العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ

البعد الاستراتيجي لجسر البحرين - قطر

كلمة الجمري في ندوة عقدت في أبوظبي

ألقى رئيس تحرير صحيفة «الوسط» منصور الجمري أمس كلمة في «مركز شئون الاعلام لنائب رئيس مجلس الوزراء بدولة الامارات العربية المتحدة»، بشأن أهمية جسر البحرين - قطر لدول المنطقة، وفيما يأتي نص الكلمة:

يمثل مشروع الجسر بين البحرين وقطر خطوة إستراتيجية نوعية ستكون لها تأثيرات بعيدة المدى على البحرين وقطر وباقي الدول الخليجية، وسيكون من الصعب بعد ذلك اعتبار البحرين جزيرة أو مجموعة من الجزر، لأنها سترتبط بالسعودية من غربها (بواسطة جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية)، وسترتبط بقطر من شرقها عبر جسر المحبة الذي ربما يكتمل في العام 2013. كما أن قطر التي تتصل برّيا بالسعودية فقط سيكون لها مخرج آخر عبر البحرين، وفيما لو تحققت أمنية أخرى وهي ربط قطر بالإمارات عبر معبر بحري/ بري، فإن هذا كله سيفتح آفاقا جديدة.

الربط بين البحرين وقطر ربما يمتد إلى سكة حديد، وهذه سترتبط بمشروع سكك الحديد الخليجية، ما يعني أن الدول الخليجية قد تنجز تكاملها وترابطها عبر شبكة من الطرق والسكك، إضافة إلى إمدادات أنابيب الغاز (على غرار مشروع الدولفين)، وهذه جميعها من الممكن أن تحول منطقة الخليج - عندما تتوافر الإرادة السياسية - إلى سوق مشتركة ومتداخلة على النهج الأوروبي. وهذا يعني أن منطقة الخليج ستكون مهيأة لإنشاء منطقة اقتصادية ذات ثقل دولي على غرار المناطق الاقتصادية المعروفة حاليا.

الجسر يعبر مشكلات تاريخية

العلاقات بين الدول الخليجية كانت محكومة بطبيعة السياسة البريطانية التي سيطرت على الخليج العربي بصورة فعلية بدءا من اتفاقية السلم العامة في 1820 بين عدد من مشايخ الخليج، إلى استقلال أولئك المشايخ وتحولها إلى دول مع حلول العام 1971. وتوضح كتب التاريخ تلك السياسة بالرجوع إلى تصريح لوزير خارجية بريطانيا العظمى اللورد بلمرستون الذي قال في العام 1838 إن «مهمتنا في الخليج هي وضعه تحت سيطرتنا البحرية بعيدا عن نفوذ أي دولة أخرى تستطيع منازعتنا هذه السيطرة، ولكن بشرط ألا تكلفنا هذه السياسة نفقات باهظة». وهذه السياسة تطلبت تجزئة المنطقة الخليجية على أساس «مشيخات» صغيرة تخضع للإرادة البريطانية المدعومة عسكريا.

الخلافات القبلية كانت تنتشر في المنطقة الخليجية، وكانت تسير في اتجاهات مختلفة عن الطموحات المطروحة حاليا، فالبحرين وقطر عاشتا في ظل هذه الظروف، وكانت هناك مشكلات صعدت وهبطت مرات عدة.

يبدأ التاريخ المعاصر لكل من قطر والبحرين بتاريخ القبائل العربية التي ازداد نفوذها في القرن الثامن عشر الميلادي. ففي العام 1766 هاجر آل خليفة من الكويت إلى الزبارة في شمال غرب قطر، ومن هناك انطلقت قبيلة آل خليفة نحو البحرين وتمكنت من السيطرة عليها في العام 1783. وفي العام 1867 تأزمت العلاقات بين عدد من القبائل، ما أدى إلى «خراب الدوحة»، ولاحقا ثارت فتنة في الزبارة، وهذا أدّى إلى تدخل عسكري بريطاني لإنهاء الأزمة. في العام 1872 بدأ نفوذ قبيلة آل ثاني يتوسع في قطر، وكانت آنذاك قطر تدخل ضمن التأثير العثماني، واستمر هذا الحال حتى العام 1916 عندما وقعت قطر اتفاق الحماية البريطانية.

وفي العام 1925 منحت البحرين امتياز التنقيب عن النفط، وكانت أول دولة خليجية (من بين دول مجلس التعاون الحالية) تدخل هذا المجال. وفي 1935 منحت قطر امتياز التنقيب، وشملت بذلك جزر حوار، ما أدى إلى احتجاج البحرين على ذلك، وتقدمت البحرين بشكوى لدى بريطانيا (بصفتها الحامية لكل من البحرين وقطر)، وحكمت بريطانيا بأن حوار تابعة إلى البحرين في العام 1939، وتجاهلت احتجاجات قطر على ذلك.

في العام 1947 أصدرت بريطانيا خرائط مفصلة للمنطقة، وأوضحت أن جزر حوار تتبع البحرين، وهذا ما حدا بالبحرين أن تمنح امتيازا للتنقيب عن النفط في حوار العام 1965. غير أن قطر احتجت وتم تجميد الأمر مؤقتا. وفي العام 1972 اكتشفت شركة «شل» حقل الشمال القطري الذي يعتبر حاليا ثالث أكبر مخزون للغاز في العالم، وقد اعتقد المنقبون آنذاك أن حوار ربما تحتوي على مخزون من الغاز الطبيعي.

وفي العام 1982 أجرت البحرين مناورات عسكرية بالقرب من فشت الديبل، ما أدى إلى احتجاج قطر. وفي العام 1986 اعتقلت قطر عمالا كانوا يشيدون موقعا بحرينيا في فشت الديبل.

وفي 1990، وأثناء انعقاد قمة مجلس التعاون (بعد احتلال العراق للكويت) انشغلت دول التعاون بالخلاف القطري البحريني. وتدخلت السعودية لحل الخلافات، على أساس تفاهم بأن يحال الأمر إلى محكمة العدل الدولية إذا فشلت الوساطة السعودية.

في العام 1991 أعلنت قطر أنها رفعت القضية إلى محكمة العدل الدولية، لأن الوساطة السعودية وصلت إلى طريق مسدود. وفي 1994 بدأ 16 قاضيا في المحكمة الدولية الاستماع إلى رأي الطرفين في الموضوع. وفي العام 1996 بدأت مناوشات إعلامية بين البلدين، وهدأت تلك الحملات بوساطة سعودية.

في 14 فبراير/ شباط 2001 بدأت مرحلة من الإصلاحات السياسية في البحرين، وتم التصويت على ميثاق العمل الوطني، وفي الوقت ذاته كانت آخر جلسات محكمة العدل الدولية تستعد للنطق بالحكم في قضية الخلاف الحدودي بين قطر والبحرين. وفي 2 مارس/ آذار 2001، قام أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة مفاجئة للبحرين، اعتبرت تأسيسا لمرحلة جديدة بين البلدين.

وفي 16 مارس 2001 حكمت محكمة العدل الدولية بأن جزر حوار تتبع البحرين، بينما حكمت بتابعية جزيرة جنان وفشت الديبل إلى قطر. ومباشرة بعد ذلك دعت البحرين شركات متخصصة للتنقيب عن النفط في جزر حوار. وفي 20 مارس 2001 وافقت البحرين وقطر على إعادة البدء بنشاط لجنة عليا مشتركة بين البلدين بقيادة وليي العهد للاتفاق على المشروعات المشتركة وتنسيق العلاقات بين البلدين، وأعيد إحياء مشروع جسر البحرين وقطر بعد ذلك مباشرة.

الجسر يربط الجغرافيا

بعد مفاوضات معقدة

محكمة العدل الدولية وضعت حدّا للخلاف البحريني - القطري في 16 مارس 2001، وتم رسم حد بحري واحد في خليج البحرين، وحددت بذلك المياه الإقليمية لكل من البحرين وقطر، والسيادة على الجزر الواقعة داخلها، ووضع قرار المحكمة نهاية للنزاع الذي استمر عقودا طويلة. واعتبر عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة صدور الحكم انتصارا تاريخيا لكلا الدولتين... وقال: «لقد حان الوقت لفتح صفحة جديدة، وساطعة في العلاقات بين بلدينا». كما قال أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني: «أصبح في مقدورنا ترك هذا النزاع وراءنا في الماضي».

اتفق الجانبان بعد صدور الحكم على استئناف أعمال اللجنة العليا البحرينية ـ القطرية (رئاسة مشتركة من وليي عهد البلدين) لدعم المشروعات بهدف تعزيز العلاقات الثنائية، وكانت أول خطوة للجنة العليا المشتركة هي الاتفاق على أن سفر مواطني الدولتين بين البحرين وقطر لم يعد في حاجة إلى جوازات السفر، بل تعد بطاقات الهوية كافية، كما وافقت اللجنة على إنشاء لجنة فنية لصياغة إجراءات الصيد وتعزيز التعاون في مجالات التمويل والاقتصاد والتجارة والملكية، وقامت غرفتا التجارة في كلا البلدين في بداية شهر أبريل/ نيسان 2001 بالتوقيع على اتفاق لتشكيل لجنة شراكة.

وأكثر المشروعات طموحا هو إنشاء أطول جسر في المنطقة يمتد من البحرين حتى قطر (طول الجسر سيبلغ 45 كيلومترا وعرضه 15 مترا) وهذا سيكون توأما لجسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالسعودية (طوله 25 كيلومترا وافتتح في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 1986) وحقق هذا الجسر منذ افتتاحه الكثير من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية للسعودية والبحرين ولدول مجلس التعاون الخليجي.

وفي 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2002 توقع مسئول قطري في اللجنة البحرينية - القطرية المشتركة أن يبدأ العمل في إنشاء الجسر خلال العام 2003. وقال إن الكلفة الإجمالية لإنشائه ستبلغ ما يقارب مليار دولار أميركي، موضحا أن البلدين مهتمان بإنجاز هذا المشروع المهم الذي سيربط بينهما وسيكون له دور كبير في تنمية التعاون في المجالات جميعها ودعم العلاقة التاريخية المتميزة. وأشار المسئول إلى أن إنشاء الجسر سيستغرق من ثلاثة أعوام ونصف العام إلى أربعة أعوام ونصف العام. وكانت اللجنة البحرينية - القطرية حددت نقطة بداية الجسر من الجانب القطري في منطقة عشيرج، وفي البحرين ستكون نقطة البداية بالقرب من عسكر.

وفي فترة لاحقة، في 15 مايو/ أيار 2003 نفى مسئول رفيع المستوى في وزارة الأشغال والإسكان في البحرين أن يكون مشروع الجسر جمد أو تم إلغاؤه، وأرجع سبب التأخير في تنفيذ المشروع إلى أمور يتدارسها البلدان للاتفاق عليها، منها تحديد مكان النقطة الجمركية للجسر والتي ستكون موحدة. وقال المصدر إنه حال الاتفاق على هذه الأمور ستحدد الفترة التي ستبدأ فيها عملية إنشاء الجسر بعد طرح مناقصة دولية لتنفيذه، موضحا أن الدراسات والمخططات والوثائق أصبحت شبه مكتملة.

وأوضح أن البلدين وقعا سابقا عقد الأعمال الاستشارية الخاصة بمرحلة الدراسات والمسح البري والبحري والتصميم المبدئي للجسر والفتحات الملاحية في جسمه، قدم من شركة عالمية لها خبرات أعمال سابقة في المجال نفسه، وبدأ العقد منذ شهر سبتمبر/ أيلول 2001 وانتهى في يوليو/ تموز العام 2002، فيما قدرت كلفة الإنشاء بـ 1.5 مليار دولار أميركي.

كان المقرر البدء في عملية الإنشاء العام 2003، إلا أن اللجنة المشتركة بين البلدين توقفت عن العمل لمدة سنتين، وذكرت مصادر قطرية في مطلع يناير/ كانون الثاني العام 2004 أن اللجنة الوزارية المشتركة الخاصة بجسر المحبة تقرر أن تجتمع في المنامة في منتصف فبراير/ شباط 2004 لاستئناف أعمالها ومناقشة خطوات تنفيذ المشروع بعد أن قطع البلدان شوطا طويلا في دراسته وتحديد مساره، ويأتي هذا الاجتماع بناء على ما توصل إليه البلدان خلال اللقاء الأخير الذي جمع بين عاهل البحرين جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في ديسمبر/ كانون الأول 2003.

وعقب ذلك، وجهت اللجنة العليا المشتركة في 24 فبراير العام 2004 الجهات المعنية في البلدين على الإسراع في الانتهاء من الدراسات اللازمة لمشروع الجسر. وتوصلت اللجنة المشتركة في30 أبريل 2004 إلى التصور المبدئي لمشروع الجسر، ثم توقع مصدر مسئول في الجانب القطري في 22 يوليو 2004 البدء في عملية إنشاء جسر المحبة نهاية العام 2005، وقال إن القيادة السياسية في البلدين حريصة على تنفيذ المشروع في أسرع وقت ممكن. كما قال وزير الأشغال والإسكان في البحرين فهمي الجودر في 28 نوفمبر 2004، إن «جسر المحبة بانتظار إشارة الموافقة على البدء من الجانب القطري بعد أن استكملت كل الدراسات الفنية الخاصة به».

اتفاقية جسر البحرين - قطر

في 12 يونيو/ حزيران 2006 وقعت البحرين وقطر اتفاقا لإنشاء الجسر وذلك عقب اختتام اجتماعات اللجنة المشتركة، وتضمن الاتفاق الأولي تفاصيل إنشاء الجسر تنفيذا لمذكرة التفاهم الموقعة في الدوحة بتاريخ 27 فبراير 2005. فيما أورد الاتفاق الثاني تفاصيل إنشاء مؤسسة جسر قطر - البحرين، وأوضحت تشكيلاتها في اختصاصاتها والأغراض التي أنشئت من أجلها.

كما أعلن رئيس لجنة الشئون المالية والاقتصادية في مجلس النواب البحريني عبدالعزيز أبل في 14 مايو 2007 أن اللجنة «تنوي الاطلاع على بعض نقاط تتـعلق بالجسر، كي يسير المشروع قدما». وأكد أبل أن موقف اللجنة «داعم لإقامة الجسر لأسباب قومية واستراتيجية، إلا أنها تريد معرفة جدواه الاقتصادية». وأوضح أن اللجنة «حصلت على دراسة بيئية مطمئنة عن التأثيرات الجانبية لإنشاء الجسر على البيئة البحرية، إلا أنها لاتزال تريد الأخذ بآراء الجمعيات الأهلية المعنية بالموضوع». وأشار إلى أن التوقعات «تقدر كلف الجسر بـ 4 مليارات دولار، وسيستغرق بناؤه 4 أعوام، وستضمن الحكومة القطرية القروض».

وشكل اجتماع اللجنة العليا المشتركة القطرية البحرينية، والمباحثات المهمة التي جرت في الدوحة في 14 مايو 2007، بين قيادتي البلدين، دفعة جديدة للعلاقات. وتحدث بعد ذلك الاجتماع وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن محمد بن أحمد آل خليفة عن العلاقات البحرينية القطرية قائلا بأنها «استراتيجية وتبشر بمستقبل زاهر». وأضاف «إننا الآن نسطر للتاريخ وشعوبنا أفضل وأقوى أنواع التعاون مع الدول»، معتبرا أن «البحرين وقطر شريكان استراتيجيان وسياسيان في مجلس التعاون».

وقال الشيخ خالد: «إننا فخورون جدا بإنهاء الخلاف الحدودي بين البلدين الشقيقين بطريقة حضارية، وقبلنا الحل ودفنّا الخلاف وراءنا»، مؤكدا أن أبرز ما تحقق في ظل هذه العلاقات الحميمة هو الاتفاق على إنشاء جسر المحبة الذي سيربط البلدين، وأنه سيتم الانتهاء من كل الدراسات الخاصة ببناء الجسر في غضون سبعة أو ثمانية أشهر، ومن ثم الشروع في البناء. وأشار إلى أن هناك إنجازات أخرى تحققت في ظل هذه العلاقات، مثل التعاون في مجال الطاقة وحماية الثروة البحرية، إضافة إلى التنسيق الأمني ضمن منظومة مجلس التعاون.

وفي 6 مايو 2008 وقّعت مملكة البحرين ودولة قطر اتفاقية عقد التصميم والبناء لمشروع جسر قطر - البحرين بين مؤسسة جسر قطر والبحرين وشركة فينسي العالمية للمقاولات (قائد تحالف شركات المقاولات لبناء وتشييد الجسر)، كما تم توقيع مذكرة تفاهم بين غرفة تجارة وصناعة مملكة البحرين وغرفة تجارة وصناعة قطر بشأن تأسيس شركة تأمين مشتركة باسم شركة التكافل للتأمين القطرية البحرينية.

وقال ولي عهد البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة «إننا أنجزنا من خلال اللجنة الكثير ومازلنا نتطلع إلى المزيد لتحقيق رؤى عاهل البلاد وأمير دولة قطر وإن الجسر الذي سيربط بين مملكة البحرين ودولة قطر يعد أكبر مشروع في تاريخ البلدين وهو حلم يتحقق بشكل فعلي».

من جانبه، أكد ولي عهد قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن «الاجتماع اليوم يمثل خطوة أخرى في مسيرتنا الخيرة لدعم وتعزيز العلاقات الأخوية بين البلدين».

وعلّق عاهل البحرين بعد ذلك قائلا: «بمناسبة الإنجاز المشترك الذي تحقق والذي يمهد الطريق لزيادة روابط التعاون الأخرى بين البلدين والشعبين، وتبني بينهما جسور من الأمل في عصر جديد مزدهر من النمو الاقتصادي والتقدم الحضاري، بعد أن وحدهما الله منذ القدم بروابط المصير والجوار والمحبة... وفي ظل مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية»، متطلعا إلى المزيد من إنجازات العمل المشترك لصالحهما وصالح الشعوب في المنظومة الخليجية العربية.

بعدها (في 7 مايو 2008) منح عقد تصميم وبناء الجسر إلى ائتلاف مكون من أربع شركات، إذ منح العقد إلى الشركة الفرنسية فينسي غراندس بروجكتس (Vinci Grands Projects)، والشركة الألمانية هوشتيف (Hochtief) وشركة كونسوليديتد كونتراكتورز انترنشيونال (Consolidated Contractors International Company) ومقرها أثينا بالإضافة إلى شركة الشرق الأوسط للمسح (Middle East Dredging Company)، حسب ما ذكرته مجلة «ميد». كما تعمل الشركة الدنماركية كوي (Cowi) مستشارا للتصميم نيابة عن الائتلاف.

ونقلت وكالة الأنباء القطرية (قنا) عن مدير إدارة الشئون القانونية بوزارة الخارجية القطرية ورئيس مجلس إدارة مؤسسة جسر قطر - البحرين حسن الحمادي: «إن العقد يتضمن ثلاث مراحل: الأولى ومدتها ستة أشهر ابتداء من تاريخ توقيع العقد وتتضمن إعداد التصاميم والخرائط والرسومات لمشروعات الجسر والقطار. والثانية هي مرحلة مراجعة التصاميم المقدمة والرسومات وإجراء التعديلات اللازمة ومدتها شهران. وقال إن المرحلة الثالثة والأخيرة سيتم خلالها التنفيذ الفعلي لبناء وتشييد الجسر والأعمال المدنية والإنشائية لخط القطار، مشيرا إلى أنه من المتوقع أن تبدأ هذه المرحلة في نهاية العام الجاري (2008) وتستغرق نحو 51 شهرا (أكثر من أربع سنوات) من بدء التنفيذ.

مصادر صحافية قالت إن العمل في الجسر سيبدأ مطلع العام 2009 بعد الانتهاء من منح عقود الإدارة. ومنذ أن بدأ الحديث عن احتمال إنشاء جسر بين البحرين وقطر والأنظار تتجه إلى اليوم الذي يعلن فيه بالفعل البدء في طرح مناقصة الجسر لما لهذا المشروع من أهمية إستراتيجية على المستوى البعيد بالنسبة إلى البلدين وللمنطقة.

ما بعد توقيع اتفاقية الجسر

اتفاقية جسر البحرين - قطر فتحت الآفاق بشأن مجالات عدة للتعاون الذي سيؤثر على استراتيجيات الدول الخليجية، ومن بين القضايا المطروحة بعد التوقيع على الاتفاقية ما يأتي:

1 - ربط البحرين بقطر عبر إنشاء سكك حديد مصاحبة للجسر (إذا تم العمل بهذا الخيار) من شأنه أن يخلق بنية تحتية لاقتصاد متطور يسهل نقل الأشخاص والبضائع بالشكل الذي حدث في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. فسكك الحديد هي التي خلقت الترابط المطلوب لتنمية كبرى ومتواصلة في البلدان المتقدمة، وبالإمكان أن يحدث الأمر ذاته في منطقة الخليج.

2 - من المتوقع أن يصل عدد السيارات التي تمر على الجسر بعد إنشائه إلى 4000 سيارة يوميا ويرتفع إلى 5000 في العام 2010 وإلى 12 ألف مركبة مع حلول العام 2050. وقد أوضح مدير المنافذ بالإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة شوقي حسن في تصريحات صحافية أن افتتاح جسر المحبة بين البحرين وقطر سيزيد أيضا أعداد الشاحنات التي ترغب في عبور البحرين قادمة من قطر ومتوجهة إلى السعودية. وتوقعت الإدارة العامة للجنسية والجوازات والإقامة أن يشهد جسر الملك فهد نموا كبيرا في أعداد مستخدميه حتى العام 2017. وقال مدير المنافذ إن عدد المسافرين يوميا عبر جسر البحرين - السعودية خلال النصف الأول من 2008 بلغ 42243 مسافرا بزيادة قدرها 226 في المئة منذ افتتاح الجسر في 1986، موضحا أن المعدل اليومي يزداد في أيام المناسبات، ففي العطلة الصيفية يفوق 50 ألف مسافر يوميا، أما في عطلة نهاية الأسبوع فيتجاوز حاجز 65 ألفا يوميا، وفي الأعياد يتراوح بين 69 و78 ألفا يوميا. وهذا يعني أن البحرين ستصبح نقطة عبور وستزداد حركة النقل والمرور بما يحدث نقلة نوعية كبيرة في مجالات عدة.

3 - البحرين تحتاج إلى الغاز القطري، ولكن قطر اعتذرت عن تزويد البحرين في الفترة الحالية لأسباب فنية - بحسب التصريح الرسمي القطري. فقد قال وزير شئون النفط والغاز البحريني عبدالحسين ميرزا، وفي رده على أسئلة نيابية، أشار في 22 مايو 2007 إلى الجهود الحثيثة التي تقوم بها الهيئة الوطنية للنفط والغاز من أجل ضمان توفير الغاز الطبيعي لسد احتياجات القطاع الصناعي في مملكة البحرين، وقال إن المفاوضات مع دولة قطر الشقيقة بشأن استيراد الغاز الطبيعي مازالت جارية وهي مشجعة، وآخر جولة من المفاوضات كانت بتاريخ 13 مايو 2007 أثناء اجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، إذ تم التأكيد من الجانب القطري والقيادة القطرية أن مملكة البحرين تحظى بالأولوية في قائمة الدول التي سيتم تزويدها بالغاز القطري بحكم ما يربط البلدين الشقيقين من أواصر الأخوة والمحبة.

4 - فيما لو أفسح المجال للغاز القطري أن يصل عبر الأنابيب إلى الكويت ويمر أثناء ذلك إلى البحرين، فإن نقلة نوعية في إمدادات الطاقة ستحدث في الخليج، وخصوصا أن إيصال الغاز القطري إلى شمال الخليج، وإلى جنوبه (عبر مشروع الدولفين)، يعني إمكانية إيصال تلك الأنابيب إلى مختلف أسواق العالم عبر شبكة إمدادات إستراتيجية تنطلق من الخليج. وهذه الإمدادات تحتاج إلى توافق الإرادة السياسية لحكومات الدول الخليجية لكي تتحقق.

5 - البحرين وقطر لم توضحا طريقة تمويل المشروع، ولكن وكما أشارت تقارير صحافية أنه «على رغم أن البحرين قادرة على تمويل حصتها في هذا المشروع الضخم إلا أنهم يتوقعون قيام قطر الغنية بالنفط والغاز بتمويل كلفة الجسر بأكمله أو على الأقل تحمل الجزء الأكبر من الكلفة والتي وصفت بأنها (كسور) من مجمل دخل قطر من النفط والغاز. وذكرت تلك التقارير أن السعودية وهي أكبر مصدر ومنتج للنفط في العالم كانت «قد تكفلت بتمويل الجسر الذي يربطها مع البحرين... وذلك بسبب العلاقات القوية التي تربط بين القيادتين ما انعكس إيجابيا على التعاون بين البلدين». هذا وقد وافق مجلس الوزراء البحريني بتاريخ 29 يونيو 2008 على «مشروع مرسوم بقانون بالتصديق على اتفاقية قرض بين حكومة مملكة البحرين وحكومة دولة قطر يمثل رأس مال المملكة في مؤسسة جسر البحرين قطر، وبموجب هذه الاتفاقية فإن القرض موضوع الاتفاقية يبلغ 350 مليون دولار أميركي ويمثل حصة مملكة البحرين بنسبة 50 في المئة في رأس مال مؤسسة جسر قطر - البحرين وفقا للاتفاقية الموقعة في المنامة بتاريخ 6 مايو 2008 بين حكومتي البلدين».

6 - أشارت تقارير إلى أن إنشاء الجسر بين قطر والبحرين سيساهم في تخفيض رسوم النقل والمواصلات على المدى الطويل وسينعكس إيجابيا على خفض قيمة السلع والخدمات التي يستفيد منها شعبا البلدين، وأن الجسر سيحقق مسعى دول الخليج إلى تمتين التبادل التجاري البيني. ففي الوقت الذي تسعى فيه دول الخليج إلى إقامة اتفاقيات تجارة حرة مع دول بعيدة مثل اتفاقية التجارة الحرة بين البحرين والولايات المتحدة الأميركية «فمن الأحرى في الوقت ذاته أن تكون مثل هذه الاتفاقيات بين الدول الخليجية ذاتها» وخصوصا بعد الإعلان عن انطلاق السوق المشتركة بين دول الخليج الست في وقت تسعى فيه دول المنطقة إلى توحيد عملتها بحلول العام 2010.

7 - البحرين ستستفيد من إنشاء الجسر إذ إن حجم الاقتصاد القطري أكبر من حجم الناتج المحلي الإجمالي البحريني بمرتين أو أكثر (يبلغ الناتج المحلي البحريني نحو 17 مليار دولار)، ومن المتوقع أن يزداد حجم الناتج المحلي الإجمالي القطري أكثر في السنوات القليلة المقبلة. كما ويزيد معدل دخل الفرد في قطر نحو ضعف ما يحصل عليه المواطن البحريني. ولكن قطر ستستفيد من قوة القطاع المالي البحريني وستستفيد من العمالة البحرينية التي بإمكانها السفر إلى قطر للعمل صباحا والعودة مساء من دون أن تثقل على قطر من ناحية خدمات الصحة والإسكان والتعليم وغيرها. وقد وقع وزير العمل البحريني مجيد محسن العلوي في 6 مايو 2007 مذكرة تفاهم مع وزير الخدمة المدنية والإسكان القطري سلطان حسن الضابت الدوسري لترتيب أوضاع افتتاح مكتب لتوظيف البحرينيين في دولة قطر. وذكر العلوي أن مكتب التوظيف الذي سيتم افتتاحه قبل نهاية العام الجاري سينظم العمل بين الجانبين وسيساعد البحرينيين في الحصول على وظائف في المؤسسات والشركات القطرية.

8 - توقيع اتفاقية الجسر بين البحرين وقطر أثار جدلا لارتباطه بمشروع جسر آخر بين قطر والإمارات الذي تعطل لعدم توافق إرادة الدول الخليجية المعنية. لقد فتح الجسر المجال للحديث عن مشروعات طموحة مثل مشروع ربط الإمارات وقطر والبحرين بالسكك الحديد. وسيفتح الجسر الطريق من البحرين إلى سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى قطر وبذلك تكون البحرين مربوطة بطرق برية مع جميع دول الخليج الست.

9 - أدى توقيع اتفاقية الجسر إلى انتعاش العقارات والمشروعات الصناعية جنوب شرق البحرين وفي شمال قطر، إذ ذكر عاملون في القطاع العقاري أن تداول فكرة إنشاء جسر المحبة أدى إلى ارتفاع أسعار العقارات في جنوب شرق المملكة بنسبة 20 في المئة، ويتوقع أن تقفز الأسعار إلى مستويات قياسية مع دخول المشروع حيز التنفيذ. أما في قطر فقد ارتفعت الأسعار في المناطق القريبة من موقع الجسر بنسب كبيرة تراوحت الأسعار فيها بين 35 و55 ريالا قطريا للقدم الواحد شكل جسر المحبة السبب الرئيسي لارتفاع أسعار الأراضي، حسب تقرير شركة المتخصص العقارية. وبدأت العديد من الشركات العقارية الاستثمار في المناطق القريبة من موقع إنشاء الجسر، منها شركة العملية العقارية التي تسعى إلى توسع أنشطتها العقارية لتشمل القطاع الصناعي عبر تطوير قطعة أرض صناعية تملكها في رأس زويد تبلغ مساحتها ثمانية آلاف متر مربع، وتحويلها إلى سكن للعمال ومخازن وورش صناعية.

10 - ذكرت هيئة النفط والغاز البحرينية أن مشروع جسر المحبة سيفتح آفاقا واسعة للتكامل الاقتصادي في مجال النفط والغاز الطبيعي وتوليد الطاقة الكهربائية إلى جانب الاستفادة من الفرص الاستثمارية المشتركة في مجالات الاستكشاف والتنقيب والإنتاج وتكرير النفط. وأضافت «من المؤمل أن يتم فتح مجال الاستثمار في قطاع التكرير في البلدين للقطاع الخاص للاستثمار في توسعة مصافي النفط القائمة أو إقامة مصافٍ جديدة بهدف زيادة القيمة المضافة (Value added) بدلا من تصدير النفط الخام، وخصوصا في ظل الأسعار الحالية للنفط التي تٌعطي هامشا ربحيا مجديا». وتحدثت الهيئة عن أهمية الجسر من حيث الاستفادة من مشروع حيوي في دولة قطر يُعتبر من أبرز المشروعات الإستراتيجية الرائدة في صناعة الطاقة على مستوى المنطقة وهو مشروع «مدينة الطاقة». إضافة إلى التعاون في البتروكيماويات وإنتاج الطاقة إذ يمكن توليد الكهرباء في قطر ومن ثم نقلها عن طريق شبكة الربط الكهربائية الخليجية إلى البحرين وهو ما سيحقق فوائد كثيرة للبلدين من بينها أن قطر ستتمكن من استثمار احتياطياتها من الغاز الطبيعي وتحقيق قيمة مضافة تضخ في الناتج الإجمالي المحلي القطري من خلال بيع هذه الطاقة، كما ستتمكن البحرين من تحقيق التنمية الاقتصادية المنشودة من دون الحاجة إلى ضخ استثمارات كبيرة مبدئية لبناء محطات توليد الطاقة واستيراد الغاز اللازم لتشغيلها، كما يمكن لقطر الاستعانة بالمهندسين البحرينيين والاستفادة من الكفاءات البحرينية في مجال توليد الكهرباء من الغاز.

11 - اختتم وفد تجاري قطري رفيع المستوى زيارة رسمية للبحرين في 18 يناير 2007 برئاسة رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر الشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني. وتألف الوفد من أكثر من 75 من الشخصيات الاقتصادية المرموقة من رجال وسيدات الأعمال وذلك بدعوة من غرفة تجارة وصناعة البحرين ورئيسها عصام عبدالله فخرو.

12 - انعقد خلال زيارة الوفد القطري للبحرين «المنتدى الاقتصادي المشترك لرجال الأعمال» في البلدين، وشهد اليوم الأخير لمنتدى أصحاب الأعمال المشترك التوقيع على 5 مشروعات ضخمة ثنائية بحرينية قطرية بكلفة 600 مليون دولار أميركي تضمنت بنكا وشركتين استثمارية وتأمينية ومجمعا سينمائيا بينما هناك مشروعات أخرى في العقار والنقل والزجاج والتأمين والألمنيوم قيد الدراسة. ونقلت وكالة أنباء البحرين أن أصحاب الأعمال من البلدين اتفقوا على تأسيس شركة استثمارية بحرينية قطرية مشتركة برأس مال مدفوع قدره 30 مليون دينار بحريني وتأسيس بنك مشترك برأس مال قدره 500 مليون دولار أميركي موزعة بالتساوي بين الجانبين.

13 - هناك الاعتبارات البيئية لمثل هذا المشروع الضخم، فمجلس النواب البحريني أجرى تحقيقا بتاريخ 23 سبتمبر بشأن تأثير «جسر المحبة» على الشعاب المرجانية، وأكد رئيس لجنة التحقيق البرلمانية في فشتي العظم والجارم خميس الرميحي أن استصدار تشريعات تحمي الفشوت يُعَدُّ أحد أهم توصيات اللجنة التي ستخرج بها، وأكد أن اللجنة تتجه إلى المطالبة أيضا بتشريع ينصّ على اعتبار الفشتين (جسر البحرين - قطر يمر على فشت العظم مساحته 260 كيلومترا مربعا) محمية طبيعية، يمكن للصيادين البحرينيين من خلاله ممارسة مهنة الصيد فيهما بالطرق القانونية. وقال: «نأمل أن تكون الفشوت تابعة لجهة معينة لضمان حمايتها، ولكن المعروف أن كل الأراضي المغمورة هي ملك الدولة، وحسب علمنا فإن البحر ليس مقسما إداريا على المحافظات».

وعلى رغم الفوائد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية الكثيرة للجسر إلا أن الخبراء يؤكدون تأثيره السلبي على الموارد السمكية وقطاع الصيد في البحرين إذ يؤكّد تقرير الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية المقدم لمجلس الشورى خلال مناقشته المرسوم بقانون بالتصديق على الاتفاق بين حكومة البحرين وحكومة دولة قطر بشأن إنشاء الجسر أن «قطاع الصيد التقليدي سيواجه عددا من التحديات والضغوط جرّاء إنشاء الجسر من بينها فقدان مناطق الصيد الرئيسية والإخلال بالتوازن البيئي جرّاء عمليات الردم وارتفاع نسبة التعكر بالإضافة إلى فقدان معدات الصيد الثابتة كالحظور والزرابيج وانخفاض كميات الصيد وهجرة الأسماك وتأثر المراعي الطبيعية».

14 - عبَّر مجلس التعاون الخليجي في 19 مايو 2008 (خلال اللقاء التشاوري الذي عقد في الدمام) عن سروره بالتوقيع النهائي بين مملكة البحرين ودولة قطر لتشييد «جسر المحبة» بين البلدين الشقيقين تحقيقا لتطلعات الشعبين لتعزيز أواصر الترابط بين أبناء دول مجلس التعاون. وهذا التأييد من مجلس التعاون يفسح المجال لتطوير الإرادة السياسية المشتركة لفتح المجال أمام هذا المشروع، والمشروعات الأخرى المشابهة، بالانطلاق بدول التعاون نحو آفاق جديدة ومختلفة جذريا عن الواقع الحالي.

العدد 2134 - الأربعاء 09 يوليو 2008م الموافق 05 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً