلم أننا لسنا من الدول الفقيرة، وعلى رغم أن سعر النفط قرب إلى 120 دولارا للبرميل، فإن موازنة الدولة باقية على ما قبل ذلك، مع العلم أن مشكلة الغلاء تكمن في انخفاض سعر الدولار وليس في المواطن العربي عموما والمواطن البحريني خصوصا، كل تلك المصائب التي ذكرتها يدفع ثمنها المواطن لا غير!

وماذا بعد؟ شعب مهدد ثقافيا وعقائديا، مهدد في أرضه وبين أهله - في وطنه - هكذا دارت في خلدي كل تلك الأفكار، وإلى هنا أوصلني الألم، وأنا أنظر إلى ذلك الرجل الذي ظهر الشيب في لحيته، أليس من حقه أن يعيش بكرامة بقية عمره؟ أليس من حق ذلك الشاب أن يربي ابنه الذي على ذراعه وهو في راحة بال؟ إلى متى سنظل نسأل عن مستقبلنا المجهول؟

منيرة ربيع

العدد 2079 - الخميس 15 مايو 2008م الموافق 09 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً