العدد 2271 - الأحد 23 نوفمبر 2008م الموافق 24 ذي القعدة 1429هـ

كَلامٌ فِيْ السِّيَاسَةِ وَمَوْتِ الدّوَل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل أيام سُئِلَ الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية والأوروبية إريك شوفالييه عن إيران ونوويها وما يُمكن أن يتخذه الأوربيون تجاهها بعد اجتماع المديرين السياسيين في وزارات الخارجية للدول الست أو كما يُسمّون مجموعة 5 + 1.

شوفالييه قال: «لعلكم لاحظتم أن هذا الاجتماع قد أتاح إعادة تأكيد رسالة الدول الست الملتزمة بهذه العملية بالإجماع.

وتتلخص الرسالة في إعادة تأكيد دعم النظرة المزدوجة: الحزم والحوار. وفي هذا الإطار نتحرك ونعد لما سيلي ذلك في هذا الأمر مع شركائنا الخمس في مجموعة الدول الست».

ثم أضاف «لقد كتب الممثل الأعلى (للسياسة الخارجية للاتحاد الأوربي خافيير سولانا) منذ ما يقرب من خمسة عشر يوما إلى المفوض الإيراني. وفي هذا الصدد، يمكن أن يقوم معاونو المفاوضين باتصالات أخرى. والمهم في الوقت الراهن هو أن نعبّر عن وحدتنا حول منهج يتلخص في الحزم من جانب والحوار من جانب آخر».

هذا الخطاب العام والمُشتّت يُذكّرني بما قاله رئيس الوزراء الفرنسي فرانسوا فيون قبل أشهر عندما قال: «نحن نقول لشركائنا الأميركيين؛ لا يجب الاستخفاف بالتصميم الذي يبديه القادة الإيرانيون (في ملفهم النووي) وهذا ما تم التعبير عنه مرة أخرى على منصة الأمم المتحدة».

ما قاله الأول وما ردّده الثاني (أو العكس) لا يعدو كونه استغراقا سياسيا في معادلة مُزمنة. هذه المعادلة خاضعة لعامل الزمن. بل إنها خاضعة لنظرية توينبي في الحضارات حين يجد أن نطفتها تنعقد ثم ثُولد ثم تنمو ثم تزدهر ثم تأفل وتتحجّر.

اليوم ما يجري في شئون الملف النووي الإيراني من صوب الجبهة الغربية قد وصل إلى مرحلة الأفول. ولم يبقَ أمامه سوى أن يتحجّر. وهو ما يُمكن التثبّت منه من خلال تتبّع إرهاصات صدور القرارات الأممية الأربعة وإلى الآن، وبعبارة أخرى منذ العام 2003 ولغاية العام 2008.

المشكلة البارزة في الموضوع هو أن الإجراءات الأوروبية والأميركية في هذا الاتجاه ليست مُستقلّة عن شئون أخرى تجري هي الأخرى على الأرض. فهي تتّحد جميعها في إعطاء صورة أساسية للمواقف الدولية والإقليمية.

هنا أستحضر عبارة قالها الروائي العالمي جابرييل غارسيا ماركيز: «إن الإنسانية كالجيوش في المعركة، تقدّمها مُرتبط بسرعة أبطأ أفرادها». العالم اليوم لا يسير على سكّة ذات اتجاه أحادي؛ بل إنه يسير بشكل مزدوج ومُتفرّع. وبالتالي لا يُمكنّ جرّ هذا العالم عبر تثقيله حمولة تفوق طاقة تسعين بالمئة من منتسبيه.

السنوات الخمس الماضية تُبيّن ذلك بشكل جلي. بدأت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الدول الأوروبية الرئيسية بتحذير إيران، ثم بتهديدها، ثم بفرض عقوبات عليها، ثم بتلويح عسكري ضدها، ثم بحوار دبلوماسي وإلغاء معظم اللاءات السابقة لتعود المسألة إلى نقطة البداية.

وفي كلّ محطةِ تراجعٍ غربية، يُمكن الاستدارة إلى الخلف ثم لمح ما يجري في الأمام مع التفاتة نحو اليمين واليسار لكي نرى حجم التبدّل المستمر في موازين القوى، وأنظمة المصالح والمتطلبات العاجلة للدول والجماعات مهما كان اتحادها وقرب أنويتها.

قبل أيام، أصدر مجلس الأمن الوطني الأميركي تقريرا في مئة وعشرين صفحة يتحدث عن ازدياد حضور وقوة الجمهورية الإسلامية بسبب امتلاكها النفط والغاز خلال السنوات العشرين القادمة؛ وأن تغيرّ اتجاه القوة من الغرب إلى الشرق أمر سيحدث لا محالة.

التقرير أضاف أن «انحسار النفوذ والهيمنة الأميركية الاقتصادية والعسكرية سيستمر حتى العام 2025 فيما يتنامى نفوذ وقوة الهند وروسيا والبرازيل والصين التي ستكون (وحسب التقرير) ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم وقوة عسكرية جديدة خلال العشرين سنة القادمة».

هذه التحولات تسبقها في العادة تبدّلات في المواقف السياسية وفي التحالفات القائمة. وصياغات مختلفة تُمهّد بشكل آلي للتغيير الأكبر. وهي قبل كل ذلك تُحاكي مفاهيم أعمار الدول وشيخوختها ومديات تأثيرها.

قبل أيام صرّح رئيس البعثة الإيرانية الدائمة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية السفير على أصغر سلطانية لوكالة آكي الإيطالية بالقول: «في حال استمرار الضغوط السياسية والاقتصادية وإصرار بعض الدول على استخدام الوكالة لأغراض سياسية، فإن المستقبل واضح كذلك، وهناك خياران لا ثالث لهما أمام إيران وهما: إما تجميد كل أنشطة تخصيب اليورانيوم، أو تجميد تعاونها مع الوكالة الذرية».

وهي تصريحات تزيد من مساحة الافتراق ما بين أدني وأعلى المطالب، لتزداد بذلك أثمان المناقشات بين الحاجة الماسّة لدور إيراني سياسي وأمني واقتصادي في المنطقة والعالم، وبين عدم الوصول إلى نقطة نظام دولية بشأن برنامج إيران النووي.

وقد يُساهم هذا التقرير الخامس عشر لمدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي من حجم مساحة الافتراق تلك، وخصوصا أن التقارير السابقة والصادرة عن الوكالة لم تُثبت عسكرية البرامج النووية الإيرانية، رغم ما كانت تشير إليه من غموض في بعض الأنشطة.

الإيرانيون يجيدون الحسابات كما يجيدها صاحب الحانوت. وهم يُجازفون ضمن دائرة الربح الخالص. بمعنى أن مُجازفتهم قد تأتي بعائد صغير أو كبير، لكنه يبقى عائدا وليس دينا من لحمهم الحي.

وما يزيد اطمئنانهم أكثر في ذلك هو عملهم الاستراتيجي المزدوج، القائم على محورين أساسيين. الأول هو استمراؤهم البناء الداخلي والخارجي على أسس الاكتفاء الذاتي سواء في السياسية أو الاقتصاد أو في القدرات العسكرية.

والثاني هو الاندفاع الخاطف والمزدوج لأكثر من انعطافة واتجاه وبالوتيرة ذاتها، مع القدرة على الجرد السريع الذي يُؤمن تلافي أكبر عدد ممكن من الأخطاء. وقد أثبتت التجارب أنهم لا يقيمون وزنا خارجا عن تلك الحسابات.

على أية حال فإن الاجتماع العادي لمجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية سيجتمع يومي 27 - 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري لمناقشة عدد من البنود المُدرجة من بينها ملف إيران النووي.

ولأن مخاض الحركة السياسية الدولية وحتى تقرير البرادعي لم يتّجه نحو أي جديد فيما يتعلّق بالملف النووي الإيراني، فلا أعتقد أن شيئا لافتا سيحدث. وإن حدث شيء فمن غير الوارد أنه سيكون خارجا عن تحرّك سياسي مُزمن أو خارج عن الاستغراق والتشتّت المشار إليه

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2271 - الأحد 23 نوفمبر 2008م الموافق 24 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً