العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ

إلى الحكومة... «فرغوا السعداوي»

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

دائما كأنني أراه للمرة الأولى، لحيته الكثة التي «بدأت تتساقط كما يتساقط الثلج الأبيض».

كان برفقتي أحد الأميين بعالم الثقافة والفن والمسرح، همس صاحبي في أذني حين رأى الفنان عبدالله السعداوي في إحدى ردهات المسرح: أنظر إلى هذا السلفي، هناك، أظن أنه سيفجر المسرح، لأنهم يرون أن الفن والمسرح حرام.

قلت له: هذا السلفي هو من أقام هذا المسرح، إنه السعداوي يا «تلح»! همهم بكلمات... واتبعها: كيف؟

قلت: هذا عبدالله السعداوي وليس سلفيا كما السلفيين المعروفين كجماعة دينية نبعها الفكري من «القصيم». وتحدثت عن السعداوي الذي أحبه حبا جما. لا أعرف لماذا كل هذا الحب! ربما هناك علاقة روحية بيني وبينه. أعشق ظاهره وباطنه النقي. شكله الخارجي يوحي لي بأشياء كثيرة. كلما رأيته تأملت في قسمات وجهه... أحيانا قاطبا حزينا، وأحيان يضحك وكأنه لم يضحك في حياته قط. حين يقابلك لا تفارق الابتسامة محياه، والسبحة تتدلى بين أنامله؛ وكأنه أحد شيوخ الطرق الصوفية!

أحد القامات الفنية المتعددة المواهب لدينا في البحرين هو الفنان عبدالله السعداوي، والذي أعطى للفن من جهده ووقته الكثير والكثير، عبدالله كان ينام القيلولة في المسرح، ووجباته يتناولها في المسرح، ويغير ملابسه في المسرح، فهو يأكل ويشرب وينام ويحلم «مسرح في مسرح»... حياته المسرح، والمسرح حياة بالنسبة إليه.

حان الوقت لتفريغ السعداوي من أية مهمة أخرى سوى مهمة الإنتاج والإبداع، مهمة المبدعين أمثال السعداوي هي الكدح الذهني وإيقاد الفكر بحثا عن السعادة، عن الفرح، عن التأمل والتفكر في هذه الحياة وما خلف هذه الحياة. عقل السعداوي لا يهدأ من الطواف على هذه الكتب والمجلدات المحيطة بالمثقف... وزهرته لا تذبل على رغم الجفاف، عطاؤه المسرحي لا ينضب على رغم انحسار الماء عنه!

إن نظام التفريغ معمول به في الدول التي ترعى الفن وتقدر الفنانين، والفنان البحريني هو مبدع وقادر على العطاء متى هيئت له الظروف المناسبة... ولذلك انتشر الفن البحريني وحصد الفنانون الجوائز تلو الجوائز من المسابقات والمهرجانات التي تقام في المناسبات المختلفة.

لاشك أن البحرين سباقة لرعاية الآداب والفنون... وكان الكثير من أبناء الأسرة الحاكمة في البحرين (آل خليفة الكرام) ممن يرعى الفنانين والموهوبين، منذ عهد الأديب الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، الذي كان يستضيف الأدباء والمفكرين ويراسلهم في مختلف بقاع الأرض.

لذلك، ليس غريبا على حكومتنا أن تأمر بتفريغ المبدع الفنان والممثل والمخرج عبدالله السعداوي، وهو الذي ضربت شهرته الآفاق بين المثقفين والمبدعين والجمهور العربي، من أرض الكنانة إلى عاصمة الرشيد إلى بيروت فدمشق إلى نواكشوط... عواصم تنطق باسم عبدالله السعداوي ويشهد فنانوها على إبداعه وتفرده في فنه ورقيه الأدبي.

بين يدي رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة - حفظه الله ورعاه - أضع أمر تفريغ الفنان عبدالله السعداوي، فهو ابن البحرين ومبدعها الذي قدم لها الكثير... ومازال عطاؤه متدفقا من دون انقطاع.

لن تبخل يد كريمة امتدت لفعل الخير دائما، ونسأل الله أن يديمها لفعل الخير أبدا، في أن تعطي لهذا الفنان مكانته التي يستحقها لكي يتفرغ للإبداع والإنتاج الفكري والفني من أجل البحرين.

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 2153 - الإثنين 28 يوليو 2008م الموافق 24 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً