العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

سماسرة «يتاجرون» ببيع الأطفال في الوطن العربي

ما هو سر اختفاء الأطفـال مـن الخليج إلى المحيط؟

ما هو السر وراء تزايد حالات اختفاء الأطفال في الوطن العربي منذ بداية عقد التسعينيات حتى الآن؟

يبدو السؤال مثيرا للدهشة، محيرا حينا وواقعا تحت معنى «المبالغة» حينا آخر و... منكرا في بعض الأحيان؟ لكن، وراء الأكمة ما وراءها؟ فحوادث اختفاء الأطفال، سواء في منطقة الخليج، أو في الدول العربية الأخرى، تبدو مهملة! وهنا تبرز الخطورة. ولا يبدو أن مجلس وزراء الداخلية العرب أو حكومات الدول العربية، قد أولت هذه القضية اهتماما، فتكتفي - في حال اختفاء طفل ما - بالإعلان عن الجهود المبذولة للبحث عن الطفل المفقود... وترصد المكافآت المالية أحيانا، وتشكل فرق البحث الأمنية والأهلية، غير أن (سوزان مبارك) قرينة الرئيس المصري حسني مبارك، هي من أخذ زمام المبادرة في العام 2007 لتنبه من خطورة الظاهرة... كيف؟

للإجابة، يلزمنا العودة الى يوم 17 يناير/ كانون الثاني من العام 2007، حيث أعلنت سوزان مبارك في الجلسة الرسمية العامة باجتماعات المركز الدولي للأطفال المفقودين الذي عقد في قصر الإليزيه بالعاصمة الفرنسية باريس «أن ظاهرة اختفاء الاطفال واستغلالهم جنسيا آفة في كل دول العالم، ومنها الدول العربية قطعا‏،‏ هي ظاهرة ذات ابعاد كبيرة تستشري‏,‏ وتستوجب حماية للاطفال من جميع أشكال العنف‏،‏ وخاصة انه كثيرا ما يتم تهريب الأطفال والاتجار بهم خارج بلادهم مما يستلزم إجراءات دولية تضمن لهم الحماية في الداخل والخارج‏».

وفي هذا الملف، الذي يأتي متزامنا مع مرور عام كامل على اختفاء الطفل بدر حسين جواد ظهيرة يوم العاشر من يوليو/ تموز من العام الماضي 2007 من أمام منزله في قرية سماهيج، نثير قضية مهمة للنقاش، علنا نتمكن من دق ناقوس الخطر، من خلال تقديم المعلومات والحقائق والبيانات الإحصائية، وشهادات عدد من المهتمين بقضايا الطفولة في العالم العربي والمنظمات الدولية.

مباشرة نحو «الكيان الصهيوني»!

هذه وثيقة مهمة، لا يجب أن تهمل أبدا، وسنتجه مباشرة نحو «الكيان الصهيوني» حيث نشرت المجلة الرسمية للشرطة الإسرائيلية في عددها الصادر في شهر يناير/ كانون الثاني من العام 1997، تقريرا كشف عن خطف مؤسسات اسرائيلية أطفالا من الأردن، والمغرب، والبرازيل، وتركيا، ومصر، منذ بداية التسعينيات، بواسطة عصابات متخصصة في الاتجار بالأعضاء البشرية، والحيوانات المنوية، والأطفال، وأشارت المعلومات إلى أن عصابة تديرها محامية إسرائيلية، هي المسئولة عن خطف آلاف الأطفال، في الدول العربية، حيث يتم نقل الأطفال؛ من أجل التمويه، من البلد الذي أُحضر منه الطفل، ومن ثم يُنقل إلى «إسرائيل».

المجلة ذاتها، قدمت معلومات وتقارير أشارت الى أن نسبة تزيد على 9 في المئة من حوادث اختفاء الأطفال من الدول العربية، تكون وراءها مافيا سوق بيع الأطفال «الإسرائيلية»، وقد أكدت هذه التقارير أن مؤسسات إسرائيلية متورطة - منذ سنوات عدة - في بيع عشرات الأطفال من العرب، لأسر لا تنجب، داخل «إسرائيل» وخارجها، بعد تبديل بيانات ديانة هؤلاء الأطفال لليهودية، وفي مقابل مادي، وضعه صندوق رعاية الطفل الإسرائيلي.

منحنيات خطيرة للاتجار بالأطفال

لا تجد رئيسة جمعية البحرين النسائية سرور قاروني، وهي مديرة «كن حرا» الذي يعتبر أول برنامج أهلي لحماية الأطفال من العنف والاعتداء الجنسي والاتجار أيضا، أدلة قاطعة على وجود عصابات في العالم العربي تنشط في مجال اختطاف الأطفال، لكنها في الوقت ذاته تعبر عن قلقها من أن ظاهرة الاتجار بالأطفال، سواء في الدول العربية أم حول العالم، تأخذ منحنيات خطيرة ومعقدة.

وتشير الى الحالتين الشهيرتين في البحرين، وهما حادثة اختفاء الطفلة «فاطمة توفيق» في العام 2002، وحادثة اختفاء الطفل «بدر حسين» في العام 2007 اللذان لم يظهر لهما أي أثر حتى الآن بالقول :»في هاتين الحادثتين، ليست لدينا أدلة تثبت أو تنفي فرضية الاختطاف... فلا يكفي أن (نعتقد) بأن الطفلين خطفا، بل يجب أن يكون بين أيدينا أدلة تعزز ذلك الافتراض».

وترى قاروني أن هناك عصابات عالمية أصبحت تتاجر بالأطفال عبر استخدام التكنولوجيا حتى الوسطاء والاستهداف والصفقات أصبحت تجرى عن طريق «الإنترنت» ما دفع ببعض الدول الغربية الى تشكيل لجان في الشرطة وفي البرلمانات للحد من توسع هذا النشاط الإجرامي.

بعض حالات الاختطاف قد ترجع الى أسباب شخصية كما ترى «قاروني»، فبعض الأشخاص ليست لديهم الشجاعة والمنطق للتعامل مع مشكلة ما، فليجأون الى إيذاء طرف ضعيف كالأطفال.

تفكيك شبكة في الجزائر

في شهر مارس/ آذار الماضي من العام الجاري 2008، تمكن عناصر الدرك «الشرطة» الجزائرية، من تفكيك شبكة متخصصة في اختطاف الأطفال وطلب فدية من أوليائهم مقابل إطلاق سراحهم سالمين، وذلك بضواحي دائرة واضية الواقعة على بعد 25 كلم عن عاصمة ولاية تيزي وزو، والشبكة التي تمّ تفكيكها تتكون من 4 عناصر، اثنان منهما من قرية تسافت ببلدية ايودوارن والآخران من الجزائر العاصمة، تمّ توقيفهم من طرف عناصر الدرك في حالة تلبس وهم بصدد محاولة اختطاف طفل من قرية آيت عبد المؤمن بواضية والذي نجا من قبضتهم.

في الجزائر، تفاقمت ظاهرة اختطاف الأطفال في السنوات الماضية بمنطقة القبائل، حيث لا يمر أسبوع دون تسجيل تعرّض الأبرياء إلى عملية أو محاولة اختطاف تنفذها جهات مجهولة الهوية، آخرها تلميذة بضواحي عين الحمام تعرضت إلى عملية اختطاف أثناء خروجها من مسكنها العائلي ولم يظهر عنها أي خبر إلى غاية اليوم، بحسب المعلومات التي قدمها موقع «الشروق» الجزائري على شبكة الإنترنت والتي أوضحت أيضا أن أطفالا تعرضوا إلى محاولة الاختطاف أخيرا بضواحي بوخالفة من طرف مجهولين، من بينهم امرأة تقوم باستدراج الأبرياء عن طريق تقديم الحلوى.

تقارير مقلقة رصدتها «الهجرة»

إبان تواجده في البحرين للمشاركة في ندوة «الاتجار بالبشر» التي نظمتها وزارة التنمية الاجتماعية في الخامس من شهر يونيو/ حزيران من العام الجاري 2008، قدم أحد الخبراء بالمنظمة وصفا موثقا ومخيفا لظاهرة اختطاف الأطفال في العالم العربي، حيث أشار الى أنه في الجمهورية الجزائرية، تشير أرقام رسمية الى أنه في العام 2006 جرى تسجيل 18 حالة اختطاف خلال شهر واحد، وبلغت أكبر نسبة في العام 2005 باختطاف 117 طفلا من بينهم 71 طفلة. وارتفع عدد المختطفين في العام 2006 حيث بلغ 168 طفلا. وسجلت مصالح الشرطة اختطاف 41 طفلا خلال الأربعة أشهر الأولى من العام الماضي 2007.

وفي أوروبا، أعادت محاولة خطف أكثر من مئة طفل من السودان وتشاد للاتجار بهم داخل أوروبا على يد جمعية فرنسية، صورة الاتجار بالإنسان الإفريقي في أبشع صورها، ولم تعد ظاهرة اختطاف الأطفال تقتصر على بلد دون آخر، ففي السعودية، سجلت المحاكم الشرعية نسبة 1.6 في المئة من مجموع القضايا المعروضة عليها، وهي نسبة مثيرة قياسا بالأوضاع الاجتماعية والدينية في هذا البلد.

وفي العراق، حذرت منظمات عراقية من تنامي ظاهرة خطف أطفال عراقيين وبيعهم رقيقا في دول مجاورة في ظاهرة تعد الأولى من نوعها بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في أبريل/ نيسان من العام 2003.

وكشف الخبير الدولي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن عمليات المتاجرة بالأطفال تأخذ أشكالا مختلفة منها عمليات خطف تنفذها عصابات متخصصة. ففي العراق، وقعت عمليات خطف للأطفال من الجنسين جرى تأشيرها في عدة مدن عراقية، وأن عمليات الخطف شملت أطفالا دون سن الخامسة عشرة يجري تهريبهم إلى دول قريبة (لم يحددها) ويباعون كرقيق ليستخدموا كعبيد أو غلمان، وفي بعض الأحيان يستخدمون للمتعة الجنسية، وهناك عراقيون يقطنون في مناطق قريبة من الحدود مع هذه الدول يتولون عملية الخطف والمتاجرة بهم.

تجارة الأطفال المذهلة

لكن الخبير يختصر حجم المأساة في عبارته التي قال فيهاان: «الأرقام عن تجارة الأطفال مذهلة... فمن يتخيل أن هناك 1.2 مليون شخص على مستوى العالم، معظمهم من النساء والأطفال، يتم الاتجار بهم سنويّا، داخل حدود البلاد، أو عبر هذه الحدود؟! وهذه الأرقام على مسئولية اليونيسيف، وقد وردت في تقرير متعلق بالمتاجرة بالأشخاص، صدر في العام 2007».

وطبقا لليونيسيف، فإن الاتجار بالبشر يدرّ مبلغا يقدر بـ 9.5 مليارات دولار في السنة، مما يجتذب عصابات الجريمة المنظمة، ويؤدي إلى تفشي الفساد على نطاق عالمي، والأرباح المتأتية من الاتجار تغذّي أنشطة جنائية أخرى.

منظمات عربية ترصد الظاهرة

وعلى إثر اتساع ظاهرة خطف الأطفال، حذر خبراء عرب ودوليون يعملون في المجال النفسي من تفشي الظاهرة، وخصوصا بعد تسجيل الجهات الأمنية في أكثر من 30 بلدا عربيا وغربيا، مئات الحالات لاختطافات متنوعة ما بين صبيان وفتيات وخادمات، وطبقا للمعلومات المتوافرة في هيئة الدفاع عن الحقوق والحريات في اليمن «هود» ومؤسسة سوزان مبارك في جمهورية مصر العربية، ولجنة الإشراف الأولي للمركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين جنسيا ومقرها فرنسا، فإن ظاهرة اختفاء الأطفال انتشرت في الكثير من المجتمعات العربية مثل المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، الجمهورية الجزائرية، الجمهورية اليمنية، وجاء دور العراق الآن باعتباره مسرحا خصبا لاختطاف الأطفال، فيما تشير تقارير تلك المنظمات إلى ارتفاع وتيرة القلق في المجتمعات العربية من ظاهرة اختطاف الأطفال القسرية... وتذهب - لجنة الإشراف بالمركز الدولي للأطفال المفقودين - مباشرة إلى التحذير من انتشار ظاهرة الاتجار بالأطفال في العالم العربي على يد سماسرة وعصابات محترفة تلزم رفع مستوى المراقبة الأمنية وفق خطة عمل مشتركة بين الدول التي لاتزال تعاني من حوادث اختفاء الأطفال!

قضية مجتمع بأكمله

المحامية البحرينية فاطمة الحواج، حذرت من أن مشكلة اختطاف الاطفال هي قضية مجتمع بأكمله، فيجب علينا كلنا مؤسسات وأفرادا نشر وعي خطورة هذه الجريمة والتصدي لها قبل ان تستفحل في المجتمع وتصبح ظاهرة يصعب حلها، بل ترسل تحذيرها على مستوى العالم أيضا، حيث تقول انه وفقا لبعض الدراسات، فإن عدد الاطفال الذين اختطفوا أو ضاعوا من ذويهم يقدر بنحو 1.3 مليون طفل في العالم ما يعني ان جريمة خطف الأطفال هي ظاهرة دولية تجب محاربتها على المستوى المحلي والأقليمي.

وتتذكر المحامية الحواج قصة الطفلة المصرية «هند» التي لم تتجاوز من العمر سوى احدى عشرة سنة اغتصبها ذئب مفترس وحملت منه وأنجبت طفلة أخرى وسارع محافظ المنطقة الى التبرع بشقة بعدما ظهر والدها على شاشات التلفزيون يحكي قصة طفلته التى انتهكت طفولتها وأصبحت أما لا تعي ما معنى الأمومة، فهي لاتزال تطمح الى ان ترجع إلى المدرسة لتلعب وتلهو مع صديقاتها ولكنها فجأة لقيت نفسها تختلف عن باقي زميلاتها وكان ذلك كله بسبب شهوة عاشها المغتصب لكي يفرغ طاقته في طفلة لا تعي ما يفعله بها.

وتستعرض الحواج مجموعة من النقاط يتوجب أخذها في الاعتبار للتصدي لظاهرة اختفاء الأطفال على المستوى المحلي منها:

1 -همية نشر الثقافة الأمنية عند الاطفال ويجب أن تكون هناك دورات تثقيفية تقوم بها وزارة الداخلية بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم ونشرها كذلك عن طريق وسائل الاعلام وشرطة المجتمع المدني.

2 - الخطاب الديني يجب ان ينشر ثقافة الضمير والأخلاق والوعي الاجتماعي ونشر ثقافة الاعتدال.

3 - اهتمام مؤسسة الشباب والرياضة بنشر الوعي الثقافي ولا يقتصر على الرياضة فقط.

4 - اهتمام الأسر بتربية أطفالهم ونشر ثقافة التربية بأنها مسئولية الأب والأم أي انها وظيفة مشتركة.

5 -الحد من التفكك الأسري.

6 - نشر الثقافة الجنسية العلمية بين أطفال المدارس والثقافة القانونية.

7 -اصدار قانون يمنع سكن العزاب في الأماكن الشعبية.

8 - تكاتف الجهات الحكومية المعنية في انشاء مراكز صيفية لإنتاج الأطفال بدل تسكعهم في الطرقات.

مليون طفل في العام

إذا، تدخل فئة «الأطفال» ضمن أكثر الفئات المستهدفة من قبل سماسرة المتاجرة بالبشر، وطبقا لخبير منظمة الهجرة الدولية (يان بلدرمان)، فإن جرائم الاتجار بالبشر على اختلاف أنواعها تشهد ارتفاعا في مختلف دول العالم، مبررا هذه الزيادة بانتشار العولمة وما تفرضه من قواعد جديدة في حرية انتقال عوامل الإنتاج، لافتا الى أن العدد التقديري لضحايا جرائم الاتجار بالبشر عبر العالم يقدر بنحو 3 ملايين، وأن عدد الضحايا من الأطفال فقط يتجاوز مليون طفل في السنة، حيث يستغل الكثير منهم كعبيد أو للتسول أو لنقل الأعضاء.

لكن الخبير «بلدرمان» يعتقد أن الوضع في البحرين لا يثير القلق، خصوصا مع اهتمام الدولة بالتشريعات التي تحمي الأطفال بل تحمي كل فئات البشر من التعرض للانتهاك، ويثني على هذا القول مدير إدارة البحث والمتابعة بالإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة بوزارة الداخلية البحرينية المقدم غازي صالح السنان الذي قال ان الأجهزة الحكومة المختصة تنشط في مجال رصد ظاهرة الاتجار بالبشر والقضاء على بعض أشكال السلوكيات لبعض الأطراف وذلك بتطبيق مواد قانون العقوبات بالبحرين حتى قبل صدور القانون الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر رقم (1) لعام 2008، كما تم الاتفاق مع منظمة الهجرة الدولية بعمل برنامج تدريب العاملين للتخصص في هذا الحقل إضافة إلى نشر ثقافة حماية ضحايا الجريمة وتوعية المجتمع حول هذه الجريمة، ما اسهم في رفع مملكة البحرين من المستوى الثالث الى المستوى الثاني في تقرير وزارة الخارجية الأميركية للعام 2007، مثنيا على تعاون الجمهور من المواطنين والمقيمين في مكافحة هذه الظاهرة وتبليغ الجهات المختصة عن أية أعمال تشكل جرائم اتجار بالبشر لمساعدة الجهات الحكومية والأهلية من أجل التصدي لهذه الظاهرة.

«مافيا» متعددة المصالح

وتشير دراسة أجرتها اليونيسيف في خمس دول أوروبية والولايات المتحدة وكندا إلى أنه تم تبني 23 ألف طفل من الدول الفقيرة العام 1997، مقابل 16 ألف طفل العام 1993.

ولا شك في أن أحدا لا يستطيع التكهن بمصير الأطفال المباعين، لأن الصلة تُقطع بين الطفل وأهله، والقضية المؤلمة هي اتجار المافيا بأعضاء الأطفال، حيث يعتقد البعض أن تجارة الأعضاء البشرية التي تمارسها مافيات متعددة الجنسية، لا تطال الصغار لسبب أو لآخر، وأن أعضاء الكبار هي المرغوبة وحسب، لكن الحقيقة هي أن أعضاء الفقراء من الكبار والصغار، وحتى الأجنة، تشكل بمجملها ميدانا لتجارة الأعضاء، ويُحذر الخبراء، من تزايد مخاطر تجارة الأطفال في الدول العربية، مع ارتفاع معدلات أطفال الشوارع. وفي هذا الصدد، تقول استاذة الصحة النفسية بكلية التربية بجامعة الزقازيق المصرية فوقية رضوان في دراسة جريئة أجرتها حول ظاهرة الاتجار بالأطفال في العالم العربي، ان الفقر من الأسباب الرئيسية للاتجار بالأطفال، إذ كثيرا ما يجري إغراء الأطفال بوعدهم بحياة جيدة، في مدن أو دولٍ أخرى، والواقع أنه يجري تبادلهم تجاريا، مثل السلع؛ للعمل في ظروف وحشية، ويتعرض الكثير منهم للضرب، وغيره من أشكال الإيذاء البدني والجنسي، على أيدي مستخدميهم.

وتضيف «على رغم أن القانون الإنساني الدولي، يُحدد كيفية حماية النساء والأطفال، والحفاظ على حقوقهم وكرامتهم، خلال الحروب والنزاعات المسلحة، إلا أنه وللأسف، لا توجد آلية دولية للسهر على تطبيق هذه القوانين، في بلد كالعراق مثلا، أو في مناطق الحروب والنزاع في الدول العربية، بشكل عام».

تحذير لكل الدول العربية

وترسل الباحثة فوقية رضوان رسالة تحذير الى كل الدول العربية، فهي تقول إن تجارة الأطفال في العالم العربي، في حاجة إلى مزيد من الرقابة والتشدد، من قبل الأجهزة الأمنية، فالطفل العربي، وما يلاقيه من صعوبات ومتاعب، في العديد من مناطق الوطن العربي، ولاسيما في فلسطين والعراق والصومال، وفي مناطق النزاع في دارفور، يحتاج إلى مزيد من الرعاية، والحماية القانونية، والتربوية، والاجتماعية، والاقتصادية للطفل.

والدول العربية، كما ترى الباحثة رضوان، مطالبة باتخاذ جميع الإجراءات، الكفيلة بالمحافظة على الطفل، واحترام حقه في الحياة، وأن تتخذ الدول العربية جميع الإجراءات التشجيعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية، الملائمة لحماية الطفل العربي، من كل أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الإهمال أو الاستغلال، بما في ذلك البيع، أو الإساءة الجنسية.

ماذا حدث في «دارفور» و«تشاد»!

يولي الباحث بصحيفة «الوطن» السعودية يوسف مكي اهتماما بقضايا الاتجار بالبشر، فهو يرى أن الهدف من وراء خطف الأطفال الاتجار بهم وبيعهم للعصابات، أو قتلهم وبيع أعضائهم... ربما تحت شعار مظلل وهو «توفير حياة كريمة أفضل لهم، وتجنيبهم غائلة الفقر، والقضاء على الأمية».

ويستدرك ليقدم قصة فيقول: «القصة باختصار، كما أوردتها وكالات الأنباء، هي أن منظمة فرنسية غير حكومية، قيل إنها تعنى بحقوق الإنسان تدعى «أرش دي زويه» أسسها إطفائي فرنسي في إحدى ضواحي العاصمة باريس بعد كارثة تسونامي. هذه المنظمة وسعت أنشطتها، وأعلن القائمون عليها أنهم نظموا حملة من أجل إنقاذ أطفال دارفور متعهدين بإحضار عشرة آلاف طفل إلى فرنسا واتصلوا لهذه الغاية بعائلات فرنسية راغبة في تبني أطفال أو استقبالهم». وتكشف لاحقا، كما أوضحته التحقيقات، أن هذه المنظمة عرضت أن تدفع العوائل التي ترغب في تبني الأطفال مبالغ مالية تتراوح بين 2000 و8000 يورو للطفل الواحد ووقعوا اتفاقات معها. وعند اقتراب موعد التنفيذ، أعلن أن السلطات التشادية أحبطت محاولة إقلاع طائرة خاصة، تقل 103 أطفال تتراوح أعمارهم بين عامين وخمسة أعوام ينتمي غالبيتهم لقبائل الزغاوة التي تعيش على جانبي الحدود التشادية - السودانية جهة دارفور. واتضح أيضا، من التحقيقات أن سوق النخاسة الجديدة هذه لا يقتصر عملها على خطف الأطفال وفصلهم عن أهلهم، لغرض بيعهم على من يرغبون في التبني، ولكنها أكثر فظاعة وهولا! فالعرض مقدم أيضا لعصابات وسماسرة يتاجرون بالأطفال.

المطلوب من الدول العربية

لكن، ما هو المطلوب فعله الآن من الدول العربية حيال هذه الظاهرة؟

يتفق المتخصصون الذين تحدثنا معهم في هذا الملف على ما طرحته الباحثة فوقية رمضان التي دعت الدول العربية لاتخاذ الإجراءات التشجيعية والإدارية والاجتماعية والتعليمية الملائمة لحماية الطفل العربي، من كل أشكال العنف، أو الضرر، أو الإساءة البدنية، أو العقلية، أو الإهمال أو الاستغلال، بالإضافة الى وضع عدة نقاط في الاعتبار أهمها:

- أن يولي مجلس وزراء الداخلية العرب درجة أعلى من الاهتمام بقضية اختطاف الأطفال في الوطن العربي، على أن يكون العمل وفق خطة استراتيجية بمشاركة المنظمات الأهلية العربية والغربية العاملة في مجال حماية الطفولة.

- تحديد برامج عمل مشتركة في الدول العربية، على أن يتم استحداث برنامج ترصد عربي لتبادل المعلومات أولا بأول، ويشمل ذلك مراقبة العصابات التي تنشط في بعض الدول العربية، وكذلك مراقبة الحدود، وتطوير وسائل البحث والمتابعة والتحقيق بالاستعانة بالطاقات البشرية المؤهلة، والتقنيات الحديثة.

- توظيف المناهج التعليمية ووسائل الإعلام المحلية على اختلافها لنشر الوعي بين المواطنين، والتركيز على وسائل حماية الأطفال.

- التوقيع على البروتوكولات الدولية الخاصة بحماية الطفولة، والعمل على تطبيق بنودها في كل بلد على حدة.

- على المستوى الاجتماعي، تنظيم حملات توعية وأنشطة للأطفال لتدريبهم على مهارات حماية أنفسهم من الغرباء.

العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً