العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ

العولمة وإرهاصات البطالة المعنفة في المجتمع البحريني

الفصل الثاني

البطالة ليست ظاهرة مقتصرة على المجتمع البحريني فحسب وإنما ظاهرة متعددة ومتشكلة في جميع دول العالم ومعولمة وبنسب متفاوتة في كل دولة في العالم المتقدم منها والنامي أو العالم الثالث، وجارفة للمجتمعات العالم بأسره في ظل غطاء النظام العالمي التي تقوده المجتمعات الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، (العولمة) أو (الأمركة) كما يحلوا لبعض الكتاب، صاحبة القوة الاقتصادية وصاحبة المكانة السياسية التي تحاكي المجتمعات الأخرى وفق مصالحها ومتطلباتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الثقافية.


العولمة الاقتصادية وتأثيراتها على العاطلين

فالعولمة الاقتصادية التي هي عمودها وعصبها الحيوي والمتحرك الدينامي للعولمة بأشكال وإفرازات متعددة ومتداخلة لجميع القضايا والظواهر الاجتماعية.

فظاهرة البطالة هي في صلب البناء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع المحلي(البحريني) فحسب، وإنما تساهم فيه العولمة الجارفة والمجحفة بحق الشعوب الصاعدة والنامية ، وهي أكبر بكثير من مدركاتنا الفكرية والعقلية ، لو ننظر لها بمرآة ماكروسيكوبية، حيث هي متعاضدة ومتعاونة مع كثير من الأوجه المرافقة لمحكات ومتغيرات بنيوية معلومة.

لو أخذنا ثنائية المعلوماتية وسوق المال الذي جعل من العولمة عصبا يحاكي العالم كله (1)، وتدفقاته العملاقة التي تسيطر على تقنية المعلومات باعتباره الوحيد القادر على دفع كلفة تطويرها وتشغيلها وصيانتها، وتمثل الشطر الأكبر من الدخل القومي لبعض البلاد الصناعية المتقدمة التي تأتي الولايات المتحدة الأميركية على رأس قائمتها، إذ تتوجه نحو العمالة الرمزية وتولد أفواجا من البطالة ذوي مهارات تقليدية (2).

فلا نستغرب أبدا من الدارسين في الجامعات والمعاهد والأكاديميات العليا والطامحة وما يصاحبها من مهارات وقدرات علمية حديثة تفهم النظام العالمي وتطلعاته ورؤاه ، ان لا تقبل بعمل تقليدي ولا يتطلب مهارة عالية وتقنيه بشرية كبيرة، وتغلب عليها البيروقراطية الجامدة والساكنة، والروتين الممل والقاتل للقدرة والإبداع البشري مما يؤهله لعدم الإنتاجية والبناء في عدم استغلاله للعنصر البشري المتميز في الحقيقة بقدراته الفذة، فبالتالي نحن نواجه متلكئين عميقين وصفا ومضمونا هما البطالة السافرة والمقنعه على حد سواء.

ولا نستغرب من فئة أخرى ذات حالة تعليمية متدنية ومتوسطة أن لا تجد عملا يتناسب مع قدراتهم ومهاراتهم وتطلعاتهم، ونجدهم في إعداد العاطلين وخصوصا لأن سوق العمل البحريني يتطلب الكفاءة ومهارة ويتطلع إلى الاندماج مع سوق العمل العالمي المعولم.

خصوصا بعد إبرام اتفاقية التجارية الحرة مع السوق الأميركي في 11 يناير/ كانون الثاني 2006، وانفتاح كثير من الشركات والمصارف والتجارة المالية والسياحية والخدماتية في الغالب تترتب إلى زيادة استثماراتها الحقيقة داخل سوق مملكة البحرين، متجهة بمد السوق العالمي المفتوح وانتعاش الاقتصاد والصد للاضطراب السياسي (3).

مما علينا ان لا نغضب من الجهات المسئولة التي يندرج تحت قائمتها أعداد من العاطلين من الخريجين الجامعيين بتخصص العلوم الإنسانية والاجتماعية و تخصص العلوم التربوية والنفسية واللغة العربية والأسلامية 550 خريجا وهي في تصاعد (4).

فالمقابل قل ما ندر من العاطلين الجامعيين ذوي تخصص إدارة الأعمال واللغات الأجنبية وتقنية المعلومات وهندسة الميكانيكية والكهربائية والمعمارية.

مما يدلل على أن سوق العمل البحريني يتشرب أصحاب المهارات والعلوم الإدارية والمالية واللغات الأجنبية وخصوصا اللغة الإنجليزية ولغة تقنية المعلومات، الذين أصبحوا نوادر سوق العمل ومتحكمين فيه وآتون بالمال والأعمال والإنتاج على السواء.

مما يفرض على الدولة التدريب الدائم على من هم في سوق العمل، ومن هم خارجه سواء نظرا لسرعة تطور التقنيات وتحولات السوق العمل وفرصه، وتزاد المنافسة وتسارع إنجاز الأعمال، وكذلك لتطوير الكادر التعلمي والمهني والفني بما يتناسب مع الصيغة الجديده لسوق العمل البحريني بمختلف التنوعات والتخصصات.

وهكذا تصبح المرونة مفتاح اللعبة في سوق العمل، حيث يرى بعض الخبراء أنه سيتعين في العقد القادم قضاء 50 في المئة من وقت العمل في متابعة المستجدات وتسارع الأحداث. ومادام العمل أصبح معولما سيكون العاطل في دوامة مستمرة(5).


عولمة التنشئة وإرهاصاتها على تنامي صور العنف للعاطلين عن العمل

أن التنشئة الاجتماعية تساهم بشكل كبير في عملية تعليم وتعلم أفراد المجتمع وتقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى اكتساب الأفراد سلوكا ومعايير واتجاهات مناسبة وأدوارا اجتماعية معينة تمكن من مسايرة الحياة الاجتماعية، كما أنها عملية تحول الكائن البيولوجي إلى كائن اجتماعي (6).

فبأهمية هذا البعد التنشئي وخطورته في ذات الوقت نفسه الذي يشكل العقل والمعرفة والايدولوجيا وممارسة السلوك وخصوصا ان أحد أبعد هذه التنشئة هو المحور الإعلامي.

الذي جعل من الثقافة هي الصورة للعالم الموحد كما لم يحدث من قبل التاريخ البشرية، وهي إحدى الحتميات النفسية التي توفر للبشرية فرصا غير مسبوقة في الإعلام والتواصل والمشاركة الإنسانية، والإحساس بكونية الانتماء.

حيث يطلع المشاهد على مدار الساعة كل ما يجري من أحداث مهمة على الساحة العالمية، ونشاهد الحروب مباشرة مثلما نشاهد مباريات المونديال العالمي.

تكمن المشكلة في محتوى توجيهاتها وكيفية أدلجيتها للصالح والطالح ...، من المستفيد من وراء هذه الأخبار المتتالية ومن يتغنى بمصلحته الفورية والمباشرة.

فبالتالي إلقاء الضوء على قضية البطالة بأشكالها المختلفة وخصوصا المعنفة يجب ان تثبت كثيرا على كيفية إسناد رأي الحق، كان هذا في البرامج التلفزيونية أو الصحافة أو باختلاف الوجوه الإعلامية الحديثة، تستدعي التفاؤل المعنوي والنفسي للعاطلين، ولآثاره للمهتمين والعلماء والمفكرين الاجتماعيين، فمن العاطلين لديهم اهتمام جدي بالصورة الإعلامية التي تقدمه ثقافة الصورة والكلمة الشفافة وأهميتها في الجانب الإعلامي والاجتماعي.

فالصحافة البحرينية غير متهاونة في أطروحاتها لحل أزمة البطالة وإلقاء الضوء عليها بشكل مهم ومثير لإهتمام الرأي العام والمجتمع البحريني، ولقول أحد المبحوثين: «الصحافة وكوادرها سلطة رابعة ويجب المحافظة عليها رغم المخنوقات القضائية والحكومية وأصحاب النفوذ والرأسماليين ومعرقلاتهم عليها» ، على الغرم من التأثيرات الدولية الحسنه من استنتاجات تقرير البحرين الحقوقي بأن يكون قانون الصحافة غير مخالف للحرية (7).


العولمة وتأثيراتها على العاطلين عن العمل

إذن العولمة حمالة الأوجه تستعصي اختزالها في نظرة حيادية سواء على المحك الاقتصادي والعمالي أم على صعيد الثقافة والهوية التي هي تحت محك في كل الكتابات والمناظرات الفكرية وخصوصا في العالم العربي، فلقد ارتفعت أصوات تندد بالهيمنة الثقافية وتهدد الهوية التي تحملها العولمة. حتى أن هذه بدأت لهذا الفريق وكأنها مجرد مشروع هيمنة إمبريالية توسعية جديدة تقود ها الولايات المتحدة الأميركية لحسابها، محاولة فرض نموذجها كونيا.

الأسماء والأقلام العربية المنخرطة في هذا الرفض الهجومي أكثر من أن تحصى، حتى لتبدو المسألة الثقافية الشغل الشاغل للمفكرين، وتردد التعبيرات مثل تذويب الثقافات الوطنية، وتهديد الهوية، والغزو الثقافي الاستعماري الجديد، وتجيير العالم لمراكز الهيمنة وسلخ الإنسان عن مواطنيته وانتمائه لتباعه بمرجعية علمية لا تحمل له سوى الضياع، والمشروع الأخطبوطي للعولمة الأميركية، نزعة العولمة الثقافية الأميركية للفتح والسيطرة (8).

فشريحة العاطلين مستهدفة وطنيا وهوية في مضامينها وفي جواهرها، لان العمل في حقيقته بناء اجتماعي وتنموي للمجتمع ويجسد روح الوطن ويعبر عن التزاماته الوطنية الخيرة في إسهاماته العملية، فالغالب من العاطلين فاقدون لمناصفة ميزان المواطنة (حقوق واجبات) ما يسهل عليهم اغترابهم وعدم أقدامهم على الموالاة للوطن وفقدان شهية الانتماء، هذه عصية العنف ومخلة بالأمن الاجتماعي العام تدعيما على ذلك أحداث الحقبة الماضية 1994.

ولا نستغرب من عنفوان هؤلاء في ضرب أو قتل عسكري مجنس متسبب بشكل أو بآخر في شغل وظائفه الطامح لها كما يحدث في وي كند عنف.

فالمجتمع البحريني على المحكين وهو المرتبط المحلي والآخر العالمي في إفراغ الهويات وربط الناس بلا وطن، وتسليع الثقافة والقيمة والأمر الآخر هو التركيبة الغريبة في عشوائية التجنيس الفسيفسائية.

العولمة: الجريمة وإفرازات صور معنفة للعاطلين

وفي كتاب فوكوياما ، الباحث الأميركي النافذ «THE GREAT DISRUPTION» يؤكد فيه ارتفاع معدلات تفجر الجريمة والاضطراب الاجتماعي وفقدان الثقة، باعتبارهم أهم مظاهر الانهيار الغربي (المعولم) (9).

فمع ارتفاع معدلات الجرائم والانحراف، بصورة وألوان جديدة ، وبتصاعد ملحوظ، حيث العالم المعولم قد أدى إلى خلق بيئة مؤاتية لأشكال جديدة ومتوسعة من الإجرام، بفعل الهيكل المتغير في التجارة والتمويل والاتصالات والمعلومات، الذي أدى إلى تكوين بيئة لا تنحصر فيها الجريمة ضمن الحدود الوطنية بل أصبحت عالمية الطبع (10) تفاقم حدة المعضلة الاجتماعية وتراجع مؤشرات الأمن الاجتماعي والإنساني بازدياد مضطرد لمعدلات البطالة والفقر والجهل، والعاطلين لا يحترمون القانون وخصوصا إذا ترتب على ذلك عدم احترام العسكريين للقانون ومن العاطلين لا يحترمونه لكونه مبررا لارتكاب الجرائم، من بينها ظاهرة تجارة المخدرات وإدمانه على حد سواء.

إن ازدياد حدة النزعات الانعزالية وتزايد الهوة والمسافات الاجتماعية بين الأقطار والشعوب على الرغم من اتصالها الظاهري ونمو النزعات والميول والاتجاهات وعودة التشريعات والقوانين والتنظيمات العنصرية الأعراق والأديان والمذاهب، وانهيار الضوابط الاجتماعية والأخلاقية، مع ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري، وتراجع معدلات الزواج وانتشار أشكال جديدة من الزواج، بين أفراد النوع الواحد (11) بطبع أنها من الأوجه المثيرة التي أفرزتها أزمة البطالة المتصاعدة على الشكل المعمم (العولمة الاجتماعية).


العولمة: القوة والسلطة والنفوذ وتأثيراتها على العاطلين

لا ننسى العولمة السياسية التي تتمثل في القوة والسلطة والنفوذ، والتي تنطلق من نمذجة العالم الغربي الليبرالي الديمقراطي إلى دول العالم بدعاوى إلى تحديث النظم السياسية، وبإدخال تشريعات الديمقراطية وتبني اتجاهات سياسية ليبرالية، وإشاعة مناخ من الحرية والتعددية والشفافية، ومن أهمها إتاحة الفرصة للمشاركة السياسية واحترام حقوق الانسان، وتشجيع منظمات المجتمع المدني أو المنظمات الأهلية.

بيد أن المجتمع البحريني الحديث بعد الإصلاحات التي قام بها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بعد توليه الحكم نمذج أطروحاته المحلية وفق الإطار العالمي الدائر عبر مشروع الميثاق العمل الوطني الموافق 14 من فبراير/ شباط 2001 ووافق علية 98.4 في المئة من المجتمع البحريني حتى أصبح اجماعا اجتماعيا في إعطاء الدور الإصلاحي الريادي، المتعطش للحرية وللديمقراطية والأجواء النقية الجديدة .

رغم المعوقات الدستورية التي ينادي بها فريق المعارضة في تعديلات دستورية بشكل عقدي وضامن بين الشعب والحكومة.

هذه مفارقة عمياء يجب أن يتدخل فيها الشرفاء والواعدون والعاملون من أدنى الهرم إلى أعلاه لحل هذه الأزمة واحتوائها قبل أن تتفاقم وتجر الساحة البحرينية إلى مصير مظلم يخل بالأمن العام، ولقول أحد الباحثين «إن الضغط الفقر والجوع والحرمان من نوم هانئ في مسكن يجلب إلي الاطمئنان والسكينة، يولد قوة وانفجار على سائر الحال التعيس، الساحة اليوم مقبلة على الخطوة الثانية نيابيا تنفيذا لمضامين دستورية، إذا أفلت زمام الأمور من حيث لا يحتسب للجوع وقهر ولا يحتسب للخطوات الإصلاحية التي هي بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، فقولوا على الدنيا السلام... من الشعب... من قوى المعارضة... من الحكومة».

الخاتمة

نحن أمام تحديات عديدة ومريرة يجب الوقوف عندها بتأمل ودراية وفكر، والسؤال المطروح: كيف نفهم تحدياتنا وفق النظام العالمي المعولم، ونستغلها في حل أزماتنا ومشاكلنا الداخلية وكيف نتعايش ونتشارك مع العالم الآخر في ظل هذا الإعصار المخيف؟

هل هي الممانعة والانغلاق التام على سقف العالم ؟! أم الاندماج في الخريطة العولمية، لنجني كل ما هو مفيد وإنساني وخير للمجتمعات والأوطان؟ ذلك يتطلب منا دراسة تامة ومستفيضة تحليلية مقدرة للنهوض بأوطاننا ومجتمعاتنا.


الهوامش:

-1 هاني الحوراني، تأثير العولمة على قطاع العمل، أعمال الندوة الثقافية الأولى، 1998، وزارة العمل والشئون الاجتماعية، البحرين.

-2 عبدالرحمن آل خليفة، تأثير العولمة على قطاع العمل، أعمال الندوة الثقافية الأولى، 1998، وزارة العمل والشئون الاجتماعية، البحرين.

-3 نشرة واشنطن، مكتب برامج الاعلام الخارجي، وزارة الخارجية الأميركية، منطقة التجارة الحرة، 2006.

-4 جمعية الوفاق الوطني الإسلامي، الدراسات والبحوث، التنمية المستدامة والتعليم والتدريب وتنمية الموارد البشرية، 2008.

-5 جلال أمين، العولمة والهوية الثقافية والمجتمع التكنولوجي، أبحاث مؤتمر العولمة والهوية الثقافية، 1998، القاهرة.

-6 عزمي بشارة ، إسرائيل والعولمة ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 19997، بيروت.

-7 صحيفة الوسط البحرينية، عدد رقم: 2043، الخميس أبريل 2008.

-8 عبدالإله بلقزيز، عولمة الثقافة، أم ثقافة العولمة، مركز دراسات الوحدة العربية، 1998، بيروت.

-9 علي حرب، العولمة والتطور التقني، مركز دراسات الوحدة العربية، 1998 ، بيروت.

-10 لويز شيلي، عولمة الجريمة والإرهاب، مكتب برامج الاعلام الخارجي، وزارة الخارجية الأمريكية، 2006

-11 Fukuyama, F . The Great Disruption: Human Nature and the Reconstruction of Social Order 1999

-12 برهان غليون، المنحة العربية: الدولة ضد الأمة، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية.

العدد 2439 - الأحد 10 مايو 2009م الموافق 15 جمادى الأولى 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً