العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ

الشرعية الإجرائية الجنائية

الثقافة الأمنية

تعتبر الشرعية الإجرائية الجنائية مجرد حلقة من حلقات الشرعية الجنائية التي يخضع لها القانون الجنائي، فهذا القانون يتتبع بالخطى الواقعة الإجرامية منذ تجريمها والمعاقبة على ارتكابها إلى ملاحقة المتهم بالإجراءات اللازمة لتقرير سلطة الدولة في معاقبته حتى تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، وفي كل هذه المراحل يضع القانون الجنائي النصوص التي تمس حرية الإنسان، سواء عن طريق التجريم والعقاب، أو عن طريق الإجراءات التي تباشر ضده، أو بواسطة تنفيذ العقوبة المحكوم بها عليه، حتى يوجد إطار قانوني يحمي كلا من إجراءات السلطة التنفيذية ومن جهة أخرى حقوق الإنسان.

وعندما تعرض قضية الحرية على بساط البحث، يبرز مبدأ الشرعية ليحدد النطاق المسموح به عند معالجة حقوق الإنسان في هذه الأحوال.

وقد ظهرت الحلقة الأولى من الشرعية الجنائية تحت اسم «لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون)»، لكي تحمي الإنسان من خطر التجريم والعقاب بغير الأداة التشريعية المعبرة عن إرادة الشعب وهو القانون الصادر من السلطة التشريعية، ولكي تجعل المتهم في مأمن من رجعية القانون، وبعيدا عن خطر القياس في التجريم والعقاب.

على أن هذه الحلقة الأولى وحدها لا تكفي لحماية حقوق الإنسان إذا أمكن القبض عليه أو حبسه أو اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاكمته مع افتراض إدانته، فكل إجراء يتخذ ضد حرية الإنسان دون افتراض براءته سيؤدي حتما إلى إثقاله بعبء إثبات براءته، فإذا عجز عن إثبات هذه البراءة اعتبر مسئولا عن جريمة لم تصدر عنه، وهو ما يخالف قرينة البرائة التي نص عليها مشرعنا الدستوري في المادة 20 الفقرة (ج) «المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة وفقا للقانون».

يؤدي هذا الوضع إلى قصور الحماية القانونية التي يكفلها مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، طالما كان من الممكن المساس بحرية المتهم من غير طريق القانون أو كان من الممكن المساس بحرية المتهم من غير الطريقة القانونية أو كان من الممكن إسناد الجرائم للناس ولو لم يثبت ارتكابهم لها عن طريق افتراض إدانتهم لذلك كان ولا بد من استكمال الحلقة الأولى للشرعية الجنائية بحلقة ثانية تحكم تنظيم الإجراءات على نحو يضمن احترام حقوق الإنسان وتسمى الشرعية الإجرائية التي تفرض على الجميع براءة المتهم قبل صدور حكم الإدانة.

أما إذا صدر حكم بإدانة المتهم، سقطت عنه قرينة البراءة وأصبح المساس بحريته أمرا مشروعا بحكم القانون ولكنه ليس مطلقا وإنما يجب أن يتحدد بالنطاق الطبيعي ووفقا للهدف من الجزاء الجنائي وقد انعكس ذلك على مرحلة تنفيذ العقوبة وقد أيدت هذه الفكرة السياسة الجنائية الحديثة لتيار الدفاع الاجتماعي، وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول بتطبيق هذا الاتجاه وفقا لقرارها رقم (3218) الصادر في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وقد تماشى مع هذا التيار المشروع الإصلاحي الكبير لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد ما كان له بالغ الأثر في ترسيخ مبدأ سيادة القانون بوصفه أساس الحكم في مملكتنا دولة القانون وبما يضمن التوازن العادل بين حماية الحرية وحماية المجتمع يقر من خلاله بالحد الأدنى لحرية الإنسان في تلك المراحل والذي استوجب القانون الحفاظ عليها وعدم التضحية بها وبذلك أرسى الدستور المعدل لمملكتنا جوهر الشرعية الإجرائية ومن خلال هذا المبدأ وحده الذي أضحى الأداة التشريعية لتنظيم الحرية الشخصية وتحديد الإجراءات التي لا يجوز اتخاذها للمساس بهذه الحرية ذلك بأنه لا عقوبة بغير حكم قضائي ويمكن تحديد مبادئ الشرعية الإجرائية الجنائية بثلاث مبادئ أولهما الأصل في المتهم البراءة، وثانيهما القانون هو مصدر الإجراءات الجنائية، وثالثهما الأمر القضائي في الإجراءات الجنائية.

وزارة الداخلية

العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً