العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ

مبدأ حرية الإثبات والاقتناع القضائي

الثقافة الأمنية

الإثبات هو إقامة الدليل لدى السلطات المختصة بالإجراءات الجنائية على حقيقة واقعة ذات أهمية قانونية، وذلك بالطرق التي حددها القانون، ووفق القواعد التي أخضعها لها، ويتضح من هذا أن نطاق الإثبات الجنائي لا يقتصر على إقامة الدليل أمام قضاء الحكم، بل إنه يتسع لإقامته أمام سلطات التحقيق، بل وسلطات الاستدلال، كذلك فالإثبات هو تنقيب عن الدليل وتقديمه وتقديره.

ونظرية الإثبات ذات أهمية كبيرة في الإجراءات الجنائية، ذلك أن الجريمة واقعة تنتمي إلى الماضي، وليس في وسع المحكمة أن تعاينها بنفسها، وتتعرف على حقيقتها، وتستند إلى ذلك فيما نقص به في شأنها، ومن هنا تعين عليها أن تستعين بوسائل تعيد أمامها رواية وتفصيل ما حدث، ومن أهم مبادئ النظرية العامة للإثبات هو مبدأ «الاقتناع القضائي» الذي يعد جوهر هذه النظرية، وتصدر عنه سائر مبادئها وتكاد تتفرع عنه غالبية قواعد الإثبات الجنائي.

ماهية مبدأ الاقتناع القضائي ومبرراته

يعني مبدأ «الاقتناع القضائي» أن للقاضي أن يقبل جميع الأدلة التي يقدمها إليه أطراف الدعوى، فلا وجود لأدلة يحظر عليه القانون مقدما قبولها، وله أن يستبعد أي دليل لا يطمئن إليه، فلا وجود لأدلة مفروضة عليه، وله بعد ذلك السلطة التقديرية الكاملة في وزن قيمة كل دليل على حدة، وله في النهاية السلطة التقديرية الكاملة - وفق القانون- في وزن قيمة كل دليل على حدة، وله في النهاية سلطة التنسيق بين الأدلة التي قدمت إليه واستخلاص نتيجة منطقية من هذه الأدلة مجتمعة ومتساندة تتمثل في تقرير البراءة أو الإدانة، وحرية القاضي الجنائي في تكوين عقيدته مبدأ يقوم على التقرير الحر المسبب لعناصر الإثبات في الدعوى، فلا يتدخل المشرع إلا من زاوية تنظيم وسائل الحصول على الأدلة وتقديمها وتحقيقها بواسطة القاضي للوقوف على مدى قانونيتها واستنادها إلى إجراءات صحيحة، ويبقى بعد ذلك أمر تقديرها وتحديد قوتها الإقناعية للقاضي في حرية تامة. فالبحث عن إن المتهم بريء أو مذنب يعتمد في حقيقة الأمر على عاملين أساسيين هما البحث عن الحقيقة واقتناع القاضي بدليل الإدانة أو البراءة دون أن يكون هناك قيد على حريته في الاقتناع، فالقاضي له السلطة التقديرية الكاملة في تقدير ووزن كل دليل على حدة، وله سلطة التنسيق بين الأدلة واستخلاص نتيجة منطقية سائغة عقلا ومنطقا، ومتساندة في النهاية في تقرير البراءة أو الإدانة.

كما قررت هذا المبدأ المادة ( 253 ) من قانون الإجراءات الجنائية البحريني في قولها «يحكم القاضي في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته» فالقانون قد أتاح للقاضي في المسائل الجنائية سلطة واسعة وحرية كاملة في سبيل تقصي ثبوت الجرائم أو عدم ثبوتها، والوقوف على حقيقة علاقة المتهمين ومقدار اتصالهم بها، ففتح له باب الإثبات على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلا إلى الكشف عن الحقيقة، ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر بمحض وجدانه، فيأخذ بما تطمئن إليه عقيدته ويطرح مالا ترتاح إليه غير مُلزم لأن يسترشد في قضائه بقرائن معينة، بل له مطلق الحرية في تقدير ما يعرض عليه منها، ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع كل دعوى وظروفها، بغيته الحقيقة بنشدها إلى أصلها بأي سبيل يجده مؤديا إليها، ولا رقيب عليه في ذلك غير ضميره وحده. وهذا هو الأصل الذي أقام عليه القانون الجنائي قواعد الإثبات، لتكون موائمة لما تستلزمه طبيعة الأفعال الجنائية وتقتضيه مصلحة الجماعة من وجوب كعاقبة كل جان وتبرئة كل بريء.

والعبرة في الإثبات في المواد الجنائية هي باقتناع المحكمة واطمئنانها إلى الدليل المقدم إليها، فالقانون لم يقيد القاضي بأدلة معينة ،بل خوله بصفة مطلقة أن يكون عقيدته من أي دليل أو قرينة تقدم إليه.

ولكن هذا المبدأ لا يعني البتة «التحكم القضائي». فلا يجوز للقاضي أن يقضي وفقا لهواه أو يحتكم في قضائه لمحض عاطفته أو يعتمد على أسلوب التفكير البدائي، وإنما هو ملتزم بأن يتحرى المنطق الدقيق في تفكيره الذي قاده إلى اقتناعه.

مبررات المبدأ: أهم ما يبرر «مبدأ الاقتناع القضائي» أنه يتفق مع أسلوب التفكير العادي والمنطقي في الحياة العادية وفي البحث العلمي، إذ لا يقيد الناس تفكيرهم بأدلة معينة، وإنما يستقون الحقيقة من أي دليل، ويكفل هذا المبدأ ألا تبتعد «الحقيقة القضائية» عن «الحقيقة الواقعية»، فإذ يجد القاضي الجنائي نفسه طليقا في تحري الواقع من أي مصدر غير ملزم بدليل معين يفرض عليه التسليم بما يخالف الواقع، فإنه يصل في النهاية إلى قضاء يطابق الحقيقة الواقعية قدر ما يسمح بذلك التفكير البشري، ويدعم هذا المبدأ أن الإثبات في الدعوى الجنائية يرد على «وقائع» ولا يرد على «تصرفات قانونية»، فضلا عن الوقائع الجنائية التي لا يمكن تحديدها مسبقا، خلافا لما يجري غالبا في المواد المدنية، وفي النهاية فإن المجرمين لا يعملون في العلن ولا يعلنون مقدما عما ينوون الإقدام عليه، وتقضي مصلحة المجتمع مكافحة الإجرام بكل السبل، وكل ذلك يتطلب أن يخول القضاء إثبات الجريمة والخطورة الإجرامية بجميع الطرق لكي يتجه إليهما بالتدابير التي تقتضيها المصلحة الاجتماعية. وسنكمل في المقال المقبل إن شاء الله «الضوابط والشروط التي تحكم تطبيق مبدأ الاقتناع القضائي «.

وزارة الداخلية

العدد 2248 - الجمعة 31 أكتوبر 2008م الموافق 01 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:59 م

      راي شخصي

      هو موضوع في المستوى لانه موضوع مذكرة تخرجي

اقرأ ايضاً