العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ

لودفج ارهارد... «أب المعجزة الاقتصادية»

لا يذكر التاريخ الألماني أرهارد كمستشار لألمانيا بقدر ما يذكره كوزير فذ للاقتصاد وأب لمعجزة ألمانيا الاقتصادية. كانت عبقريته الاقتصادية السبب الأساسي في ميلاد ما يعرف «باقتصاد السوق الاجتماعي» الجاري العمل به حتى الآن.

لم يكن حلم أرهارد يوما أن يعمل بالسياسة، بل كانت خطته هي العمل في تجارة الأقمشة مع والده، ولكن شاءت الأقدار أن يصاب في الحرب العالمية الأولى إصابة شديدة أجبرته على ترك العمل في التجارة التي تحتاج منه إلى التنقل والترحال. فاتجه العام 1919 لدراسة الاقتصاد في مدينة نورنبيرغ، ثم في فرانكفورت حيث تخرج دكتورا في علم الاقتصاد العام 1925. بدأ حياته السياسية بالعمل في معهد المراقبة الاقتصادية للسلع الألمانية الجاهزة في نورنبيرغ، وهو معهد مسئول عن دراسة السوق. وكانت إحدى مسئولياته إصدار مجلة شهرية كانت تهتم خصوصا بمناقشة موضوعات الاقتصاد السياسي. وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، منعته إصابته من الاشتراك في الحرب،.

معجزة الخروج بألمانيا من أزمة ما بعد الحرب

إنهاء الاحتلال العسكري لقوات الحلفاء في العام 1944 كشف أرهارد النقاب عن مذكرة «تمويل الحرب وإعادة هيكلة الديون» التي بناها على فكرة خروج ألمانيا مهزومة من الحرب، واضعاَ تصورات عن كيفية إعادة بناء اقتصاد البلد. في العام 1945 أتيحت له الفرصة لتطبيق نظرياته عمليا بعدما أصبح وزيرا للاقتصاد في ولاية بافاريا. ونظرا لنظرياته في إدارة اقتصاد الحروب وماضيه النظيف إبان الحقبة النازية، استدعته إدارة الاحتلال الأميركي بعدها بعامين ليصبح رئيسا لإدارة النقد والقروض في البلاد. يذكر أن ألمانيا كانت في الفترة من العام 1945 أي بعد انتهاء الحرب وحتى العام 1949 أي عند قيام جمهورية ألمانيا الاتحادية تحكم من قبل إدارة الاحتلال المكونة من الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين والروس. في 20 سبتمبر/أيلول 1949 أصبح أرهارد وزيرا للاقتصاد في أول حكومة ألمانية تتشكل في جمهورية ألمانيا الاتحادية برئاسة المستشار كونراد آدنآور. وهنا بدأت سياسة جديدة في ألمانيا قائمة على حرية السوق وفي الوقت ذاته على الاهتمام بالتوازن الاجتماعي. وسميت هذه السياسة التي أسسها ألفرد مولر أرماك - أستاذ الاقتصاد - «بسياسة السوق الاجتماعي». كانت أولى الخطوات التي قام بها أرهارد هو الإعلان على الملأ عبر الإذاعة ومن دون التنسيق مع قوات الحلفاء عن تحديد الأسعار. كان تغيير العملة ضمن مشروعات الأميركيين، إلا أن مسألتي تحرير السوق وتحديد الأسعار كانتا مفاجأة الوصي على الاقتصاد. ويوم 20 من شهر يونيو/ حزيران 1948، تسلم مواطنو ألمانيا الغربية العملة الجديدة، وأخرج التجار بضائعهم المخبأة واختفت الأسواق السوداء التي كانت مسيطرة وانتهى نقص البضائع وأسدلت صفحة الاقتصاد الموجه في ألمانيا إلى الأبد.

وزير اقتصاد لامع ومستشار على الهامش

في أول انتخابات لمجلس النواب الألماني التي جرت العام 1949، ساعد أرهارد أدناور على الفوز وأعلن عن استعداده لتمثيل الحزب المسيحي الديمقراطي في ولاية بادن ـ فورتمبرغ على الرغم من أنه لم يكن عضوا في الحزب. وعلى الرغم من عمله طويلا مع الحزب المسيحي إلا أنه لم يصبح عضوا فيه إلا في العام 1963. أما معجزته الاقتصادية فظهرت في النمو الاقتصادي الكبير الذي حققه وفي ثبات الأسعار وانخفاض نسبة البطالة بشكل متسارع. كان شعاره «الرفاهية للجميع» الذي أصبح فيما بعد عنوان أحد كتبه، وهذا الشعار كان السبب في فوز الحزب المسيحي الديمقراطي بغالبية ساحقة العام 1957. رفعت الأربع عشرة سنة التي قضاها أرهارد كوزير من شعبيته وجعلته محبوبا بشكل كبير لدى جميع شرائح الشعب الألماني. في العام 1963 خلف أرهارد سلفه آدنأور في منصب المستشار، إلا أن أداءه السياسي في هذا المنصب لم يكن على قدر من مستوى النجاح الذي حققه كوزير للاقتصاد، وهو ما توقعه السياسي المحنك آدناور، الذي شعر برغبة ارهارد في أن يرث المستشارية من بعده، لكنه قال عنه «إنه ليس الشخص المناسب لتقلد هذا المنصب». كان آدنأور يعتبره غير حكيم في السياسة الخارجية ولا يمتلك الحنكة في إدارة خيوط اللعبة السياسية على مستوى الأحزاب والولايات الألمانية. وعلى الرغم من نجاح أرهارد في كسب انتخابات العام 1965 أمام فيللي براندت، مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي وأحد أكثر الشخصيات شعبية في ألمانيا آنذاك، بدأت ملامح التمرد على أرهارد تطفو داخل حزبه، الأمر الذي هيأ لسقوطه تدريجيا. ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة أعطيا الانطباع بافتقاد أرهارد لقدراته على اتخاذ قرارات سليمة حتى في مجال كمستشار، لكنه بقي في ذاكرة ألمانيا كصاحب المعجزة الاقتصادية التي أخرجت الدولة من حالة الضعف بعد الحرب.

العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً