العدد 2460 - الإثنين 01 يونيو 2009م الموافق 07 جمادى الآخرة 1430هـ

الديمقراطية الكويتية وصراع النفوذ

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

تشتد حرارة طقس المنطقة، تهب رياحا مغبرة لاهبة تلسع مظاهر الحياة فيها، فترتفع إثرها وتيرة أحاديث الناس حول الأزمة المالية وتسريحات العاملين، فضلا عن الانتخابات التي أوصلت بقفزة قدم واحدة أربع كويتيات إلى البرلمان، وسجلت تراجعا لمواقع الإسلام السياسي، كما أتت في سياقاتها بتشكيلة وزارية كويتية تضيف تحديا جوهريا لمن اتخذ الممارسة الديمقراطية نهجا استراتيجيا وتنمويا، ذلك لأن الصفقات والمحاصصات التي تحكم تشكلها غالبا ما تمثل منبعا للاحتكاك، وربما تنحرف هذه المرة نحو تفاعلات تكون الأشد سخونة وتأثيرا من ظاهرة «الاحتباس الحراري».

على رغم من تباين آراء الباحثين بشأن مفهوم وشروط العملية الانتخابية الديمقراطية، والتي تتجسد بحسب «روبرت دال» في حرية الحصول على المعلومات والتعبير والتنظيم وتشكيل المؤسسات المستقلة والانتخابات الحرة والنزيهة، إلا أن الجزم بتجسدها الفعلي برأي «عبد الفاتح ماضي» يعتمد على ممارستها في إطارٍ دستوريٍ لنظام ديمقراطي وفعال يحقق المقاصد والوظائف، على أن تجري بصورة حرة وقانونية تتصف بالمنافسة واحترام الحقوق والنزاهة، وتتم بشكل دوري وانتظام وتدار ويشرف عليها ويعلن عن نتائجها بحيادية وعدالة وشفافية.

لا ريب أن حديث «الماضي» يأتي في سياقات التنظير، غير أن العبرة تكمن في الممارسة العملية، كيف؟


مبدأ تبادل السلطة

هنا يقارب الباحث الكويتي «أحمد الديين» تلك القواعد على الكويت في دراسة له منشورة في كتاب بعنوان «الانتخابات الديمقراطية - 2009»، فيقول: «إن التجربة طويلة وقد أثبتت دورانها في رحى نظام سياسي وانتخابي يشتمل على مؤسسات وقوانين يتمتع بالحد الأدنى من مبادئ الديمقراطية، حتى وإن غابت الأحزاب السياسية عن نص الدستور الذي لا يلزم بحريتها ولا يحظرها، بل يفوض أمرها إلى المشرّع العادي، فتلك الأحزاب غُيبت حسب وقائع التاريخ، تنفيذا لإصرار ممثّل الأسرة الحاكمة آنذاك في لجنة إعداد الدستور».

صحيح أن الدستور كفل تداول السلطة التشريعية، إلا أنه قيّد تداول التنفيذية منها، فلم يشترط حصول الوزراء على ثقة مجلس الأمة، كما لا يمكن للنواب سحب الثقة من الحكومة ككل، إنما من الوزراء منفردين عبر تقديم «الاستجواب» الذي يطرح الثقة بأحدهم بعد توقيعه من عشرة نواب. معلوم أن المجلس لا يملك صلاحية سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، بل يمكنه فقط إعلان عدم التعاون معه، ورفع الأمر إلى الأمير الذي يقرر إما تنحيته وإما حل المجلس، تماما كما حصل عند استقالة الحكومة وحل البرلمان في مارس/ آذار الماضي.

هنا يتبين بجلاء ما يشوب ديمقراطية الكويت من مظاهر توتر لها علاقة بولاية العهد ورئاسة الحكومة «مبدأ تبادل السلطة»، فضلا عما أنتجته انتخابات 2009 والتشكيلة الوزارية الجديدة، التي خضعت للتوازنات والمحاصصات وحصرت (5) حقائب سيادية في جعبة آل صباح «الدفاع، الخارجية، الداخلية، النفط، الإعلام»، إلى جانب مناصب أخرى يتمتع بها بعضهم إضافة لمنصبه الأصلي، كذلك احتفاظ بعض القبائل بتمثيلها الحكومي «العوازم، المطران، العجمان»، وسيطرة بعضهم وآخرين على مقاعد البرلمان، ما يرجح صحة رأي «الديين»، من «أن العملية الانتخابية محدودة الفرص على مستوى السلطة التنفيذية، لا تنتج فرصا جديدة لمحاسبة الوزراء، فأغلبهم معينون من غير النواب المنتخبين».

من ناحيتنا، هذا لا يقلل من شأن ديمقراطية الكويت المتسمة بمرونتها، وخصوصا غالبية دول الخليج لم ترق بعد إلى إقرار دساتيرها العقدية، كما لا تمارس فيها انتخابات حرة مباشرة من الشعب، باستثناء الكويت والبحرين.


الاستجواب مولد الأزمات

وعليه فمظاهر التحديات عديدة ومتشابكة بل ومعقدة، يأتي على قمتها استخدام أداة «الاستجواب»، التي غالبا ما يتسبب استحضارها توليد الأزمات، لاسيما عند تصاعد الحوارات المتصلة بشبهات إرساء المناقصات أو أملاك الدولة أو هدر المال العام أو تقاسم النفوذ وما شابه، فجذور الأزمة تاريخية ومتجددة وتولد من رحم النظام السياسي ومؤسساته وآلياته، المتمثلة حسب «خلدون النقيب» في كتابه «صراع القبيلة والديمقراطية صفحة 246، دار الساقي»، في القوانين غير الدستورية كقانون المطبوعات والرقابة السياسية وقانون الجنسية المخل بمبدأ المواطنة وقانون الانتخاب، آخذين في الاعتبار الدعوة لإنشاء هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات لمعالجة ظاهرة المال السياسي وشراء الأصوات وتوجيهه نتائجها وإفرازاتها، ما يستوجب تعديل القانون لتقنين المصروفات التي ينفقها المترشحون وتحديد سقف لها ومعرفة مصدرها.


تعديل الدستور

ثمة تحديات أخرى لا تقل خطورة عن سابقتها، تتعلق ببؤر التوتر الدائرة التي تطالب «بتعديل الدستور»، فالأصوات المطالبة بذلك، وتجتر ذات المبررات، من كون الدستور يمنح صلاحيات مطلقة للنائب الفرد، ويفسح المجال لوضع البلاد على صفيح ساخن، فهذا يمثل نقطة ضعف تتطلب التعديل لمواكبة المتغيرات وترشيد أدوات المساءلة البرلمانية، ومنح الممارسة الديمقراطية مناعة سياسية، مضيفة أن أجواء سن الدستور في 1962 اختلفت عما هي عليه حاليا، في ظل الانقسامات القبلية والفئوية وسيطرتهم على أكبر دائرتين انتخابيتين، وفوز «نواب التأزيم» ممن اختلفوا مع الحكومة السابقة حول شكهم في وجود مغانم وصفقات تجري خلف ظهورهم، إذ أشار أحدهم أثناء حملته الانتخابية، بعدم دستورية إشراف «حكومة تصريف العاجل من الأمور» على الانتخابات، مستندا إلى «المادة 107» التي تنص على أنه «لا يجوز للحكومة المستقيلة الإشراف على الانتخابات العامة»، ما يعني احتمالية إعادة إنتاج الأزمة عبر الطعون الانتخابية والاستجوابات.

ومن شاشة راداراته للممارسة الديمقراطية، الفريق المقابل يشاهد الموقف بصورة مغايرة، ويجد أن قوى الفساد تغلغلت وتمكنت من مفاصل المجتمع، فهي تسعى كما صرح النائب أحمد السعدون «إلى إقناع المواطنين بعدم التصويت انطلاقا من الموقف بعدم جدوى الممارسة الديمقراطية»، وأضاف: «إن من يقود هذا التوجه طرفان، الأول حاول إجهاض الدستور والاستيلاء على السلطة منذ البداية، أما الثاني فأعطي نفوذا لا يستحقه، وقد أدى تحالف هذين الطرفين إلى الاستيلاء على المال العام وأملاك الدولة، ولهذا جاء تصديهم لأي قانون يسعى إلى تنظيم الاقتصاد وإنعاشه، وهم أنفسهم الذين يسعون إلى تعديل الدستور وتعطيل الحياة النيابية»، بدورها النائب أسيل العوضي ترفض مبدأ «الكوتا» النسائية من كونه مدخل لأجراء التعديل على الدستور الذي يعتبر خط أحمر ولا يجوز المساس به لانتقاص أي حق من حقوق المواطن وحريته.


ما يخسر بالتنازلات... يسترد

خلاصة الأمر، المطالبون «بالتعديل» يريدون إقناع الجميع بذلك لاعتبارات منها، الأزمات المتكررة بسبب الاستجواب، وشل قدرة الحكومة على تمرير قوانين تؤسس للاستقرار السياسي وتقلل من تداعيات الأزمة المالية واستيلاد مشاريع استثمارية وتنموية، بيد أنهم لا ينطقون ببنت شفة عن شبهات عقد الصفقات أو حجم المصروفات والإنفاق في الدواوين الرسمية وما شابه، في ظل التجاذبات القائمة على شعور الخوف والتوجس الذي يتملك القوى وعلاقات مضطربة وصراع على النفوذ والمغانم، وهي التي عبر عنها «النقيب» بفصاحة قائلا: «إن صراع القبيلة والديمقراطية كمفهومين ينطويان على أمور غاية في التعقيد أكثر مما تدلل عليه معانيهما الظاهرية».

- عن أي تعقيد تحدث؟

- حتما، عن تكيف نظام القبيلة التقليدي مع ما يستجد من أوضاع في سياق التطور غير الثابت، فالقبيلة ليست حالة فوضى، وما يتم خسارته بالتنازلات يسترد بالسيطرة على العملية السياسية.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2460 - الإثنين 01 يونيو 2009م الموافق 07 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً